كويت اليوم تعاني من ارتباك في مسائل الخطاب السياسي وإقامة الهياكل السياسية التي تدير شؤون المجتمع. فعلى الرغم من تراكم التجارب وتنوعها وكثرة الدروس والمآسي، إلا أن الارتباك يزيد يوماً بعد يوم، فكثر التعانف، وغاب العدل، وباتت البيئة الكويتية غير صالحة للنمو والتحدي الذي يتطلبه العيش في زمان التخبط والتقلقل والعشوائية. لم يكن الناس في الجاهلية أهل خبرة في إدارة كتلة بشرية كبيرة، إلا أن الأنظمة كانت تؤمّن قدراً من السلطة للحد من وقوع الجرائم، كما توفر أسساً أخلاقية وقانونية للتعامل معها. وإن أردنا عقد مقارنة بسيطة بين الجاهلية وعصرنا الحديث فسنرى أن الرواد الكويتيين أقاموا الدولة مستندين إلى إرث حضاري عريق في السياسة والإدارة، وكان الناس مستعدين للتعامل مع أي سلطة تقوم وفق موروثات تربوية وقانونية واضحة وحاسمة، ولكن تغير الحال بعد ما حدث في الوعي السياسي ما يشبه الانقسام، وثار جدل عريض في ما هو صواب من الممارسة السياسية وما هو خطأ، والسبب هو عدم مواكبة التثقيف السياسي والتوسع التقنيني والتنظيمي لتشعب الحياة العامة وطروء الظروف المستجدة. من المهم أن نشير إلى أن التاريخ السياسي للأمة الكويتية تحديداً بعد الاحتلال العراقي الغاشم كان يميل إلى اللون الرمادي، ونعتقد أننا قصرنا في دراسة ذلك التاريخ واستخلاص العبر منه، فكانت النتيجة أن كلا منا فسر الأحداث على أساس الاتهام وإلقاء اللوم على الغير، والتخلي عن المسؤوليات، واتباع الأهواء والشهوات، والبحث عن المصالح الخاصة، وصارت الدولة ميداناً رحباً للتنافس على الدنيا والصراع من أجل الاستحواذ على أكبر قدر من المصالح والمنافع الشخصية، وفقدنا الموازنات والتسويات التي ترشدنا إلى فهم الطبيعة البشرية وفهم سنن الله - سبحانه - في الشأن الاجتماعي و السياسي.يشكل الدين الإسلامي بمبادئه وآدابه المرتكز الأساسي للهوية في البلدان الإسلامية، كما أنه يقدم المعاني والرموز والمفاهيم الجوهرية التي يتطلبها الارتقاء المدني والسياسي في تلك البلاد، ويشكل الفضاء المعنوي والفكري الذي تتنفس فيه كل القوى السياسية في المجتمع، وحتى يظل هذا الدور قائماً ونتمكن من التحسين والتعديل، من المهم تجسيد التعاليم الإسلامية في الحياة الخاصة والعامة، لتشكيل المرجعية الفكرية والروحية التي تمنع الاندفاع نحو الهمجية المتمظهرة بالعدوان والقتل والسرقة والأنانية والبحث عن المتعة.لو تأملنا في الجانب السياسي من تراثنا الفقهي لوجدنا فيه تركيزاً شديداً على أخلاق رجال الدولة وآدابهم واستقامة سلوكهم، كما نجد اهتماماً بتفصيل ما لهم من صلاحيات، هنا يأتي الدور الشخصي لرجال الدولة الذين عليهم التعمق في فهم آلية الدولة والإغراءات التي يتعرضون لها لطالما بيدهم السلطة، وكذلك فهم التحديات التي تواجههم وتضطرهم أحيانا إلى التجاوز، مراعين مصالح البلاد والعباد. السياسة في معناها العميق تعني تحقيق مصالح الناس في إطار عقيدة الأمة ومبادئها وأحكام شريعتها، وتجاوز ما يحدث من اختلاف وتعارض في آراء الناس ورغباتهم ومصالحهم عن طريق العدل والحوار والمفاوضة، بالإضافة إلى تنظيم الحياة العامة بعيداً عن القهر والعنف وكبت الحريات. دعونا نتخلص من الرؤية التقليدية للإنسان والتي كانت تقوم على افتراض أن المواطن يولد سيداً كريماً عقلانياً في ممارساته ومواقفه، ولنبدأ بعملية التربية السياسية من جديد، ونغرس في نفوس الناس وعقولهم المعاني الجليلة للسياسة من خلال استهداف السياسات الإدارية والقانونية لتكوين المواطن الصالح المدرك لمسؤولياته وحقوقه في آن واحد. ابتداءً علينا أن نقرر ونؤكد على أن في كل مجال من المجالات ما هو طبيعي، وما هو غير طبيعي، والمطلوب دائماً أن نمتلك ما نفرق بينهما، وإلا وقعنا في العسف والاضطراب والارتباك الذي يصعب التخلص منه.m.alwohib@gmail.commona_alwohaib@