تراجعت الحكومة الكويتية خطوة «تكتيكيّة» إلى الوراء في مسارها «الاستراتيجي» لرفع الدعم للسلع والخدمات أو تقليصه، ولجأت الحكومة إلى البنك الدولي لوضع دراسة شاملة حول إصلاحات رفع الدعم وتأثيرها على مختلف القطاعات والشرائح الاجتماعية قبل مضيها في رفع أسعار الكهرباء والماء والبنزين.وقدم البنك الدولي مشروعاً مشتركاً مع وزارة المالية الكويتية اطلعت «الراي» على تصوراته المبدئية، تحت عنوان «تحسين الكفاءة من خلال إصلاح نظام الدعم.. مقترح لخدمات استشارية موجبة»، وذلك بالاعتماد على أفضل الممارسات العالمية والدروس المستفادة من تجارب الدول الأخرى، من أجل تصميم وتطبيق حزمة إصلاحات الدعم. الدراسة إلى دعم الجهود الكويتية في الانتقال نحو نظام أسعار أكثر استدامة لمختلف المنتجات النفطية، فضلاً عن باقي أشكال الدعم.ومعلوم أن الحكومة شكلت العام الماضي لجنة لإعادة النظر بالدعوم الحكوميّة في مختلف القطاعات، كانت باكورة قراراتها رفع أسعار الديزل والكيروسين. واضطرت الحكومة إلى تعديل سعر الديزل في يناير الماضي من 170 فلساً إلى 110 فلوس بناءً على توصية مجلس الأمة وتأجيل قرار رفع أسعار الديزل والكيروسين الى حين اجراء دراسة متكاملة من قبل الحكومة تبيّن سلبيات وايجابيات هذا القرار ومدى تاثيره على المواطنين، بدا أن المحاولة الأولى لتقليص الدعم حملت تداعيات غير متوقعة في القطاعين الصناعي والاستهلاكي.وبيّن العرض الأولي الذي قدّمه البنك الدولي أن التكلفة الإجمالية للدعم الحكومي للسلع والخدمات خلال 2014 - 2015 قفزت 15.18 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 7 مليارات دينار من أصل الناتج المحلي الإجمالي البالغ الذي تقدّر قيمته بنحو 46 مليار دينار، وذلك ارتفاعاً من 12.73 في المئة خلال 2013-2014، و11.65 في المئة في العام 2012-2013.وتتصدر التحويلات لمؤسسة التأمينات الاجتماعية فاتورة الدعم الحكومي، إذ تبلغ 5.69 في المئة من الناتج المحلي، (أي ما يزيد على 2.5 مليار دينار). وتأتي في المرتبة الثانية فاتورة «الدعومات العامة» (تشمل دعم الوقود والغاز في السوق المحلي، وبدلات غلاء المعيشة) تكاليف الدعم، إذ إنها بلغت 3.01 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال 2014 – 2015، مقارنة مع 1.73 في المئة خلال 2013-2014. وضمن هذه الفئة، بلغت تكلفة الدعم على المواد النفطية المكررة والغاز المسال وحدها 2.53 في المئة خلال 2013-2014، ارتفاعاً من 1.25 في المئة خلال 2013 - 2014.اللافت أن تكلفة الدعم الحكومي للتأمينات تعادل سبعة أضعاف التحويلات للمؤسسة العامة للرعاية السكنية، التي لا تتجاوز قيمتها 0.8 في المئة من الناتج المحلي.تأثير رفع الدعموأوضحت الدراسة ان تحليل تأثير إجراء إصلاحات على أسعار الطاقة يثير قضية إذا ما كان يتوجب على صناع القرار تبني آليات تعويضية للتأكد من عدم تحمل الفئات الفقيرة من المجتمع تكاليف رعاية اجتماعية كبيرة.وطرحت في هذا الإطار مجموعة من الأسئلة الأساسية:- هل يجب إلغاء جميع أوجه الدعم وزيادة الرواتب بشكل عادل في القطاعين العام والخاص؟- هل يجب ان يكون التعويض كاملاً وينتهي تدريجياً مع مرور الوقت أو ينخفض تدريجياً مع انخفاض الدخل؟- هل يجب ان يكون على شكل تحويل نقدي أو إيداعات مباشرة لكل رقم مدني؟ وما هي الشروط المسبقة لإنشاء آلية من هذا القبيل؟ وهل يجب ان تتضمن آليات التعويض الشركات التي تتأثر بهذه الإصلاحات؟- هل يجب على الحكومة تأسيس صندوق فعالية الطاقة لمساعدة القطاع الصناعي وغيره من القطاعات على الاستدانة بمعدلات تيسيريّة لتمويل معايير تطوير فعالية الطاقة وموازنة الزيادة بأسعار الطاقة؟- هل يجب استخدام جزء من المدخرات المالية الناتجة عن رفع الدعم في زيادة الإنفاق الاستثماري الذي يعتبر الأدنى بين دول مجلس التعاون الخليجي بنحو 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً؟- هل يجب على وزارة المالية الأخذ بعين الاعتبار الاستثمار في صندوق تحوطي للسلع من أجل المحافظة على مدخرات القطاع العام المتوقعة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ان الدعم سينتهي بمرور الوقت، وفي ظل مخاطر ارتفاع أسعار النفط مجدداً؟