منذ أن أصبح باراك أوباما رئيساً للولايات المتّحدة الأميركية، والعالم مُنشغل في عقيدته السياسيّة والعسكريّة والدينيّة لدرجة أصبح تعاطيه مع أيّ من ملفّات المنطقة مرهون بهذه «العقيدة» وخصوصاً في ما يتعلّق بـ «التحوّلات» السياسيّة أو«الانعطافات» التي أجراها منذ أن ترأس أقوى دولة في العالم.في أحد المؤتمرات الصحافيّة التي جمعت الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير في بريطانيا وذلك خلال حرب العراق، طلب بوش من بلير البدء بالتحدث إلى الصحافيّين أولّاً، لكن الأخير تنازل عن هذا «الشرف» لمصلحة الضيف قائلاً له «تفضّل أنت الزعيم»، عندها ابتسم الرئيس الأميركي وقال «نعم أنا الزعيم» كتعبير عن نشوة «الانتصار» الذي اعتبر نفسه أنّه حقّقه في العراق الغارق بدماء أبنائه منذ ذاك الحين.على عكس سلَفه وخلافاً للسياسة التي كانت قائمة في بلاده قبل أن يُصبح رئيساً لأميركا، اعتمد باراك أوباما منذ ان تولّى الرئاسة سياسة الحوار والانفتاح على كل الدول وتحديداً تلك التي كان وصفها بوش ذات يوم بـ «الدول المارقة»، فمارس تجاهها سياسة جديدة بدأت بالانفتاح الكلامي مروراً بتذليل الحواجز وإيفاد رسائل إيجابيّة ومُطمْئِنة لكل من كوبا وإيران، تلك الدولتان اللتان ربطت بينهما وبين أميركا عداوة استمرّت لعقود، وهو الذي حاز على جائزة نوبل للسلام لعام 2009 نظير جهوده في تقويّة الديبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب، وذلك قبل إكماله سنة في السلطة.أسئلة كثيرة طبعت السياسة التي انتهجها أوباما خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة وتحديداً لجهة تعاطيه مع الملفّات الحسّاسة أو الساخنة في منطقة الشرق الأوسط. وقد تركت هذه الأسئلة نوعاً من الحيرة في نفوس حلفائه قبل خصومه. فمن العراق الذي سحب منه جنوده ورفْضه المُتكرّر الانزلاق في نزاعاته، مروراً بعدم تدخّله بشكل مُباشر في الأزمة السوريّة خلافا لنهج رؤساء بلاده السابقين، ثم فتْحه عهداً جديداً مع كوبا ونيّته إعادة العلاقات الإيجابيّة معها بعد أكثر من خمسين عاماَ من العداء والعقوبات ضدها، وصولاً إلى المفاوضات النوويّة مع إيران والتي كان وما زال من أشدّ المُتحمّسين لها، لا يُمكن لمُتتبّعي سياسة الرئيس الشاب أن يمرّوا على هذه المتغيّرات مرور الكرام ودون أن يطرحوا السؤال المركزي: إلى أين يُريد أوباما أن يصل في هذه السياسة التي يتبعها؟يرى البعض أن هجمات 11 سبتمبر 2001 ضد الولايات المُتّحدة شكّلت انعطافة مهمة في سياسة أوباما الذي كان يومها عضواَ في مجلس الشيوخ الأميركي وفي طريقة تعاطيه مع دول الخليج وتحديداً السعوديّة، وقد ذهب هذا البعض إلى أبعد من الانعطافة عندما اعتبر أن المنطقة مُقبلة على تبدّلات في الأدوار أو إعادة تشكيل لمصلحة إيران «الشيعيّة» وأن ملامح هذا الدور بدأت تُرسم من خلال المُفاوضات النوويّة معها، واضعين كلام اوباما حول «الخطر الداخلي الذي يتهدّد دول الخليج» في خانة الرسالة المبّطنة لمستقبل العلاقة بين أميركا والسعوديّة.السفير اللبناني السابق في واشنطن عبد الله بو حبيب يضيء على «عقيدة» أوباما السياسيّة ويضعها في قالب مغاير لما يقرأه البعض على أنه تبديل أو إعادة صياغة حلف جديد لبلاده.