بات مؤكداً أن «المقاصة» ستخسر سيطرتها على مسؤوليّات التسويات النقدية في البورصة، لكنها تحاول ان تخرج من الباب لتعود من النافذة عبر تملّك حصّة الأغلبية في بنك التسويات المزمع إنشاؤه. فهل تسمح المعايير الرقابية؟ وهل يترك الآخرون الكعكة لها وحدها؟ومن المنتظر ان تخرج من اللجنة المختصة التي تترأسها هيئة أسواق المال ويشغل عضويتها كل من اتحاد المصارف و الكويتية للمقاصة والبورصة من مقترحات لتنظيم آليات السداد النقدي (التسويات) وتطوير آليات التقاص سيترتب على إطلاق بنك للتسويات النقدية في البورصة. وعُلم أن تدشين أي كيان للقيام بتلك المهمة سيكون تحت مظلة البنك المركزي وهو المعني بإجراء الرقابة على المبالغ المحولة من وإلى سوق الاوراق المالية، بالتعاون مع الهيئة.ويعد هذا الفصل شرطاً لا بد منه لاستيفاء المعايير العالميّة التي لا بد للكويت من مراعاتها للتمكن من الدخول إلى مصاف الأسواق الناشئة.إلا أن المواجهة قد تقع بين الشركة الكويتية للمقاصة التي تقوم حالياً بكل المهام التي تتعلق بتقاص الاسهم والمبالغ والحفظ والتسوية وغيرها من الاجراءات، وبين الجهات الرقابية، إذ سيترتب على عدم إشراك «المقاصة» في الاستراتيجية التي سيتم الاتفاق عليها واقع جديد قد يترتب عليه تفكيك «المقاصة» وتحويلها الى وحدات تقاص منفصلة.وليس الحديث عن الفصل بين تقاص الأسهم وتسويات المبالغ أمراً مستجداً، بل سبق الخوض فيه عند تطبيق نظام التداول الجديد الذي طورته «ناسداك أو إم إكس». ومن اللافت أن ميزانية التطوير حينها تضمنت 5.5 مليون دينار لنظام إجراءات ما بعد التداول (بوست ترايد) الذي كان الفصل سيطبّق بموجبه، إلا أن الخلافات المكتومة حول الأمرعطّلت المشروع، ومازال المبلغ المرصود لذلك موجوداً حتى اليوم.وفي حين أن «المقاصة» تسلّم بحتميّة الفصل بين تسويات الأسهم والتسويات النقديّة، إلا أنها تسعى لاستمرار سيطرتها على هذه الأخيرة بطريقة أو بأخرى، من خلال الاستحواذ على حصة الغالبية في الكيان الجديد المزمع إنشاؤه.وفي هذا السياق، أكدت مصادر مسؤولة في الشركة الكويتية للمقاصة أن الشركة جاهزة من الناحيتين الفنية والعملية لتقديم مهام التقاص على المبالغ الناتجة عن تعاملات سوق الكويت للأوراق المالية وفقاً للآلية التي سيتم اعتمادها من قبل الجهات الرقابية سواءً كانت هيئة أسواق المال أو بنك الكويت المركزي.وقالت المصادر لـ «الراي» تعقيباً على تصريحات نائب رئيس مجلس المفوضين مشعل العصيمي أخيراً في شأن إنشاء بنك للتسويات النقدية: «ان المقاصة على استعداد لإدارة وحدة مصرفية توكل إليها عملية تقاص المبالغ على ان تخضع هذه الوحدة لرقابة الهيئة و(المركزي)، وفي حال ارتأت الجهات المعنية تأسيس كيان مالي قانوني منفصل ستكون الشركة جاهزة أيضاً للمساهمة فيه بحصة الأغلبية حتى للإشراف بالتعاون مع الاطراف ذات العلاقة على إنجاز المهام التي ستوكل الى ذلك الكيان».وذكرت المصادر أن «المقاصة» تقوم بدورين في وقت واحد، الاول التقاص على الأسهم مع حفظ «المركزي» لها، والثاني تقاص المبالغ من خلال حساب مصرفي تم انشاؤه خصيصاً للأمر منذ فترة طويلة، منوهة الى ان إقصاء الشركة عن هذا الدور بالكامل سيكون له أثره غير الصحي من الناحية المالية عليها.