ظلت أسواق ومحال مايسمى بـالـ «100 فلس» الشعبية سنوات طويلة قبلة للزبائن البسطاء والباحثين عن شراء احتياجاتهم من سلع ومنتجات بأسعار زهيدة وذات جودة عالية في آن واحد لكن الأمر انقلب في السنوات الأخيرة رأساً على عقب وأصبحت هذه المحال اسماً على غير مسمى ولا نصيب لها من اسمها.البحث عن هذه السلع بات كمن يبحث عن «إبرة في كوم قش» حيث أصبحت شيئاً تراثياً ولم تعد موجودة على أرض الواقع فيما القليل منها يباع على استحياء بـ 100 فلس لكن ذات جودة أقل مقارنة بجودتها في الماضي فيما اشتعلت أسعار معظم السلع التي يصل بعضها إلى 3 دنانير ولسان حال الزبائن يقول«إيش دعوة؟».أسواق الـ 100 فلس التي اشتهرت بهذا الاسم خلال الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية نسبة لأسعار البضاعة التي تعرضها للبيع حيث كان لايزيد سعرها على 100 فلس انقرضت هذه التسمية وباتت من الماضي.عدد من الباعة في الأسواق الشعبية التقتهم«الراي» قالوا ان هذه المحال تكاد تكون انتهت كلياً وما يوجد منها مجرد آثار فالمحال اليوم تبيع سلعاً بأسعار تبدأ من 100 فلس وقد تصل لأكثر من 3 دنانير ولم يعد المحل متخصصا فقط في سلع العملة المعدنية.وأرجعوا سبب انقراض هذه النوعية من المحال والأسواق إلى الأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم قاطبة في العام 2007 وما أعقبها من ارتفاع صارخ في أسعار السلع والمواد من المستورد والمنتج لتغطية نفقاتهم علاوة على سلسلة الارتفاعات الهائلة في ايجارات العقارات.واعتبرو ان «بضائع الـ 100 فلس الموجودة اليوم أصبحت رديئة وليست ذات الجودة التي كانت عليها في الماضي ما حدا بالزبون إلى الابتعاد عن شراء هذه السلع والبحث عن سلع أخرى حتى ولو كان سعرها يفوق الدينار لكن ذات جودة أفضل في ظل عدوى الغلاء التي ضربت كل شيء».فيما يرى مستهلكون ان أسواق الـ 100 فلس اختفت والموجود محال تبيع أغراضاً متنوعة من ضمنها بعض الأشياء البسيطة بـ 100 فلس، نتيجة لتبدل الأحوال وتراجع العديد من السلع في ناحية الجودة والكفاءة.مزيد من التفاصيل في سياق التحقيق التالي:بداية يقول أبونجيب مدير أحد الأسواق ان أسواق الـ 100 فلس أصبحت عملة نادرة اليوم بل انها انقرضت أصلاً ولم تعد موجودة برغم وجود بعض السلع التي تباع بـ 100فلس لكن داخل سوق يبيع اشياء مختلفة الأسعار تبدأ بـ 100 فلس.وأضاف أبونجيب ان المحل الذي كان يشتهر في السابق ببيعه سلعا قيمتها لا تتعدى 100 فلس موجودة لكن أسعار السلع ارتفعت لأكثر من 150 فلساً وربع دينار أحياناً لاسيما بعد الأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم في 2007.وأوضح ان الحال اليوم تبدل ولم يعد كما في الماضي فالايجارات تضاعفت مرات عدة من بعد الغزو العراقي للكويت إلى اليوم خصوصاً في بداية القرن الحالي وارتفع إيجار المحل الذي لم يكن يتجاوز 100 دينار إلى نحو ألف دينار علاوة على ارتفاع أسعار السلع من قبل المورد نفسه وحتى في الشركات والمصانع المصدرة لا سيما في الصين ودول شرق آسيا.ولفت إلى ان السوق الشعبي كان يحقق شهرة واسعة من خلال السلع الرخيصة التي يبيعها ومن ضمنها قسم الـ100 فلس الذي يخصصه السوق لجذب الزبائن فتكثر الحركة داخل السوق بفضل هذا القسم ذي السلع الرخيصة وحتى ان لم يكن السوق يضم هذا القسم فيكفي ان يتواجد بالقرب منه أو داخل المركز المجمع التجاري مثل هذه النوعية من المحال.