الأصعب أن يصلك خبر (تفجير) ولست هناك. تتيه للحظات لا تعلم أي شارع بموطنك كان الهدف ومن الذي أريقت دماؤه. تود أن تسأل مخبرك لكنك تتردد للحظات خوفا من الإجابة، تشرد متمنياً ألا تكون على علاقة بالضحايا. ثم تضيع قبل سماع الجواب. تضيع بين الجميع لأنك تحب الجميع. وتحفظ وجوه أهل الوطن عن ظهر قلب. فاسم من الذي لن يبكيك ؟أقاربي يعيشون على امتداد مساحات هذه البلاد. أقاربي كثيرون لا أعرف أغلبهم.كرهت عملي وقت سماع خبر التفجير. هذا العمل الذي أكسبني عائلات غير عائلتي.. غضبت من مهنة تكشفك أمام مواطنيك. ترى أكان أحدهم يعرفني ؟قالوا إنهم كانوا يركعون قبل وداع كل شيء.أي وضاعة دفعت المجرم لأن يتنصل من آدميته.أي دين قال له بفم ملآن أو فم مشوه: اقتل.وماذا حدث لرمال صحرائي ؟ ومن لونها بالأحمر القاني ؟لو أني أملك أي سلطة لهدمت كل منابر التخلف والتطرف. ليس انتقاما لتحطيم تماثيل الفن والإبداع في العراق وسورية وكل مكان، أنا لا أنتقم، فكتب المفكرين والتنويريين والفلاسفة التي درستها لم تعلمني الانتقام بل الصفح. صفحاتها لم تلقنني طرق استباحة الدماء بل وهبتني قوانين الحب والتفكير.ثم يصرخون: تسقط الليبرالية. بل تعش أيها الخونة.هل سمعتم عن تنويري قتل ؟ أو تنويري خطب فاستباح الدماء ؟وجوه الشر تغزو أرضي. ترتدي ملابس الطاهرين. تنتحر بغباء.والجموع تصطف خلف قبيح، كرشه متدلٍ.لكن السافل يجذبهم. وتستمع إليه ملايين ما عادت تفرق بين الجمال والبشاعة.ملايين من وطني العربي.الأم تتابع تفجير مسجد.تنسى الخبر فورا، حتى أنها تجهل إن كان عليها أن تحزن أم تشمت. تلتفت لابنها فتعلمه أن اتباع من يصلون في هذا المسجد كفار. وكل من يخالف مذهبك مرده جهنم. هكذا تقود التربية إلى الإرهاب.يبدأ الأمر بإصرارك على الغفلة. بتعلقك بتفاسير وحشية. بتمسكك بسلوكيات تتنافى وطبيعة البشر. وينهيك بأن تنال لقب منتسب للتنظيم المتطرف.حالة من العناد والبلاهة سيخجل التاريخ من سردها.ممنوع أن تبكي على غير مذهبك. حرام أن تذرف دموعك على مسيحي. لا يحق لك الترحم على غير المسلم.ماذا عن المجرم الذي قتلهم وكان من نفس ملتي ؟ وكيف سأكمل الطريق بأرض لم تعد تتسع لأبنائها ؟سأبكي على تفجير مسجد القطيف، نعم سأبكي ولو كان التفجير في بلاد الغرب أو الشرق سأبكي، ولأجل عيون أي ضحية مهما كان دينها أو طائفتها أو مذهبها أو فكرها أو هرطقتها أو جنونها، سأبكي. رغم أنف الحقير سأبكي. رغم أنف الوقح الذي لا يفهم معنى أن تكون إنسانا أو حتى حيوانا.سأبكي.* كاتبة وإعلامية سعوديةnadinealbdear@gmail.com