ويقول بو حبيب لـ «الراي»: «ان عقيدة أوباما من الوجهة السياسية تقوم على الحوار مع كل الدول، على قاعدة أن مقاطعة عدد من الدول مثل كوريا وكوبا وإيران لا تنفع، والدليل أنّه أعاد رسم علاقة جديدة مع كوبا بعد نحو ستين عاماً لم تجلب سوى الإفقار للشعب الكوبي. كذلك الأمر بالنسبة إلى ملف المفاوضات النووية مع إيران الذي فشل سلفه جورج بوش بإحراز أي تقدّم فيه، بل إن إيران تمكّنت في عهده من تطوير طرودها المركزيّة من خمسة آلاف طرد إلى خمسة عشر ألفاً».وفي رأي بو حبيب أنه «كان بإمكان بوش تخفيض طرود إيران النووية فيما لو كان اتّبع معها لغة الحوار التي يقودها اليوم أوباما الذي لن يتمكّن من إعادتهم إلى الخمسة آلاف. كما أن هناك مثلاً آخر وهو أن بوش دخل في حرب العراق كرأس حربة وأغرق جنوده في أفغانستان، لكن ماذا كانت النتيجة؟ لذلك فان الحوار هو عقيدة أوباما التي يتحدّث عنها المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي. بمعنى آخر الحوار أفضل من القتل».ويُشير إلى أن أوباما «تعلّم درساً من الذي حصل في ليبيا وكيف تحوّلت إلى ساحة للقتل بعد مقتل الرئيس السابق مُعمّر القذافي ولذلك قرر عدم تكرار تجربة خوضه الحرب لا في سورية ولا في اليمن لاحقاً».وحول التبدّل الذي طرأ على السياسة الأميركيّة في عهد أوباما وتحديداً في ما خص الانفتاح على إيران يؤكد أن «الأمر الإيجابي الوحيد الذي طرأ على هذه العلاقة، هو أن الطرفين في حالة حوار مع بعضهما البعض لا أكثر ولا أقل وذلك بعد قطيعة استمرّت 35 عاماً تقريباً، علماً أن ايران التي أصبحت تملك خبرة في المجال النووي لن تتمكّن من صناعة قنبلة نوويّة قبل عشرة أعوام، ليس لعدم قدرتها إنّما للوعود التي قطعتها خلال المفاوضات، كما أن هناك خلافات كبيرة بينها وبين أميركا حول ملفات عدة بينها العراق وسورية واليمن».«أوباما يُغازل إيران على حساب السعوديّة أو رُبمّا يبني معها تحالفاً جديداً على حساب الأخيرة».كلام سُمع في الآونة الاخيرة في أكثر من وسيلة إعلاميّة، لكن بحسب بو حبيب تبقى هذه التحليلات ضمن التكّهنات إذ يُشير إلى أن «من غير الوارد على الإطلاق أن تُصحّح أميركا علاقاتها مع إيران على حساب دول الخليج وتحديداً السعودية. أميركا لا يُمكن أن تتخلّى عن حُلفائها تحت أي من الظروف ولذلك كانت دعوة أوباما الأخيرة لزعماء دول الخليج لقضاء عُطلة في كامب ديفيد بغرض التطلّع إلى أفكار جديدة يُمكن أن تحمي من خلالها أميركا هذه الدول الصديقة».وعن دعوة أوباما أصدقاءه الخليجيّين للتنبّه من الخطر الداخلي لا من الخارجي، يعتبر بو حبيب أن «فلسفة أوباما تجاه العرب تقوم على الشكل الآتي: لا عليكم من الخارج، اتركوا الخارج لي، لكن عليكم أن تهتّموا ببلادكم من الداخل لأن كل واحد فيكم لديه مشاكله الداخلية. وللتأكيد فإن مشاكل سورية لم تبدأ من الخارج بل من الداخل لكنها دُعمت من الخارج. وهنا أريد أن أوضح أمراً في غاية الاهميّة وهو أن أميركا لا يُمكن أن تُفكّر يوماً بأن الإيراني يمكن أن يهاجم أي دولة خليجية في ظل وجودها في الخليج بكثرة إن في المياه أو على الأرض. أوباما وكأنه أراد أن يقول لدول الخليج أنكم قد تحصلون على بعض المكاسب الصغيرة مما يقوم به تنظيم (داعش) في المنطقة وتحديداً في العراق وسورية، لكّنه سيُشكّل خطراً عليكم لاحقاً بالحجم نفسه الذي يُشكّله اليوم في أي منطقة يتواجد فيها».بمنعى أوضح، هل استبدل أوباما الأصولية السنية بإيران الشيعية؟ يجيب بو حبيب: «عدم توجيه أوباما ضربة لسورية أو إيران لا يعني أنه مع الشيعة ولا مع السُنّة، وعلى دول الخليج أن تَطْمئن إلى أن تَقارُب أوباما من إيران لن يكون على حسابها، وعندما يكون هناك اعتداء إيراني على أي دولة خليجية فمن المؤكد أن أميركا ستتحرك لأنها تعتبر أمن الخليج من مصلحتها. لكن هناك مسألة ذات أهميّة قصوى وهي أن الأميركي يقول للسعودي خصوصاً لا يُمكن ان تُكمل بهذه الطريقة أي فتح مدراس إسلاميّة في أفغانستان وباكستان وبنغلاديش وإرسال شيوخ دين (يتفلسفون) على هواهم في نشر دعواهم وكل واحد فيهم يُنشر تعاليمه الخاصة لا من خلال النقاط الأساسية التي يُحدّدها الدين الإسلامي».ويُضيف:«قد تعتبر السعودية أنّها تمكّنت من قصّ ما يعرف بـ (الهلال الشيعي) في المنطقة، لكن هذا أيضاً خطر عليها لأن البديل (داعش) يُريد إقامة خلافة في مكة والمدينة المُنوّرة وأن يضع يده على البترول، وكلنا نعلم أنه في بداية انطلاقة (داعش) ظل الجميع يعتقد أنّه لن يصمد سوى فترة محدودة، لكنّه صمد منذ سنة ونصف السنة تقريباً، وكذلك الأمر عندما ثبّت الإمام الخميني ثورته في إيران قال الناس انه لن يصمد سوى شهرين أو ثلاثة، لكنّه ما زال صامداً منذ 35 عاماً».ويوضح أن«الكلام حول أن خلفيّة أوباما الدينيّة وجذوره الإسلاميّة هي التي جعلته يتقرّب من المُسلمين سواء في الخليج أو إيران أبعد ما تكون عن الحقيقة، فمَن يعيش في أميركا يعلم أنها ستصبغه وتصهره مهما كانت قناعاته. في أميركا الآخر مقبول وليس مختلفاً كما هي الحال عندنا العرب. والدين بالنسبة إلى أوباما حركة اجتماعيّة وهو لذلك يُريد تحسين أحوال الشعوب لأنّه يملك ضميراً يسارياً أميركياً، وعندما كان عضواً في مجلس الشيوخ كان معارضاً لتدخل بوش في العراق وتبيّن في نهاية المطاف أنه مُحقّ».لا يُعوّل أوباما على منح (الكونغرس) له شرعيّة للقرارات التي يتّخذها والتي تبدو مصيريّة في علوم السياسية الاميركيّة وخصائصها. هذا ما يقوله بو حبيب «من ضمن عقيدته أنه يبني سياسته الخارجيّة وخصوصاً تجاه الشرق الأوسط بشكل أساسي بحسب الإرادة الشعبية لا من خلال الكونغرس، لا بل هو تحدّى (الكونغرس) بقرارات عدّة مثل المفاوضات النوويّة مع إيران وأيضاً بفتح علاقات مع كوبا بقرار فردي منه من دون العودة إليه، والشعب مشى معه، كذلك الأمر بالنسبة إلى قراره بعدم خوض بلاده الحرب في سورية. هناك أكثر من 80 في المئة من الشعب الاميركي لا يريدون أن تُصبح لدى إيران قُنبلة نوويّة، لكنهم يرون أن البديل عن الاتفاقية هو الحرب».إيران دولة نووية ماذا يعني هذا الأمر؟ يردّ بو حبيب: «إيران وصلت إلى وقت تستطيع فيه صناعة قنبلة ذرية في ظرف سنة واحدة، لكن اليوم توجد في الخليج سفن وبوارج حربيّة وطائرات وقواعد أميركية، بمعني أنّه إذا استعملت إيران قنبلتها الذرية في حال امتلكتها فهل ستتخذ أميركا موقف المتفرج أم أنها ستضربها في الحال؟، الإيراني أذكى من أن يستعمل قنبلة نووية ضد السعودية أو غيرها بوجود الأميركي. ولنفترض بطريقة معاكسة وهي أن الاميركي ليس موجوداً في الخليج، فهل الإيراني بحاجة إلى قنبلة ذرية ليدخل الى الخليج؟».ويلفت في نهاية حديثه إلى أن «أربع دول عربيّة فقط قادرة على صنع قوّة عربية جديدة هي: مصر والسعوديّة وسورية والعراق وجميع الدول الباقية تدور في فلكهم. وأيضاً يجب إعادة الهيبة إلى الجامعة العربية التي يبدو انّها استُبدلت بـ (الجامعة الخليجية). واذا بقينا على هذه الحال سـ (تَتناتشنا) إيران من جهة وتُركيا من جهة أخرى. وهناك نُقطة في الملف السوري هي أن السعوديّة لا تريد حلاً سياسياً ولا النظام السوري يريده أيضاً، والغرب هو الوحيد الذي يريد هذا الحل».