«سيأتي يوم ويصبح قول الحقائق كما هي ممكنا... ثم ان جزءا من المذكرات بات جاهزا»، قالها رئيس جهاز الأمن السياسي السوري الراحل رستم غزالة في مقابلة مع «الراي» في 9 ابريل 2006، متطرقا بذلك الى موضوع اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، الذي لطالما توجهت الأنظار إليه على انه سيكون كبش فداء لاتهام دمشق وحلفائها في لبنان بتدبير عملية الاغتيال هذه.المقابلة كانت الوحيدة التي اجراها غزالة مع صحيفة على الاطلاق، منذ خروجه من لبنان اثر مغادرة آخر جندي سوري في 26 ابريل 2005، بعد اسابيع على اغتيال الحريري في 14 فبراير 2005.هل دفع غزالة حياته ثمنا لما يعلمه، وهل اصبح فعلا كبش فداء، لا سيما وان التقارير تضاربت حول ظروف وفاة غزالة بعد تعرضه للضرب من عناصر تابعة لرئيس جهاز الأمن العسكري اللواء رفيق شحادة اثر خلاف نشب بين الرجلين، خصوصا ان غزالة توفي في مستشفى في دمشق، بعد شهرين من تعرضه للضرب وليس بعده مباشرة.«الراي» تعيد نشر أجزاء من المقابلة علها تساهم في القاء الضوء على بعض جوانب حياة هذا الرجل الغامض:تطرق غزالة في المقابلة الى ما حصل بينه وبين لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري بقيادة ديتليف ميليس عندما استجوبته اللجنة في فيينا، فروى ان محققي اللجنة السابقة سألوه خصوصا عن الاتصالات الهاتفية التي اجراها مع الحريري ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، ويستغرب ان تلك الاتصالات مسجلة قبل نحو 8 اشهر من اغتيال الحريري، متسائلا من الذي سجلها؟ لا بل ان غزالة يؤكد ان مضمون الاتصالات مسجل أيضا وليس فقط وقت حصولها او الارقام المستخدمة، وفي احد هذه الاتصالات المسجلة مثلا، حديث بينه وبين الحريري، يسأل غزالة فيه رئيس الوزراء الراحل عما اذا كان لا يزال محافظا على الهدنة مع الرئيس اميل لحود، فيجيبه الحريري بالايجاب، فيقول له انه سيبادر اذا للاتصال بلحود لاقرار هذه الهدنة خصوصا بعدما كان قد طفح الكيل.وفي اتصال آخر، مسجل بين غزالة وبري، يسأله رئيس مجلس النواب عما اذا كان ينبغي الطلب من الحريري الاستقالة، فيجيب غزالة: دع الشارع يقرر ذلك. وهنا يتوقف المسؤول السوري عند أمرين، اولهما ان المحققين لم يكونوا قد عثروا على أي دليل بشأن تورط سورية في اغتيال الحريري، وان مكالماته لا تتضمن اي اشارة مسيئة للرئيس الحريري، مضيفا ان لجنة التحقيق الدولية كانت تأتي الى دمشق مع اجابات جاهزة لما تريده بمعنى انها لم تأت لتعرف وانما لتؤكد اتهامات.ويشرح انه حين قيل له مثلا من قبل اللجنة انه استخدم في احدى المرات كلمة غير لائقة، نفى ذلك وطلب التسجيل، فقيل له ان التسجيل غير موجود، فاجاب انه لا يعترف بأي شيء غير مسجل وان في الامر اختلاقاً وافتراء. يتوقف رستم غزالة بين حين وآخر عن الكلام، ثم يقول: يشهد الله اني بريء، وكل ما نطلبه هو ان تكون المحكمة عادلة وان يكون القضاء الدولي نزيها وان تكون اللجنة مستقلة، ونحن واثقون ان سورية لا علاقة لها بالأمر، واما اذا ارادت السياسة الدولية غير ذلك فهذا أمر آخر. وحين قالت له «الراي» ان الذين اتهموك كانوا اصدقاءك، أكد انه سيأتي يوم يصبح فيه قول الحقائق كاملة ممكنا، لكن التحفظ هو سيد الموقف الآن، والرغبة في عدم اعاقة عمل اللجنة الدولية قائمة، ثم ان جزءا من المذكرات بات جاهزا.