وبسؤاله عن اشتراط الرخصة لبيع أحد المحال التي تبيع سلع الـ100 فلس، أفاد بأن الترخيص يكون لمحل خردوات أو سوق شعبي وليس محلا لبيع السلعة بهذا السعر، لكن أصحاب هذه المحال كانوا يضعون اللافتة التي تبين ان كل ما يباع في المحل بـ100 فلس أو دون ذلك وان هذه المحال كانت تبيع سلعاً يصل سعرها إلى ربع أو نصف دينار احياناً.أما البائع عنتر خلف فقد أوضح ان السلعة التي كانت تباع من قبل بـ100 فلس أصبحت تباع اليوم بـ150 فلساً وان تراجعت جودتها عن ذي قبل، فما حدث في السنوات العشر الأخيرة كان تأثيره على كل شيء سواء كانت سلعاً ضرورية أو من الكماليات.وقال خلف ان «السلعة التي كانت تباع بـ100 فلس كانت تصل من تاجر الجملة بـ50 أو 70 فلساً أما اليوم فسعر توريدها يصل إلى 135 فلساً وبيعها بـ150 فلساً يكاد يجمع تكلفتها إذا ما نظرنا لأجور ورواتب الموظفين وايجارات المحال».وأضاف ان «الحال اليوم تبدل كلياً فلم تعد كويت اليوم مثل كويت الأمس بعد موجات الارتدادات والارتفاعات في أسعار كل شيء لاسيما السلع الغذائية وغير الغذائية والايجارات التي لم يوجد شيء يكبح جماحها».وأشار إلى ان «الزبون اليوم بمجرد ان يدخل السوق ينتابه الحزن الشديد نتيجة رفع سعر السلع التي كان يشتريها من قبل بـ50 و100 فلس ليشتريها اليوم بـ150 فلسا أو ربع دينار، وكأنه لا يعلم عن ارتفاع الأسعار العالمية وارتفاع ايجار المحال والأسواق والعقارات في الكويت التي تسببت في الأزمات التي يعاني منها المستهلك».واعتبر انه برغم الارتفاع الذي شهدته السلع عالمياً إلا ان جودتها تراجعت وهذا يعود إلى المصنع الذي دوماً ما يردد بأنه لو يفعل ذلك بايجاد سلع اقل في الجودة لافلس وبالتالي مضطر إلى انتاج سلعة ذات جودة نسبية ورخيصة من وجهة نظره هو ورديئة وغالية الثمن من وجهة نظر المستهلك.أما البائع حمدالله بخيت فقد أشار إلى ان «محال الـ100 فلس ظهرت في الأسواق الشعبية وكانت فرعاً منها أو تتبعه ثم ظهرت على أشكال محال مستقلة، بل كانت هناك محال الـ50 فلساً أيضاً، غير انه بعد عام 2005 تبدلت الأمور تماًماً وعدد كبير من هذه المحال غيّر نشاطه وأصبح يبيع سلعاً تبدأ من 100 فلس وقد يبيع سلعاً أخرى بالمقابل تصل إلى ما يفوق الدينار وقد تصل لأكثر من 3 دنانير، بحسب نشاط السوق والسلع التي يبيعها».ولفت بخيت إلى ان «السلع التي تشملها المئة فلس تشمل بعض الخردوات والميداليات والأدوات المكتبية البسيطة كالأقلام أو المحايات والبرايات والاستيكرات وإبر الحياكة وبكرات الخيط الصغيرة، وتوك وبنس الشعر الصغيرة، والمفكات والأطباق الصغيرة رخيصة السعر وغيرها من الأمور الأخرى التي يتراوح سعرها بين 100 إلى 150 فلساً».وبين ان «حركة البيع والشراء تكاد تكون محدودة في الوقت الراهن لأنه لا يوجد موسم أصلاً ومن المتوقع ان يستمر حال الأسواق بهذا الشكل إلى موسم الأعياد وبداية العودة للعام الدراسي المقبل».واعتبر ان «بضائع الـ100 فلس الموجودة اليوم أصبحت رديئة وليست كما كانت جودتها السابقة ما حدا بالزبون نفسه إلى العزوف عن شرائها والبحث عن سلعة اغلى لكن جودتها افضل خاصة الزبائن التي رأت زيادة أسعار السلع دون ان تقيسها بمبدأ الغلاء الذي ضرب كل شيء».