لم يعد لبنان يضيق بالأحياء من النازحين السوريين فقط الذين تحوّلوا نتيجة الارتفاع الكبير لعددهم الذي يناهز 1.3 مليون «قنبلة موقوتة» ومصدر قلق لهذا «البلد الصغير» على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالنازح الذي هرب بحثاً عن ملجأ آمِن له في «بلاد الأرز» بات يبحث عن مأوى له «تحت الأرض» كما يفعل الأحياء فوقها، و«الحَشْر» الذي ذاق طعمه المُرّ وهو حيّ يتذوق مرارته وهو ميت.فمعاناة السوري لم تتوقف عند ظروف حياته الصعبة في «جمهورية اللجوء» وسط تلكؤ المجتمع الدولي عن الوفاء بالتزاماته تجاه النازحين، بل امتدّت لتشمل حتى ظروف مماته، بعد تفاقم مشكلة تكدُّس القبور في المدافن وعدم قدرتها على استيعاب اللبنانيين فكيف بالسوريين.واذا كان همّ النازحين عند وصولهم إلى لبنان تأمين سقف آمن يؤويهم، فإن همّهم «تمدّد» ليشمل كيفية مداراة بقاياهم بعد موتهم إما نتيجة عوامل طبيعية أو بفعل «تهديد» الجوع مع التلويح بتعليق برنامج توفير قسائم الغذاء الذي تُقدمه منظمة الغذاء العالمي التابعة للأمم إذا لم تحل مشكلة التمويل هذا الشهر، أو نتيجة «الموت برداً» في فصل الشتاء.ازدياد أعداد النازحين يستتبع ازدياداً في عدد موتاهم، ما يطرح السؤال أين يَدفن اللاجئون موتاهم في لبنان وتحديداً في العاصمة بيروت حيث وصل عدد المسجلين منهم على لوائح مفوضية الأمم المتحدة إلى 328.514، وفي الشمال حيث وصل عدد المسجلين الى 285.853، ولا سيما في ظل المساحات الجغرافية المحدودة للمقابر وشدّة «زحمة» الموتى.1110 حالات وفاة بين النازحين مسجلة لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان منذ بداية الأزمة السورية، لكن المنظمة بحسب ما أكدت الناطقة الإعلامية باسمها دانا سليمان لـ «الراي» لا تتدخل مباشرة في حال وفاة أحد منهم، وكل ما في الأمر أنه «عند حالات الوفاة نطلب من الشركاء المحليين التصدي لها مباشرة، فالسلطات المحلية والبلديات هم المسؤولون عن حسن سير هذه الأمور، مع الإشارة طبعاً إلى أننا مستعدون أن نسهل النقاش بين مختلف الأطراف، لكننا لا نعمل على هذا الملف بشكل مباشر».بيروت التي رفعت الصوت عالياً قبل أعوام بسبب «التخمة» ليست فقط من سكّانها وإنما أيضاً نتيجة «ازدحام» مقابرها التي لم تعد تتسع لمزيد من الموتى بفعل أزمة الأراضي التي تعانيها وارتسام معادلة الكثافة السكانيّة الكبيرة وعدد المقابر القليلة، رفعت «أسعار» القبور وأجبرت العائلات اللبنانية على إعادة فتح القبر ودفن أكثر من ميت واحد فيه.وهذا الواقع دفع في العام 2011 المجلس البلدي لمدينة بيروت إلى الموافقة إثر اجتماعه الدوري على تخصيص العقار الرقم 2639 - المزرعة المجاورة مباشرة لمدافن الأوقاف الإسلامية في منطقة حرج بيروت - دوار شاتيلا، كمدفن للمتوفين من أبناء العاصمة على اسم وقف العلماء المسلمين السنّة بعدما غصت مدافن بيروت: جبانة الباشورة، جبانة الخارجة، جبانة السمطية، جبانة الشهداء، جبانة الغربا، جبانة المصلى، جبانة المغاربة، جبانة المجيدية، جبانة الأوزاعي، جبانة الداعوق وجبانة شهداء الثورة الفلسطينية بالموتى. وتالياً هل يُسمح لسوريين بـ «مزاحمة» أهل بيروت على مقابرهم؟