... «وداعاً للمهادنة»، بهذه العبارة يمكن اختصار عنوان الاطلالتيْن الاخيرتيْن للامين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصرالله، الذي «يستشعر خطراً» يهبّ من سورية والعراق، وهو ما دفعه الى الحديث عن «معركة وجودية» قد تحمله في يومٍ ما الى «اعلان التعبئة العامة»، والى مخاطبة الاخرين من خصومه، لا سيما في البيئة الشيعية بكلامٍ غير مسبوق في حدّته كاتهامهم بالعمالة للسفارة الاميركية والخيانة والغباء.في غروب اول من امس في النبطية، ومن على الشاشة العملاقة، أطلت «عمامة» العام 2000 التي توحّدت خلفها الجغرافيا من المحيط الى الخليج يوم صنعت انتصاراً نظيفاً على اسرائيل، لكنها بدت في الـ 2015 كأنها «توعّدت» الجميع، فلم تعد كل الجبهات الجنوب... ها هو «حزب الله» يقاتل على التخوم الشرقية للبنان وفي سورية والعراق وتمتدّ معاركه الى اليمن والبحرين.وخارج السياق التحليلي للأخطار الفعلية التي يستشعر بها السيد نصرالله واللهجة التعبوية لجمهوره، فان خطابه في «عيد التحرير»، انطوى على ثلاث رسائل بالغة الحساسية والأهمية، وهي:* الاعلان عن ان «حزب الله» يقاتل وسيقاتل في سورية وعلى كل جبهاتها الممكنة، وفي العراق ايضاً مهما استلزم الأمر من تضحيات وأثمان، فهذه الحرب سيخوضها حتى النهاية.* القرار الواضح والحاسم بان «حزب الله» ذاهب الى معركة جرود عرسال بمؤازرة الجيش اللبناني او من دونه، وتالياً فإن على الحكومة والجيش تَحمُّل مسؤوليات تَردُّدهما.* الايحاء بان صبره يكاد ان ينفذ إزاء الآخرين، وهو الأمر الذي سينعكس بالضرورة على السلوك الداخلي لـ«حزب الله»، وقد يكون الحوار مع «تيار المستقبل» اولى ضحاياه.وفي تقدير أوساط واسعة الاطلاع ان «حزب الله» يستعجل معركة جرود عرسال، كواحدة من معاركه المفتوحة في القلمون السوري، سعياً الى الانتصار الصعب قبل ان يدهم جنرال الثلج التلال والمرتفعات في تلك الجغرافيا القاسية.وقالت هذه الاوساط لـ «الراي» ان امام «حزب الله» خمسة أشهر لحسْم المعركة لمصلحته، وإلا فانه سيصاب بانتكاسة فعلية في القلمون لان جنرال الثلج هو حليف للجماعات المسلّحة المتحصّنة في المنطقة.وعلمت «الراي» ان المعارك الفعلية بدأت في القلمون وعلى نحو عنيف، وخصوصاً بعدما أخذ «حزب الله» تماساً مع الجماعات السورية المسلحة على غير جبهة، حيث تشتدّ المواجهات والكمائن المتبادلة، وكان من بينها مكمن نصبته «جبهة النصرة» لـ «حزب الله» مما اوقع في صفوفه خمسة قتلى و 25 جريحاً.ويدرك «حزب الله» ان معركة القلمون لن تكون نزهة، وهي مكلفة بطبيعة الحال، لكن لا مفرّ منها في سياق الحرب التي يخوضها بدءاً من السلسلة الشرقية لجبال لبنان ووصولاً الى جبهات العراق التي تشهد انفلاشاً لـ «داعش»، ومروراً بجبهات سورية التي تنهار الواحدة تلو الاخرى.ولم يكن عابراً في هذا السياق ما قاله نصرالله قبل أيام من ان «حزب الله» سيمضي في هذه الحرب «لو قُتل فيها نصفنا وبقي النصف الآخر ليعيش بكرامة وعزة وشرف، وحتى لو قُتل ثلاثة ارباعنا ليعيش الربع الآخر بكرامة... فهذا خيار افضل».ومرد هذا التصميم، في رأي دوائر مراقبة في بيروت يعود الى استشراف «حزب الله» لحجم الأخطار بعد المتغيرات الآتية:* توحُّد معسكر أعدائه من الجماعات المسلحة في سورية، وهو ما ظهرت ملامحه في «جيش الفتح»، مما أكسب هؤلاء قدرة على إسقاط مناطق استراتيجية في سورية. وهي الوحدة التي تعكس توحُّد القوى الاقليمية الداعمة لهؤلاء.* اختلال موازين القوى الناجم عن سقوط مناطق في أيدي أعدائه كالرمادي في العراق، جسر الشغور وادلب وتدمر في سورية. فجسر الشغور مثلاً يجعل «مفتاح» اللاذقية بيد المسلحين.* التغيير الذي طرأ على سلوك «داعش» وخط سيرها مع انتقالها من الجبهات في الحسكة ودير الزور في اتجاه تدمر وقيامها بإسقاط المعابر المتبقية مع العراق.* العجز المتعاظم لوحدات الجيش السوري عن المواجهة اولاً وعن استرداد ما يخسره النظام من مناطق نفوذ ثانياً.وهذه المعطيات المستجدة التي تتزامن مع قرار سعودي بالمواجهة في اليمن والساحات الأخرى، أفضت الى استشعار «حزب الله» خطراً، لم يتردّد بوصفه بـ «الوجودي»، وهو ما انعكس في المواقف الاخيرة للسيد نصرالله.
خارجيات
ثلاث رسائل بـ «البريد الساخن» أطلقها نصرالله المستشعر خطراً... وداعاً للمهادنة
«حزب الله» يستعجل «الحسم الصعب» في القلمون قبل أن يدهمه «جنرال الثلج»
12:12 م