وعن الهاجس الذي ينتاب الكثيرين حيال عقيدة أوباما، يتحدّث المدير التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري رياض قهوجي عبر (الراي) شارحاً أبعاد هذه العقيدة بشقّيْها السياسي والعسكري ومرتكزاتها قائلاً: «الأميركيّون مهووسون بموضوع (العقيدة)، إذ أن كل رئيس جديد يأتي يُريدون معرفة (الرؤية) الخاصّة به وأسلوب تعاطيه مع التحديّات القائمة. لكن نحن باللغة العربيّة نعتبر أن العقيدة ترتبط دائماً بالعسكر، لكن في أميركا تعني الإستراتيجية أو الرؤية. ومن اليوم الأول لمجيء أوباما إلى الرئاسة، كانت رؤيته إنهاء دور العسكر في المنطقة وسحب قوّاته من العراق وأفغانستان وتقليص الوجود والتركيز بشكل أكبر على المواضيع المحليّة والتحوّل بشكل أكثر بإتجاه آسيا وتحديداً في الجانب المُتعلّق بالشق الاقتصادي واستخدام نفوذه لتنفيذ سياساته الخارجيّة».ولعقيدة أوباما العسكريّة تكملة لا تنتهي بتجنيب جيشه الحروب والزجّ به في منطقة الشرق الأوسط، إذ يؤكد قهوجي أن الرئيس الاميركي «حاول جاهداً تجنّب التورّط بالقضايا العسكريّة بشكل مُباشر، لكنّه عندما وجد نفسه مُلزماً كما في الموضوع الليبي، اعتمد إستراتيجيّة القيادة من الخلف، أي أن تلعب أميركا دور الداعم والمخطط مع جعْل التنفيذ الميداني من مهمات أطراف دولية أخرى. ولذلك رأينا أن الجزء الأكبر من الطائرات في ليبيا جاء من دول حلف (الناتو) ودول عربيّة، بينما اقتصر الدور الأميركي على ربع حجم هذه المشاركات جميعها، حيث ركّز بشكل أوسع على تأمين الأقمار الاصطناعية والتزوّد بالوقود جوّاً وذلك على عكس الأعوام أو الحروب السابقة يوم كانت أميركا تشكّل أكثر من ثلثي عدد التحالف».وللخطوط الحمر مكان في (عقيدة) الرئيس الأميركي لا مجال إلا للتوقف عندها وهي تقع ضمن عدم إلزام نفسه بأي أمر هو غير مقتنع فيه. وهنا يشرح قهوجي: «رأينا كيف أن أوباما لم يُلزِم نفسه بشن حرب على سورية بعدما ثبت استعمال السلاح الكيماوي من النظام السوري بحسب بعض الدول الغربيّة ومن ضمنها فرنسا، ونذكر كيف تراجع في اللحظات الأخيرة من دون أن يُقْدِم على أي خطوة تصعيديّة على الرغم من أن هناك سياسة خارجيّة أميركيّة قائمة منذ زمن على ضرورة استخدام القوّة ضد أي خصم يستخدم أسلحة دمار شامل. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الموضوع النووي الإيراني والذي آثر أوباما الدخول في مفاوضات حوله كبديل عن استعمال العنف».وفي رأي قهوجي أن «بُعد العلاقة بين أميركا وإيران اقتصادي بامتياز وهناك محاولة أميركيّة لكسر الجليد مع إيران للاستفادة من مشاريع اقتصادية مثل مد أنابيب نفط والاستفادة من غاز في آسيا الوسطى ومنْع استفادة الصيني من الطاقة في إيران، لكن لا يُمكن القول إن هذه العلاقة ستمر على أرض من حرير، بل على العكس هناك عراقيل عدّة ستواجههم. ومع هذا فإن أوباما يتّبع سياسة النفَس الطويل».ويجزم بـ«أن دول الخليج لغاية اليوم غير مُطّلعة بشكل كامل على الحوار النووي بين إيران والدول الست، اضافة إلى أن لا ثقة لديها بالإيراني، كما أنها تشك في أن له ملفّات سريّة سيُحافظ عليها ورُبّما تُمكّنه لاحقاً من القدرة على إنتاج قنبلة نووية إضافة إلى نيّتها باستمرار تصدير ثورتها تمهيداً لنشر نفوذها في المنطقة».