واتفق بخيت مع عبدالله محمد في ان الزبون اليوم بمجرد ان يدخل سوقاً شعبياً كان يبيع سلعاً في السابق بـ100 فلس ويفاجأ بأن سعرها ارتفع إلى 150 فلساً يشعر بدهشة ويردد كلماته المعهودة لدينا «ايش دعوة» فنجيبه إما بالصمت أو بين «الشاري والبائع يفتح الله»، لأنه يدعي الجهل بموجة الغلاء في العالم.ويستغرب محمد من تصرفات بعض الزبائن الذين يعتقدون ان السلعة ارتفع ثمنها بشكل ملحوظ وكأنهم لم يدخلوا إلى السوق منذ 10 أعوام و«يهاوشون» الباعة وكأنهم السبب في غلاء الأسعار بينما هم مجرد موظفين لا ذنب لهم كما ان أصحاب المحال أيضاً لا ذنب لهم في ذلك لأن السلع والايجارات ارتفعت بشكل ملحوظ.أما البائع بيانتا كنتاكي فيرى «ان محال الـ100 فلس التي كانت تشتهر بهذا العنوان لم يعد لها وجود اليوم وسط الارتفاعات الهائلة في الايجارات وارتفاع اسعار السلع».وقال كنتاكي«حتى سوق الجمعة والبسطات لا يبيع بمثل هذه الأسعار التي عفى عليها الزمن وكانت تمثل مرحلة في تاريخ الكويت من الرخاء والبحبوحة المالية وليس كما هو الآن».ولفت إلى ان«الأسواق والمحال اليوم باتت تبيع السلع بربع ونصف دينار عوضا عن الـ100 فلس التي كانت في حقبة سابقة لأن هذه العملات أيضا تعتبر صغيرة وتعادل قيمة الـ100 فلس وقت التسعينات وحتى منتصف العقد الماضي، ولا يوجد اليوم محل متخصص فقط في سلع الـ100 فلس بل هناك محال تبيع سلعاً مختلفة تبدأ بـ 100 فلس ودينار».أما على صعيد الزبائن فقد أوضح سامي الهطلاني ان جودة السلع تراجعت وبرغم ان هناك سلعا بـ100 فلس إلا ان جودتها تكاد تكون معدومة لأن العملة نفسها لم تعد لها قيمة أمام هذه السلعة فكان الحل إما برفع سعرها أو بتقليل الجودة والاثنان حدثا معاً فالسلعة زادت إلى ربع دينار وبرغم ذلك فانها سيئة للغاية.وأضاف الهطلاني ان الزبون اليوم بدلاً من ان يبحث عن هذه البضائع رخيصة الثمن لا سيما انه كان سيشتري منها عدداً ليس بكثير فإنه يفضل شراء النوعية الأفضل صنعاً حتى ولو كان سعرها ديناراً مقابل ان يحصل على سلعة تناظرها بربع دينار ولكن أقل جودة.أما أحمد المطيري فقد ترحم على تلك الأيام التي كان المستهلك يدخل إلى محال الـ100 فلس لـ«ترس عربانة» كاملة بما يحتاجه وتكون المحصلة النهائية 5 دنانير بينما لو أراد شراءها اليوم لوصلت لأكثر من 20 ديناراً إذا كانت بنفس الجودة السابقة.وأوضح المطيري ان سوق الـ100 فلس كان له رواج هائل بسبب الرغبة في الشراء لسلع متعددة رخيصة السعر بينما تبدل الحال اليوم كليا وأصبحت سلعة الـ100 فلس وحتى أبو ربع دينار لا تساوي عناء الذهاب إلى السوق اصلاً لأنه تستهلك قبل ان تصل إلى البيت أحيانا لرداءة تصنيعها.أما عوض الديحاني فيرى ان المستهلك اليوم مع ارتفاع الأسعار بات يبحث عن الأوفر له فيضطر بذلك إلى شراء شيء غال طالما ضمن انه سيطول عمره.وقال الديحاني ان البضائع الصينية اليوم تصدرت الأسواق بعدما تحولت الشركات الأصلية إلى التصنيع في الصين لرخص الأسعار ولم يعد هناك شيء سوى صنع في الصين ولو كان ذا ماركة عالمية فاختلط «أبوفلس» على «أبوفلسين» ولم يعد هناك فرق كبير، وتفاوتت الأسعار مع تقارب الجودة فأصبح أبو100 فلس مثل أبودينار نسبياً.