«أين إقامتنا... عائلاتنا تنتظرنا في سورية... أولادنا يرسمون الموت هناك... نشعر بالعزلة وعدم الاندماج هنا». عبارات كُتبت على لافتات حملها معتصمون سوريون في الدنمارك أوائل يناير وتعكس حالة مئات آلآف النازحين الذين لم يجدوا خياراً غير المخاطرة بحياتهم والسفر عن طريق المهرّبين بحراً إلى دول أوروبية عدة هرباً من القصف والحرب وانعدام الأمان، آملين في الحصول على إقامة دائمة تمهيداً للمّ شمل عائلاتهم.أعداد الفارين من الموت الذين «لفظتهم» الأزمة من بلادهم هي مجرد تخمينات، بسبب سرية المعابر الحدودية غير الرسمية، وندرة البيانات الواردة من سلطات الدول الأوروبية. ومع ذلك أعلنت الامم المتحدة ان 100 ألف لاجئ سوري من دول الجوار سيجدون طريقهم إلى أوروبا وبعض دول العالم سنة 2015، في إطار برنامج إعادة توطين وافقَت عليه دول أوروبية إضافة إلى الولايات المتحدة في اجتماع دولي عقد في جنيف في شهر ديسمبر الماضي، ما سيتيح استضافة كل اللاجئين الذين صنّفتهم الأمم المتحدة مؤهلين لإعادة التوطين وعددهم نحو 380 ألفاً وهم بالدرجة الأولى أشخاص يعانون من أوضاع بالغة الهشاشة ولا سيما منهم الأطفال والناجون من التعذيب.غالبية السوريين يحصلون على الإقامة المؤقتة والحماية فقط في الدول الأوروبية، أما مَن يحصل على الإقامة الدائمة فيستفيد من كافة المميزات، من سفر إلى لمّ الشمل، ويبقى السؤال ما الشروط والمدة التي يحتاج إليها النازح للموافقة على طلب لمّ شمل عائلته؟لمّ شمل الأسرة هو أحد الأسباب المعروفة للهجرة في الكثير من البلدان نظراً لوجود فرد أو أكثر من الأسرة في بلد معين ما يتيح لباقي أفراد العائلة الهجرة إلى هذا البلد أيضاً.وتسعى قوانين لمّ الشمل إلى تحقيق التوازن بين حق الأسرة في العيش معاً وبين حق البلد في السيطرة على معدلات الهجرة. وبعد الأزمات التي شهدها ويشهدها الشرق الاوسط ولا سيما الحرب السورية، باتت الدول الأوروبية «الحلم» الذي يسعى إلى بلوغه اللاجئون السوريون. وفي سبيل الوصول إلى «أرض الأحلام» غالباً ما يخوضون الصعاب ويواجهون الموت، حيث غرق الآلاف منهم خلال محاولتهم عبور البحر المتوسط إلى أوروبا في قوارب قديمة متهالكة يستخدمها المهرّبون، على الرغم من دفعهم مبالغ طائلة، ومع هذا مَن وصل منهم بسلام تحوّل حلمه كابوساً إذ يعيش واقعاً مؤلماً في ظل ظروف صعبة تختلف من بلد إلى آخر، بحسب الإجراءات والقوانين المعمول بها في البلد الذي حط ّرحاله فيه، بانتظار الحصول على إقامة دائمة يستطيع من خلالها أن يطلب جلب عائلته.في يونيو 2014 أعلنت وكالة «يوروستات» أن اللاجئين السوريين يشكلون ربع مَن حصلوا على اللجوء السياسي في الدول الـ 28 للاتحاد الأوروبي، متقدمين بذلك على الأفغان والأفارقة. وقال المكتب الاوروبي للاحصاءات إنه من أصل 50 ألف سوري فروا من بلادهم إلى الاتحاد الأوروبي العام الفائت، حصل 35 الفاً و800 شخص على وضع الحماية. وبذلك، يشكل السوريون 26 في المئة من 135 ألفاً و700 طالب لجوء منَحهم الاتحاد الأوروبي الحماية، علماً أن النزاع السوري تسبب بأسوأ أزمة لاجئين منذ الإبادة في رواندا مع أكثر من ثلاثة ملايين سوري غادروا بلادهم.