إلا أن جهات أخرى لها موقف مغاير، وترفض القبول باستحواذ المقاصة على بنك التسويات، باعتبار أنه «التفاف على أفضل الممارسات العالمية التي تحتّم الفصل». يقول أحد المسؤولين المعنيين بالملف: «إن استحواذ المقاصة على بنك التسويات يعيدنا إلى المربع الاول، ويعني ببساطة عدم استيفاء الكويت لشروط الانضمام إلى الأسواق الناشئة».ويبلغ رأسمال الشركة الكويتية للمقاصة 20 مليون دينار موزعة على 18 حصة، كل حصة تبلغ نحو 5.5 في المئة. ويُعد سوق الاوراق المالية أكبر الملاك باستحواذه على خمس حصص رئيسية من رأس المال، فيما توزع 13 حصة أخرى ما بين حصة الى حصتين على عدد من المجموعات المحلية الكبرى.نظام التسويةمن جهة أخرى، أثارت تصريحات نائب رئيس مجلس المفوضين مشعل العصيمي لغطا كبيرا في شأن التفسيرات المتضاربة التي صاحبت ما ادلى به من تفاصيل أوردتها وكالة «رويترز» حول آلية التداول التي سيتم تطبيقها في البورصة الكويتية على اعتبار ان T+2 أو T+3 تعني الشراء اليوم والبيع بعد اليوم التالي او الثالث، وهذا لا يحاكي الواقع الفني المعمول به في أسواق المال بما فيها البورصة الكويتية، خصوصا أن T+2 تعني آلية السداد «الشراء ثم السداد خلال 24 ساعة من تنفيذ العملية، ولا علاقة لها بآلية التداول والوقت الزمني المُتعارف عليه عالمياً في البيع والشراء».وأبرزت المصادر نقاطاً محورية تتعارض بطبيعة الحال مع تطبيق آليات الشراء الآن والبيع بعد يومين او ثلاثة أيام، منها:- التعارض مع ما حرص عليه المشرع ضمن تعديلات قانون هيئة أسواق المال التي حددت نصوصاً لمواجهة الأخطار النمطية.- حدوث أزمات مالية قد تُعرض المؤسسات الاستثمارية والشركات والافراد لخسائر جسيمة حال تفعيل آلية البيع.- لن يكون بمقدور أصحاب المحافظ الاستثمارية والاوساط المالية التي تنشط في السوق مواجهة تداعيات الكوارث الطبيعية المُعرض حدوثها.- هناك من سيستغل الفرصة من أجل التسييل دون العبء بمواجهة من قبل المساهمين الجدد الذين تملكوا كميات كبيرة وبالتالي يتسبب ذلك في حدوث فجوات للتلاعب.وقالت مصادر رقابية إن ما أُثير لا يُطابق الأطر والقواعد العلمية المعمول بها، إذ تتجه النية وفقاً لمنظومة ما بعد التداول «البوست ترايد» المُستهدف تطبيقها والتي تُشرف عليها هيئة أسواق المال الى تقصير فترة السداد لتصبح في التو واللحظة، بحسب التوجه العالمي لتصل الى T+0 (مُعتمدة محلياً لكن الشائع هو T+1 ) أي الشراء والسداد في اليوم التالي، وT+2 للحسابات الأجنبية والخارجية التي يستغرق تحويل المبالغ منها يوماً او يومين، حيث ان هناك كيانات مُرخصاً لها «أمين حفظ» لاحتواء تلك الحسابات، منها «سيتي جروب، واتش اس بي سي، وبنك الخليج».وذكرت المصادر ان العمل بنظام تأجيل السداد يمثل العودة الى الخلف وليس التقدم خطوة الى الامام، لافتة الى ان الاهتمام بتطبيق منظومة ما بعد التداول يمثل نجاحاً كبيراً للبورصة، بل سيكون بمثابة قاعدة ينطلق منها السوق الكويتي نحو العالمية باعتبارها احدى النقاط الرئيسة التي تتطلب انجازاً خلال الفترة المقبلة.