للبريد أهمية بالغة منذ قديم الزمان، ولإدراك مختلف الشعوب لأهمية البريد مرّ البريد بمراحل متطورة مختلفة عبر التاريخ. كانت الرسائل في العصور القديمة عند العرب وغيرهم تُكتب على قوالب الطوب والألواح الخشبية وأوراق الشجر العريضة، وكانت تنقل هذه الرسائل عبر القوافل التجارية أو عبر تخصيص رجال يحملونها بأجر متفق عليه لإيصالها للمرسل إليه. ومن ثم تطوّر الأمر في عصر الخلفاء الراشدين، فاهتم الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بالبريد، لأن المسلمين كانوا يحتاجون لتنظيم البريد كثيراً وتطوير سرعته، وليطلعوا على آخر أخبار الأمصار الإسلامية والمعارك التي تخوضها جيوش المسلمين في شتى أصقاع الأرض، فأصبحت الرسائل تُكتب على ورق البردي والجلود المدبوغة، ثم تُسلّم من محطة إلى أخرى، حتى تصل إلى هدفها عبر عدد من الرجال الذين خُصصوا لتلقي هذه الرسائل ونقلها على جياد سريعة من بقعة إلى بقعة. وفي العهد الأموي اهتم معاوية بن أبي سفيان بالبريد على نطاق واسع، واتخذ من مدينة البصرة مركزاً للبريد آنذاك، وبلغ عدد محطات البريد في عهده تسعمئة وخمسين محطة، فأتى من بعده الملك عبد الملك بن مروان فازدهر تطور البريد كثيراً في عهده، إذ وضع العناوين على الطرق وإشارات تحدد المدن ومسافاتها واتجاهاتها. ثم أخذ البريد يتطوّر عالمياً بشكل سريع ومدهش، حتى وصل البريد اليوم إلى أربعة أنواع: «البريد العادي، والبريد البري، الجوي والبريد المُسجل برسم الوصول، والبريد السريع». ويعتبر البريد السريع اليوم من أنواع البريد المدهشة في سرعتها ودقتها وآليتها، إذ يوصل البريد السريع مختلف الأشياء للمبعوث له أين ما كان في الأرض وبمدة قصيرة جداً عبر الطائرات والشاحنات والسيارات، ومن أهم شركات البريد السريع. ولا ننسى دور الفاكس الكبير في نقله وتوصيله للكثير من الأوراق الرسمية من مكان لمكان عبر مختلف البلدان، إذ أحدث الفاكس ضجة علمية كبيرة في أول ظهوره. وبلغ بنا التطوّر التكنولوجي في عالم البريد والرسائل حتى وصلنا إلى البريد الإلكتروني (e-mail) وهو خاص لكتابة وإرسال واستقبال الرسائل عبر نظم الاتصالات الإلكترونية، وهو أكثر وسائل الاتصال الحديثة انتشاراً وفاعلية في عالمنا الحالي. ففي شهر يوليو من العام 1982 أرسل راي توملينسون أول رسالة إلكترونية ناجحة في التاريخ، ومنذ ذلك الوقت أخذ البريد الإلكتروني يغزو العالم كله بسرعة الضوء. ثم بلغ بنا التطوّر التكنولوجي إلى زمن الرسالة النصية القصيرة أو (SMS) وهي اختصار لعبارة (Short message service)، وكانت أول رسالة قصيرة أرسلت عام 1992 من جهاز حاسوب إلى هاتف نقال عبر شبكة شركة ?ودافون البريطانية للهاتف النقال. وتعتبر «المسجات» حلاً عملياً قليل التكلفة مقارنة بالمكالمات الصوتية، ولا شك أن عالم «المسجات» علم سريع ومجنون! فما عليك إن أردت أن تبعث رسالة لأي شخص في أي بلد من بلدان الأرض، سوى أنك تخرج هاتفك المحمول من جيبك ثم تكتب له ما شئت في رسالة نصية، وبعد أن تنتهي من كتابتها ما عليك إلا أن تضغط «إرسال»، وما هي إلا لحظات قليلة حتى ترفرف هذه الرسالة على متن الريح تقطع البحار والقفار والوديان والعواصم والحدود والجمارك لتستقر في الهاتف المحمول للشخص الذي أردت مراسلته، معلنة عن وصولها إليه بكل يسر وسهولة من خلال نغمة تنبيه صوتية. مات الشُعراء العُشاق أمثال عنترة وقيس ابن الملوّح وكثير عزة وابن زيدون وغيرهم من الشُعراء العُشاق قبل أن يدركوا زمن الهواتف المحمولة و«المسجات»، فكم من قصيدة حُب سوف يكتبونها ويرسلونها لمعشوقاتهم سراً تحت جنح الظلام بعيداً عن كل عينٍ يخشونها؟ وكم سوف تربح من ورائهم شركات الاتصالات بسبب عشقهم وسهرهم في إرسال «المسجات» حتى الصباح؟
حسين الراويalrawie1@hotmail.com