وازداد عدد السوريين الذين استقبلهم الاتحاد الأوروبي بنحو الضعف مقارنة بالعام 2012، وتم استقبال ستين في المئة منهم في السويد (12 ألفاً) وألمانيا (9600) علماً أن برلين أعلنت أنها ستستقبل 20 ألف سوري يشكلون ضعف العدد المتوقع.وفي المحصلة، لم يوافق الاتحاد الأوروبي سوى على 24.9 في المئة من طلبات لجوء قدّمها 435 ألف شخص في 2013. ومن أصل 100 ألف طلب وافقت فرنسا على 16 ألفا في العام المذكور. ومن أصل 135 ألفاً و700 شخص قُبلت طلباتهم، مُنح 64 ألفا و500 صفة لاجئين ووُضع 50 ألفاً و900 تحت الحماية وحصل 20 ألفا و400 على إذن إقامة لدواعٍ إنسانية، وفق «يوروستات».ووافقت السويد على 26 ألفاً و395 طلباً متقدمة على ألمانيا بـ(26 ألفاً وثمانين) وفرنسا (16 ألفاً و155) وإيطاليا (14 ألفاً و465) وبريطانيا (13 ألفاً و400). وتستقبل هذه الدول الخمس معاً أكثر من سبعين في المئة من طالبي اللجوء الذين حصلوا على حماية.وفي الخامس من ديسمبر 2014 أبدت منظمة العفو الدولية «صدمتها» إزاء عدد اللاجئين السوريين الذين وافقت الدول الغنية على استقبالهم، ووصفته بأنه «يرثى له». وقالت المنظمة الحقوقية في تقرير نشرته إن «نحو 3.8 مليون لاجئ من سورية تستضيفهم بشكل أساسي خمس دول هي تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر».وأضافت: «فقط 1.7 من هذا العدد الإجمالي تمكن من الحصول على ملجأ في بقية أنحاء العالم». وباستثناء ألمانيا، فإن الاتحاد الأوروبي بأسره لم يؤمن إعادة توطين سوى 0.17 في المئة من اللاجئين الموزعين على الدول الخمس المجاورة لسورية.وعلى الرغم من توزُع النازحين على الدول الأوروبية، أعلن رئيس المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في أكتوبر من العام 2013 أن 17 دولة وافقت على فتح أبوابها أمام اللاجئين السوريين الراغبين في الهجرة، ومن بين هذه الدول الراغبة بالمشاركة في برنامج إعادة تمركز اللاجئين السوريين وردت المكسيك للمرة الأولى، في حين أن الدول الأخرى هي تلك التي تستقبل عادة اللاجئين الباحثين عن الهجرة. والبلدان الـ17 هي أستراليا والنمسا وكندا وفنلندا وألمانيا والمجر ولوكسمبورغ وهولندا ونيوزيلندا والنرويج وإسبانيا والسويد وسويسرا والدنمارك وفرنسا والولايات المتحدة والمكسيك، فيما تبقى ستة منها هي الوجهة التي يختارها السوريون نظراً للقوة الاقتصادية التى تتمتع بها هذه البلدان ولسهولة إجراءاتها القانونية نوعاً ما، وهذه الدول هي ألمانيا، السويد، النرويج، هولندا، النمسا والدنمارك. أما إيطاليا فيغادرها السوريون ولا يمكثون فيها لمدة طويلة.هذه الدول تسهل نوعاً ما لم شمل العائلة للنازحين السوريين، ومفهوم العائلة المسموح بلمّ شملها هي (الأب والأم أو الشريك والشريكة والأطفال تحت سن الثامنة عشرة) بشرط أن الزوجين والشريكين يجب أن يكون كلاهما فوق سن الثامنة عشرة. أما شروط لم الشمل فتختلف من دولة إلى أخرى، إذ في الوقت الذي يشدد فيه بعض الدول من إجراءاتها، تتساهل دول أخرى.