اتخذ المشهد اللبناني الداخلي وجهة شديدة القتامة في الساعات الأخيرة في ظلّ جملة تطوّراتٍ ومعطيات تشير في مجموعها الى اشتداد التجاذبات الداخلية وتَداخُل العديد من الملفات الخلافية بعضها بالبعض الآخر ما يخشى معه كثيرون ان يكون الوضع مقبلاً على تصعيد سياسي واسع.وقد تقدّمت فجأة الى واجهة الأضواء الأصداء السلبية الواسعة التي أثارها صدور الحكم المخفّف على الوزير السابق ميشال سماحة في ملف نقل متفجرات من سورية الى لبنان والإعداد لأعمال ارهابية فتنوية في منطقة الشمال، وهو الملف الذي يشمل القرار الاتهامي فيه ايضاً مدير مكتب الامن الوطني السوري اللواء علي مملوك.وجاء حكم المحكمة العسكرية بسجن سماحة اربع سنوات ونصف السنة فقط بما سيسمح في حال تنفيذ الحكم بخروج سماحة بعد سبعة اشهر، ليصيب بالصدمة فئات سياسية وشعبية واسعة في لبنان اعتبرته لا يتناسب مع طبيعة الجرم الذي حدده الحكم نفسه بمحاولة «القيام باعمال إرهابية والانتماء إلى مجموعة مسلحة»، علماً ان القرار الاتهامي كان طلب الإعدام للوزير السابق، الذي كان يشغل عند توقيفه في اغسطس 2012 منصب مستشار الرئيس السوري بشار الاسد، وذلك بعد ضبط وثائق وأشرطة فيديو لحوارات بين سماحة والمخبر ميلاد كفوري تشير صراحة الى المخطط الفتنوي الذي كان يُعد لشمال لبنان ويشمل اعمال تفجير لتجمعات شعبية (موائد رمضان) وسياسية، في طرابلس وعكار، لا سيما خلال زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي لعاصمة الشمال ولقائه مع مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، فيما كان الأبرز بث شريط يقول فيه سماحة بوضوح ان هناك شخصين فقط يعلمان بهذا المخطط وهما «اللواء علي والرئيس (بشار الأسد)».ولعل أخطر ما أدى اليه هذا الحكم انه أشعل عاصفة حادة من الردود السياسية والشعبية خصوصاً لدى «تيار المستقبل» الذي يقوده الرئيس سعد الحريري والشارع السني وقوى 14 ازار، فيما ترجم هذه العاصفة موقف وزير العدل اللواء اشرف ريفي الذي شرع فوراً في اعلان معركة غير مسبوقة بين وزيرٍ للعدل والمحكمة العسكرية التي قام ريفي حيالها، بما لم يسبقه اليه أي وزير حين تعمّد الخروج من جلسة لمجلس الوزراء مساء الاربعاء لـ «ينعي» للبنانيين هذه المحكمة العسكرية التي بدا واضحاً ان معركة إلغائها او على الاقل حصر صلاحياتها بالنزاعات بين العسكريين فقط قد انطلقت.وفي المعلومات المتوافرة لـ «الراي» ان ثمة قوى سياسية من فريق 8 ازار راهنت بعد صدور قرار المحكمة العسكرية على سماحة بأن يبقى موقف الوزير ريفي منفرداً باعتبار انه معني شخصياً للغاية بملف سماحة، وهو الذي اضطلع مع رئيس شعبة المعلومات السابق اللواء وسام الحسن بالعملية التي أوقعت بسماحة متلبساً بالجريمة، الامر الذي أدى الى اغتيال الحسن بعد نحو شهرين. ولكن التطور الجديد الذي حصل ليل الاربعاء تمثل في مسارعة الحريري، ومن موسكو، الى تغطية موقف ريفي بالكامل مبلغاً اياه في اتصال هاتفي «ان موقفك موقفنا وندين الحكم الصادر وهو غير مقبول وهذه قضية وطنية سنناضل من اجلها»، وهو الامر الذي أخذ هذا التطور نحو وجهة مختلفة.