وذكرت الدراسة ان اتباع نموذج CGE يمكن أن يشكل حلاً لبعض هذه الأسئلة، إذ تسمح هذه المقاربة للحكومة الكويتية اتخاذ قرارات مبنية على معلومات مؤكدة. ويمكن استخدام هذا النموذج من أجل تقييم التأثير المحتمل لإصلاح نظام الدعم، وتحديد الطرف الأكثر فعالية لتوزيع المدخرات الناتجة عن رفع الدعم على القطاعات الاقتصادية بطريقة تسمح بزيادة النمو، فضلاً عن وضع أفضل الاستراتيجيات المستهدفة التي تسمح بتخفيض الكاربون فضلاً عن الرفاه المستدام للمستهلك.مراحل الدراسةتتوزع الدراسة المقترحة على ثلاث مراحل:- المرحلة الأولى: التقييم (تستغرق شهراً واحداً فقط)تقوم هذه المرحلة على تطوير تفاهم مشترك حول الأهداف والمجالات والنماذج فضلاً عن البيانات والأدوات الضرورية لمساعدة السلطات في إعداد تقييم أثر الدعم مقارنة مع الدول المشابهة من حيث الدخل المرتفع. وتقوم هذه المرحلة على تقديم عرض حول أبعاد الدعم وتأثيره على الأسر والشركات والقطاعات المختلفة، فضلاً عن تأثيره على الاقتصاد بشكل عام، وذلك بالاعتماد على نماذج متوفرة وأدوات أخرى.- المرحلة الثانية: تصميم الخيارات البديلة (من شهر إلى شهرين)تتضمن مرحلة التصميم وضع آليات تعويض مختلفة ومعايير تخفيف وتأثير مرتبط، وتحديد الاقتصاد السياسي لعملية إصلاح الدعم والخيارات البديلة لآليات التعويض، ووضع خطة تواصل، فضلاً عن تنظيم ورشة عمل حول الممارسات الدولية الجيدة في مسألة إصلاح الدعم والتي يمكن أن تتضمن ورشة عمل استشارية. وتقوم هذه المرحلة على وضع مذكرة حول تصميم البديل لخيارات التعويض مع تحديد السيئات والحسنات، مع توفير معلومات حول بعض التجارب الدولية بشأن كيفية عملها.- المرحلة الثالثة (يعتمد توقيت هذه المرحلة على نتائج المرحلة الثانية)لفتت الدراسة إلى ان الحكومة الكويتية تنوي البدء بتنفيذ إصلاحات الدعم بطريقة شاملة وبخطوات متسارعة تستغرق ما بين 4 إلى 6 أشهر بدءاً من التقييم الأولي وصولاً إلى التنفيذ الكامل. وبالاعتماد على خبرات الدول الأخرى، فان التطبيق الناجح لإصلاح نظام الدعم سيتطلب توفر ملائم للمعلومات والبيانات المناسبة، واتخاذ القرارات في جميع مراحل الإصلاح، وعقد اجتماعات عادية ومناقشات بين صناع القرار وأعضاء اللجنة وأصحاب المصالح الرئيسيين، فضلاً عن وضع استراتيجية تواصل جيدة.وسيتطلب هذا توفر مناقشات دائمة ونصائح بين صناع القرار ولجنة الإصلاحات وفريق العمل التقني. ومن بين الخيارات المتوفرة للحكومة الكويتية دراسة إمكانية وجود مستشار واحد أو أكثر من البنك الدولي لتقديم تقارير يومية لوزارة المالية. فعلى سبيل المثال يمكن وجود مستشار تقني خبير بتقييم تأثير الدعم، وجود مستشار ولجنة متخصصة في الكويت خلال تنفيذ المرحلة الثانية من البرنامج، وتوفر مستشار ثالث خلال المرحلة النهائية من أجل توفير الدعم الواسع خلال مرحلة التنفيذ. وسيحظى هؤلاء بالدعم الكامل من قبل فرق من قطاعات متعددة على غرار الحماية الاجتماعية والطاقة والكهرباء والمياه والحوكمة والبيئة وغيرها).أما على مستوى الحكومة الكويتية فقد حدد المشروع بعض الخطوات المطلوبة منها. ففي المرحلة الأولى لا بدّ للحكومة توضيح الأهداف المرجوة من الإصلاح وتحديد نطاق الدعم ليكون جزءاً من البرنامج الإصلاحي. كما لا بدّ من تحديد وضمان تواصل فريق البنك مع الشركاء الرئيسيين من الحكومة، وتعيين شخص من الحكومة لتقديم الدعم اللازم لموظفي البنك، والتعاون مع فريق عمل البنك للموافقة على نماذج التعامل مع مختلف أصحاب المصالح، وتسهيل قدرة وصول فريق البنك الدولي للمعلومات المطلوبة، وتحديد وتحليل الاثار حول أفضل السبل الممكنة للمضي قدماً.أما في المرحلة الثانية، فلا بد من تحديد الخيار الأفضل بالنسبة للحكومة حول كيفية وتوقيت التقدم بعملية التطبيق. في حين لا بدّ للحكومة خلال المرحلة الثالثة اتخاذ القرار إذا ما كانت تنوي الاستفادة من المستشارين الموقتين من أجل توافرهم في وزارة المالية أو لجنة الإصلاحات.

1.5 مليون دولار

علمت «الراي» أن التكلفة الإجمالية لمشاركة البنك الدولي المقترحة تبلغ نحو 1.5 مليون دولار، أي نحو 500 ألف دولار لكل مرحلة. وتتوزع التكاليف على الشكل التالي 45 في المئة كلفة عمال، و15 في المئة كلفة سفر، و10 في المئة طوارئ، و30 في المئة نفقات عامة. أما الفاتورة فستكون ربع سنوية تعتمد على التكاليف الأساسية المتكبدة، ما يعني ان الاتفاقية القانونية ستغطي الفترة الممتدة من 1 مايو إلى 31 ديسمبر من العام الحالي.