ومن شروط اللجوء الأساسية ألا يكون لدى اللاجئ بصمة في إحدى الدول الموقعة على اتفاقية دبلن أو أن يثبت عبوره عن طريق دولة عضو في الاتفاقية (لا فرق بين بصمة في السفارة أو ما يسمى بالبصمة الجنائية داخل إحدى الدول الأوروبية)، وألا يكون له إقامة دائمة في أي دولة أخرى أو يحمل جنسية دولة أخرى كاللبنانية مثلاً (المبدأ بشكل عام ألا يكون لديه مكان آمن آخر يلجأ إليه قانونياً خارج بلده).واتفاقية دبلن هي اتفاقية بين دول الاتحاد الأوروبي وبعض دول أوروبا الأخرى، تتضمّن المبادئ التي تقرر أي بلد يكون مسؤولاً عن استقبال اللاجئ وبتّ طلب لجوئه، وتنص من بين أمور أخرى، على حق طالب اللجوء في أن تنظر دولة واحدة من الاتحاد الأوروبي في قضية طلبه اللجوء، وأن الدولة المسؤولة عن اللاجئ وطلب لجوئه هي التي سهّلت وصوله إلى إحدى الدول الموقعة على الاتفاق، كمنحه تأشيرة الشنغن مثلاً، أو أول دولة دخلها من الدول الموقّعة على «دبلن»، وقد تنطبق «دبلن» على اللاجئ إذا حصل على تأشيرة أو تصريح الإقامة من بلد آخر من بلدان اتفاقية دبلن، وإذا دخل إلى بلد من بلدان اتفاقية دبلن بشكل غير قانوني، وإذا تقدم سابقاً بطلب اللجوء في بلد آخر من بلدان اتفاقية دبلن، وأخيرا إذا كانت أسرته قد حصلت على تصريح الإقامة في بلد آخر من بلدان الاتحاد الأوروبي، فقد يعني ذلك انه سيتم النظر في طلب لجوئه في نفس البلد.الدول المشمولة باتفاقية دبلن: بلجيكا، بلغاريا، قبرص، الدنمارك، إسلندا، فنلندا، فرنسا، اليونان، إيرلندا، إيطاليا، لاتفيا، ليتوانيا، لوكسمبورغ، مالطا، هولندا، بولونيا، البرتغال، رومانيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، إسبانيا، بريطانيا، السويد، التشيك، ألمانيا، هنغاريا، النمسا، النرويج، إيسلندا، سويسرا، وليختنشتاين. وكرواتيا انضمت الى دبلن تلقائياً بانضمامها الى الاتحاد الاوروبي في 1 يوليو 2013.وقبل فترة أُدخلت تعديلات على اتفاقية دبلن تخدم الأطفال غير المصحوبين ببالغين من خلال أنهم سيتمكنون بشكل أكبر من الانضمام إلى أفراد أسرهم، فإذا كان واحد من أخوة الطفل في إحدى دول الاتحاد الأوروبي يطلب اللجوء فيها سيكون من الأسهل الموافقة على نقل قضية الطفل إلى ذلك البلد لدرس طلبهما سوية. كما سيكون من الممكن الحصول على محام في بعض الحالات ومنْع التنفيذ (أي تأجيل عملية النقل التي صدر فيها قرار) أثناء قيام طالب اللجوء بالاعتراض على القرار.وفي ما يتعلق بألمانيا «إذا تم قبول طلب اللجوء الخاص بالنازح يمنح حق الإقامة لمدة تراوح بين سنتين إلى 3 سنوات، أما لمّ الشمل فيكون بعد الحصول على الإقامة بمدة تراوح بين شهرين إلى ستة أشهر، فالامر يتوقف على استكمال الاوراق والشروط المطلوبة»، وذلك بحسب المسؤولة عن ملف النازحين السوريين في السفارة الالمانية في لبنان سيلفيا باسيمي التي اوضحت في حديثها لـ «الراي» ان «عدد ملفات لم الشمل المقدمة الى السفارة الالمانية كثيرة وقد تم إنجاز العديد منها حتى الآن».