واذ باشر ريفي إجراءاته الفورية بتحريك النيابة العامة لتقديم مراجعة تمييز للحكم (يتجه فريق الدفاع عن سماحة لتمييزه ايضاً علّهم ينحجون في نقضه او التخفيف منه حتى) بالتزامن مع إحالته المستشارة المدنية في المحكمة العسكرية القاضية ليلى رعيدي على التفتيش القضائي، فان الصدى السياسي للمعركة القضائية بات أهمّ وأقوى وقعاً، لان وزير العدل نجح في فتح ملف أحكام سابقة صادرة عن المحكمة العسكرية اتسمت ايضاً بتخفيف الأحكام عن أشخاص ومتهَمين محسوبين على قوى 8 ازار، الامر الذي عرّض هذه المحكمة في الساعات الاخيرة لمحاكمة اعلامية - سياسية غير مسبوقة.وفيما نفّذ قطاع الشباب في تيار «المستقبل» اعتصاماً عصر امس امام مقر المحكمة العسكرية تنديداً بالحكم «المهزلة والفضيحة» و«اليوم الاسود في تاريخ هذه المحكمة» التي اخذ عليها المعترضون على حكمها انها امتنعت (برئاسة القاضي العميد الركن خليل ابراهيم) عن الأخذ بالنية الجرمية واعتبرت سماحة وكأنه مجرد «سائق ديليفري» وناقل متفجرات ينحصر دوره بايصال المواد والاموال التي سلمه اياها اللواء المملوك، برزت زيارة وزير الداخلية نهاد المشنوق وريفي لضريح الرئيس رفيق الحريري واللواء الحسن (امس) حيث اكد وزير العدل انه «يجب ان يكون القضاء يعمل ضمن معيار واحد وليس حجب التهم عن فريق معين وكأن جرائم ارهابيي محور الممانعة مغفورة»، لافتاً الى «ان جريمة النظام السوري موصوفة مع الارهابي ميشال سماحة وقضيتنا الوطنية ستكون المحكمة العسكرية».وفي السياق نفسه اعلن رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط عبر «تويتر» ان «حكم المحكمة العسكرية في قضية سماحة يشرع الاغتيال والتفجير»، فيما «غرّد» رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع معتبراً ان هذا الحكم «يُقوض ثقة اللبناني بدولته وبوجود عدالة على هذه الأرض، فهل هذا هو المطلوب؟»، ومعلناً: «كلّنا مع أشرف ريفي في ردة فعله، وحان الوقت للتخلُص من المحاكم الاستثنائية وفي طليعتها العسكرية والعودة الى المحاكم المدنية».وفي حين اعتبر منسق الأمانة العامة لقوى 14 ازار فارس سعيد «أن المحكمة باتت بيد أطراف حزبية معينة قادرة على إصدار أحكام تناسبها»، وصف الامين العام لتيار «المستقبل» احمد الحريري الحكم بأنه «مهزلة» قائلا: «نعم لإقفال المحكمة العسكرية بالشمع الاحمر ورحمك الله يا وسام الحسن فليس عدلاً ان تموت وان يبقى المجرم حياً».في المقابل رأى وزير «حزب الله» قبيل بدء جلسة لمجلس الوزراء ان «احترام القضاء وأحكامه يُفترض الا يكون انتقائياً قبل ان يزور وفد من الحزب مجلس القضاء الأعلى في غمرة الانتقادات لحكم المحكمة العسكرية».
خارجيات
جنبلاط اعتبره «تشريعاً للاغتيال» وريفي زار ضريح الحسن وباشر «هجومه المعاكس» بمباركة الحريري
«انتفاضة» سياسية في لبنان بوجه الحكم بحقّ سماحة
12:10 م