تطرق غزالة إلى العلاقة مع الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، واصفا العلاقة به بانها حميمة، مضيفا: «لا بل في احدى المرات دخلت الى غرفة نومه وكان لا يزال ساهراً. وكانت تعليمات الرئيس الراحل حافظ الاسد لنا تقول بان ندعمه وان نحافظ على الطائفة الدرزية لعروبتها وقوميتها».حين قلنا لرستم غزالة انك انت كنت سبب القطيعة السورية مع جنبلاط، حين قلت له باسم سورية ان موعده مع الرئيس بشار الاسد قد الغي بسبب معارضته التمديد للرئيس اميل لحود، بدأ المسؤول الأمني السوري الراحل بفتح الملفات، رغم حرصه وتأكيده أكثر من مرة انه يفضل عدم الكلام وانه لا يريد ان يفسّر كلامه على أنه تأثير من قريب او بعيد على التحقيق الدولي الذي «كل ما نأمل منه هو أن يكون عادلا لان براءة سورية ستظهر عاجلاً أم آجلاً».وروى غزالة، ان سورية حين ارتأت دعم التمديد للرئيس اللبناني السابق اميل لحود، اتصل هو نفسه (اي غزالة) بأحد المسؤولين في منزل جنبلاط طالباً ان يلتقيه عند الساعة السابعة مساء، فقال له ان جنبلاط يريد الخروج من المنزل، فتمنى عليه ان يبقى وينتظره لان «الامر مهم» فانتظره.ويضيف غزالة: «حين وصلتُ، وجدتُ جنبلاط يتمشى بشيء من العصبية ذهابا وايابا امام المنزل. حاولتُ تهدئته، فسألته عما يزعجه، فقال انه منزعج لامور تعنيه، ثم حاولت تهدئته مرة ثانية، وسألته ماذا تقرأ هذه الأيام؟ فأجابني: لا أقرأ شيئا، ثم قلت له ان الرئيس الاسد ينتظر زيارته وذلك لان موعده كان قد حدد قبل موعديْ نبيه بري ورفيق الحريري، فسألني عن السبب، قلت له لا اعرف، فقال: يا اخي تريدون التمديد للحود وكل العالم يعرف ذلك وانا ضد التمديد».يتابع غزالة: «حينها شرحت له اسباب حرصنا على التمديد، بدءا بمشروع الهيمنة على المنطقة وصولا الى الخطر الاميركي ـ الاسرائيلي، فبادرني باتهامنا باننا نعمل مع اميركا وننسق امر التمديد معها، فقلت له: يا ريت، ورجوته ان يتفهم موقفنا، لا بل عرضت عليه ان يبقى هو ونوابه معارضين شرط ان يقول انه يترك لهم حرية الاختيار فرفض، ثم قلت له ان الشروط التي كان ارسلها لنا عبر الوزير السابق وئام وهاب نقبلها، وهي تعيين 2000 دركي، والحصول على 300 مليون دولار لصندوق المهجرين، ووزير للداخلية، فكرر رفضه».كلام غزالة أثار فضولنا لسؤاله عما اذا كان يفكر في الانتحار في ظل كل هذه الضغوط الكبيرة، لكن تكرار قوله في غالبية العبارات انه رجل مؤمن ولا يمكن ان يقدم على ما يغضب الله تعالى منعنا من سؤاله، غير ان الشعور بأننا لن نراه مرة اخرى، كان موجودا. فمن يزوره يشعر بشيء من هذا القلق من انه قد يدفع ثمنا لما سيؤدي إليه التحقيق في اغتيال الحريري.