أما شروط لمّ الشمل في ألمانيا التي لا تختلف كثيراً عن غيرها من الدول الاوروبية فهي «أولاً التقدم بطلب لمّ شمل شخصياً للجهة المختصة بدرس طلبات لمّ الشمل. وإذا كان لمّ الشمل يتعلق بمتزوجين فان الشرط الأساسي أن يكون عمر الزوجين تجاوز الـ 18 عاماً كاملة. ثالثاً أن يكون الشخص الذي يريد عمل لمّ شمل لديه سكن جيد وإقامة في ألمانيا وأن تكون تجاوزت مدة حصوله على الإقامة الألمانية مدة 3 أشهر. وإذا أراد الشخص أن يقوم بعمل لمّ شمل لأحد أطفاله في ألمانيا لا بد أن يكون سن الطفل لم يتجاوز الـ 18 عاماً».اما في السويد، فإذا تمّ قبول السوري كلاجئ يتم منحه حق الإقامة لمدة 5 سنوات، وتحتاج مدة لم الشمل الى ما بين 10 إلى 16 شهراً منذ نيله الإقامة، في حين ان الحصول على الجنسية السويدية يكون من 4 إلى 5 سنوات بعد نيل الإقامة.وفي حال قبول طلب اللجوء الخاص باللاجئ في النروج، تقوم بمنحه حق الإقامة على أراضيها لمدة 3 سنوات ويستطيع اللاجئ إجراء لمّ شمل خلال فترة من 6 إلى 9 أشهر تلي نيله الإقامة، والتقدم على الجنسية النروجية بعد مدة تراوح بين 3 إلى 7 سنوات.بعد قيام النمسا بدرس طلب اللجوء الخاص باللاجئ، إذا تم قبوله تقوم بمنحه حق الإقامة لمدة تراوح بين سنة إلى 5 سنوات أما لم الشمل فيكون بعد مدة تراوح بين شهر إلى 6 أشهر، ويستطيع الشخص التقدم على جنسية النمسا بعد مدة 5 سنوات.من جهتها، تمنح هولندا حق الإقامة لمدة 5 سنوات، أما (طلب) لمّ الشمل فممكن بعد حصول اللاجئ على الإقامة بثلاثة أشهر، وهو يحتاج من ستة اشهر الى سنة لتحقيقه، ويمكن للشخص التقدم بطلب الحصول على الجنسية الهولندية بعد مدة تراوح بين الـ 3 إلى 5 سنوات. وفي الدنمارك لم الشمل قد يستغرق بين ثلاثة الى سبعة أشهر ويستطيع الشخص التقدم بطلب الحصول على الجنسية بعد مدة تراوح بين الـ 5 إلى 8 سنوات.وفرنسا ايضاً من الدول الاوروبية التي تمنح لمّ شمل للسوريين، وذلك بعد مدة تراوح بين الـ 3 إلى 9 أشهر، في حين ان الأمر يتأخر في فنلندا وبلجيكا او لا يعطى، وكذلك سويسرا لم الشمل فيها يتأخر كثيراً. اما بريطانيا فالوصول الى لمّ الشمل صعب وهي تمنح اقامة موقتة فقط.وفي ما يتعلق بالولايات المتحدة فهناك فيزا الهجرة عن طريق كفالة الاقرباء (وتدعى لم الشمل ايضاً)، وهي احد انواع موافقات الهجرة الأميركية حيث يقوم الشخص المقيم في الولايات المتحدة بتقديم معاملة لكفالة (سحب) قريب له، وبعد الموافقة على الطلب يتم اصدار فيزا لهذا القريب، ويُعتبر من يوم دخوله مقيماً دائماً في أميركا.يشكو السوريون المتجنسون في كندا من عدم القدرة على إنقاذ أسرهم وأصدقائهم من الحرب القائمة في سورية، فبعد سنوات من الحرب الدامية لا يزال رد فعل كندا تجاه أزمة اللاجئين غير مسموع تقريباً.وفي ما يتعلق بالدول العربية فقد اتخذت وزارة الخارجية المصرية في شهر ديسمبر الماضي قراراً بالسماح للسوريين الذين يملكون صلة قرابة أولى في مصر بالحصول على فيزا عبر السفارات والقنصليات المصرية.
متفرقات - قضايا
«الراي» تضيء على شروطه والعراقيل التي تضعها الدول لتنفيذه
«لمّ الشمل» للسوريين هل يُصلِح ما أفسده «التسلّل» إلى... «أرض الأحلام»؟
12:28 م