اكتب لابنتك كما كان جواهرلال يكتب لأنديرا..اهدها صفحات عن السماء والكون والجغرافيا والتاريخ والعالم. تعلم أن تكون مثقفا لأجلها.اهدها العلم. واستثمر بالطفلة الأنثى التي وهبها الكون لمسكنك.اكتب لابنتك عن مشاعرك كما كتب لها جواهرلال نهرو.رغم القضبان وصخب التمرد على الاستعمار وضجة ثورة الحرية والعصيان كان يخلق الوقت ليسرد لها (لمحات عن تاريخ العالم) الكتاب الشهير الذي ألفه لعيون إنديرا ولم تقرأه إلا بعد سنوات ربما تكاسل أو انشغال بمرضها وسفرها وصغر سنها، لكنها قرأته أخيرا.من قال إن الرسائل حكر على العشاق.كانت الرسائل المتبادلة تحكي مشاعرهما والتناقضات والأزمات والأحزان المؤلمة التي يمران بها. يحكي لها عن السجن وتحكي له عن المدرسة. يطلعها على عواطفه تجاه وطنه. وتبادله الأسرار. يحكي لها عن الحب وتحكي له عن الحب. لم يخفيا سوى اليسير. واللافت أنهما اعتادا كتابة الرسائل منذ طفولتها لدرجة ما عادا يناقشان الأمور الدقيقة إلا عبر الورق.. حتى بعد خروج جواهرلال من السجن، حتى بعد وصوله لرئاسة الوزراء وبقاء إنديرا معه بمنزل رئيس الوزراء لمساعدته بأعماله. كانا يحكيان ويعملان لكن النقاشات الحقيقية تتم بأن يلتقيا فتسلمه رسالة وكفى.جواهرلال أنجب أول رئيسة وزراء للهند. السيدة التي أدهشت الدنيا.غربها وشرقها. والدها عاش غارقا مفتونا بحب العلم. أينما ذهبت العائلة أدخلها مركزا تعليميا أو مدرسة. بزمن كان قليلون يعلمون بناتهم. تعمد أن تدخل أنديرا أفضل المدارس والجامعات. حتى أثناء سفرهم في إجازة أو أثناء رحلة علاج والدتها المريضة، سيدخلها نهرو إحدى مدارس سويسرا التي تبعد مسافة طويلة عن مسكنها، وتقطع الطفلة ابنة الثامنة مسافات يومية طويلة للوصول لمكان العلم.وأثناء دراستها الجامعية في بريطانيا كان جواهرلال مسجونا، ويجري الإنفاق على تعليم إنديرا نهرو من مردود نشر كتبه التي ألفها خلف القضبان.رسائل هذا الأب لابنته بفترة مبكرة من القرن العشرين تظهر رجعية قاتمة نحياها مقارنة بمن عاشوا فترات قديمة وتقدموا علينا بشكل مرعب.كتبت له عن حبها لفيروز غاندي (الذي سميت باسمه) قبل زواج لم ترحب به الهند..«يمضي أغلب الناس حياتهم بانتظار السعادة ولكن كأسها دائما تبدو بعيدة عن منالهم أما أنا فأمسكتها بيدي ونهلت منها وتشربتها خلايا عقلي وجسدي..»فرد عليها نهرو«السعادة هي بالأحرى شيء سريع الزوال بل لعل الشعور بالإشباع أبقى منها».لم يعارض هذا الزواج المختلط رغم الاضطراب الذي تسببه بالهند، لأنه كان مؤمنا حقيقيا بمبادئه الداعمة لحق المرأة بالاختيار.كتب مرة لصديقة «إذا كان بإمكاني كراهية صنف من الفتيات فسأكره النوع الضعيف الذي يمضي حياته متكاسلا مترددا حيران لا يعرف ماذا يفعل وينتظر من الجميع الانصياع لرغباته وحاجاته».وأرسل لأنديرا يوماً «كم أود لو لم تتركي لجسدك الفرصة ليصبح ضعيفا واهنا، إن عدم اكتمال لياقتك البدنية هي لي بمنزلة خطيئة كبيرة يرتكبها المرء»..كان وصول أنديرا نهرو غاندي لرئاسة الوزراء أهم حدث بتاريخ الهند المعاصر، وهي التي افتتحت إحدى خطبها من أغنية هندية تقول:«نحن نساء الهند لا تحسبونا نساء مرفهات رقيقات كالزهور بل نحن متقدات حماسا كشرر النار»..لا يمكنك أن تقرأ عن هذه السيدة دون أن تعيش كل جروح الحياة ومعاناتها وتستذكر أوجاعك وتخبطاتك. ورغم ذلك يصدمك بفرح والد استثمر حياته وماله ووقته بحرية الهند مثلما استثمرها بتنشئة فتاة غيرت تاريخ الهند.فكم ابنة بمجتمعاتنا تمتلك الفرصة لأن تحظى بأب يرغب بإهدائها العلم أكثر من أي شيء آخر ؟* كاتبة وإعلامية سعوديةnadinealbdear@gmail.com