«مدافن بيروت هي لأهالي بيروت» كما أكد رئيس بلدية بيروت بلال حمد لـ «الراي»، مضيفاً: «لا يوجد مكان يتسع في مدافن العاصمة ولا سيما في جبانتيْ الباشورة والشهداء، وهناك أماكن فقط في المدافن الجديدة في دوار شاتيلا وهي مخصصة لأبناء بيروت وقد أصبحت في نهاية تحمُّلها لمزيد من الموتى، ولذلك أعطت البلدية عقاراً جديداً لدار الفتوى - مديرية الأوقاف حتى تستطيع دفن المزيد، لكن يحتاج الأمر إلى وقت للتحضير، ومع هذا أقول إنه في بيروت لا توجد مخيمات للنازحين، والذين قصدوا العاصمة إما اشتروا (منازل) أو استأجروا أو سكنوا لدى أهاليهم وأصدقائهم، أما أين يدفنون موتاهم؟ فبالتأكيد خارج العاصمة».إذا كانت الحال كذلك في عاصمة لبنان الأولى فكيف هو في عاصمة لبنان الثانية؟، رئيس بلدية طرابلس نادر الغزال أكد لـ «الراي» أن «النازحين السوريين يتم دفنهم في جبانة الغرباء التي من اسمها عموماً يُعرف أنها مخصصة للغرباء عن البلد كما هي مخصصة لأهالي طرابلس. وعلى الرغم من أنه يتم دفن الموتى السوريين الذين لا توجد إحصاءات حول عددهم بداخلها، إلا أن العدد الأكبر منهم ينقلهم أهلهم إلى بلدهم، ومع ذلك لا يمانع أحد من دفنهم في بقية مدافن الشمال».وعن البدل المادي لدفنهم قال الغزال: «لا يتجاوز الـ 250 ألف ليرة لبنانية (نحو 170 دولاراً)، وفي حال عدم قدرة عائلة المتوفى على تغطية التكاليف فإن دار الفتوى تحل محلها بذلك».وعما إذا كان يحق للسوريين تملُّك قبر في لبنان من الناحية القانونية، قال المحامي والناشط السياسي صالح المقدم لـ «الراي»: «إن قانون تملك غير اللبنانيين للعقارات يرعى تملك أي أجنبي في لبنان. وإذا كان أي أجنبي يحق له أن يتملك في بلاد الأرز ما عدا الفلسطيني الذي لا يمكن تجنيسه وبالتالي لا يمكن تمليكه، فإن هناك شروطاً تحددها مواد معينة في هذا القانون»، وأضاف أن «المادة الأولى من قانون تملك غير اللبنانيين هي التي تحدد شروط اكتساب الأجنبي للحقوق العينية العقارية في لبنان، والتي تنص على أنه لا يجوز لأي أجنبي أن يتملك في لبنان سواء كان شخصاً طبيعياً أو معنوياً إلا بعد الحصول على ترخيص صادر من مجلس الوزراء بناء لاقتراح وزير المالية، أما المادة 7 من القانون فحددت نسبة التملك المسموح بها للأجنبي بـ 3 في المئة فقط».وفي حال توفي أحد النازحين ولم يكن لديه أقارب في لبنان، شرح «في هذه الحالة المفروض أن تسلم جثته إلى السفارة السورية التي يقع على عاتقها نقلها إلى سورية ليدفن هناك، لكن في ظل الأزمة التي تمر بها فإن سفارتها في لبنان غائبة كلياً عن هذا الأمر».وختم «الأمر لا يتوقف على جثث السوريين الذين يُدفنون وهم أحياء نظرا للواقع المزري الذي يعيشونه، ولذلك على المجتمع الدولي التنسيق مع الدولة اللبنانية لتأمين أماكن وتأهيلها لدفن موتى النازحين وألا تكون بالتملك بل بايجار الدولة من».
متفرقات - قضايا
النازحون السوريون في لبنان «يتوسلون» ملجأ و«يتسولون»... قبراً 1
مقابر بيروت تغصّ بموتاها ... ولا مكان للسوريين فيها
10:33 ص