وفي الشقّ العسكري من (عقيدة) أوباما تميل الانعطافة الاميركيّة لمصلحة إيران الشيعيّة ولو بشكل أقّل مما يعتبره البعض، وذلك بحسب قهوجي الذي يقول: «هناك مدرستان في العالم، الأولى تتصدّرها روسيا وتقول إنه ما بين (الأصولية) السُنيّة وإيران (الشيعيّة) تختار إيران، وهذا يعود إلى الحروب التي خاضتها روسيا في الشيشان ودعم العالم السني للشيشانيين وتحديداً السعوديّة. أمّا المدرسة الثانية وهي الأميركية فمن المعروف أنه خلال النصف الثاني من الثمانينيات ركزّت بشكل كبير على التهديد (الشيعي) في المنطقة وتحديداً في بداية الثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخُميني، والكلام هنا حول حقبة خطف الرهائن في بيروت وخطف الطائرات وتفجير المراكز الأميركية والقوى المتعددة الجنسية. وهذا شكّل مصدر إرهاب بالنسبة إلى الفكر الاميركي».ويضيف: «لكن اليوم ونتيجة ما نُشاهده من حروب في ظل وجود تنظيم (داعش) وغيره من الحركات الأصوليّة السّنيّة، عادت هذه النظريّات لتتجدد ضمن سؤال أيّهما أسوأ؟ ومَن هي الجهة التي يُمكن المراهنة عليها لتحسين العلاقات؟ وقد أظهرت الأمور بالنسبة إلى الأميركي أن (الشيعي) لديه قدرة أكبر على تنظيم نفسه في وقت لا توجد فيه أقلية سُنيّة مُنظّمة، وهذا التنظيم الشيعي له علاقة بـ (ولاية الفقيه) التي تُنظّم (الميليشيات) الشيعيّة بينما نرى كيف أن (الميليشيات) السُنيّة مفرّقة، كما أن هناك (براغماتية) أكبر في التعامل مع إيران، وكل هذه الأدبيّات نراها اليوم بشكل أكبر وأوضح من قبل المحللين السياسيين في أوروبا وأميركا وروسيا. وإذا أردنا أن نسير مع ما شاهدناه في العراق وسورية، نرى أن الأميركي كان يسير ضمن قناعة التحالف مع إيران والشيعة لوقف تقدّم (داعش)، لكن بعدها وصل إلى نتيجة تقول إن هذا التحالف سيُزيد الأمور صعوبة لأن بنظره كل الأصوليّات متشابهة وأنّه لا يُمكن مُحاربة التطرّف بتطرّف أخر».ويُعطي قهوجي مثالاً على عدم اقتناع أوباما بضرب التطرّف بتطرّف آخر فيُشير إلى «أن أوباما مُقتنع تماماً أن القضاء على الأصوليّة السُنيّة لا يتم إلاّ بقوى سُنيّة مُعتدلة وليس بـ(أصوليّة) شيعيّة، ولذلك رأينا كيف أوقف دعمه للحرب في تكريت ضد (داعش) ثم عاد واستأنف الدعم بعدما اشترط عدم تدخّل (الميليشيات) الشيعيّة، وأيضا رأينا كيف أوقف الحرب في عدد من المُدن العراقيّة بعد عمليّات الحرق والنهب وتحديداً من قبل جماعات الحشد الشعبي».ويلفت إلى «أن النفوذ الإيراني في المنطقة غير مُسهّل من أي جهة، لكن الإيراني ذكي وقنّاص فرص. وتَصوّر أن دولة ترزح تحت كل هذه العقوبات الُمتعدّدة، ما زالت تُحقّق إنجازات نوعيّة وهي مستمرة في استراتيجيّتها هذه بتفوّق منقطع النظير».في الختام لا يرى قهوجي أن التقارب الأميركي الإيراني في الملف النووي يُمكن أن يُشكّل خطراً على الدول العربية وتحديداً السعوديّة، إذ في رأيه أن «لأميركا نظرة تقول بخفض عدد الطرود المركزية وسحْب كل المخزون الإيراني من اليورانيوم المُخصّب وإغلاق مفاعل (أراك) حيث من المتوقّع أن يُنتج البلوتونيوم بطريقة متفاهَم عليها، وهذه الطريقة الفُضلى لإراحة إسرائيل في المرحلة المقبلة».وفي رأيه أيضاً أنّه «إذا ظلت الأوضاع في المنطقة على ما هي في اليمن والعراق وسورية، واذا بقيت في مسار تصاعدي ومع سوء حسابات من جميع الأطراف، فيمكن أن يؤدي كل ذلك إلى نشوب حرب بين إيران والعرب».