كان يُطبِقُ الصمت، من دون أن ينبس ببنت شفة، يراقب –عن كثب- شفاه الحاضرين، وبدا لافتا أن حال الارتباك التي سبقت الحفل الذي انتظره عشاقه طويلا، انعكست وأثرت على صفو الانسجام المنبعث من أوتار عوده، كما بدا الجمهور وكأنهم مجموعة من الطلبة المستجدين، في قاعة امتحان يديرها معلم حازم.هكذا جاءت رياح الأمسية الغنائية التي أحياها المطرب اللبناني الكبير مرسيل خليفة، مساء أول من أمس على مسرح عبد الحسين عبد الرضا (مسرح السالمية سابقاً)، والتي جاءت ضمن مهرجان القراءة «وألقِ بصرك»، الذي انطلق في التاسع عشر من أبريل الجاري، تحت مظلة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، والذي أراد منظموه أن يكون خليفة مسك ختامه.شهدت الأمسية حضوراً جماهيرياً غفيراً فاق التوقعات، حيث ضاقت بالحضور جنبات المسرح الضيقة أصلاً، لدرجة أن الكثيرين اضطروا لمشاهدة الحفل وقوفاً، فيما افترش البعض منهم الممرات والسلالم طوال الوصلة الغنائية، التي استمرت لأكثر من ساعة ونصف الساعة تقريباً، في حين غادرت بقية الجماهير التي لم تحظ بفرصة الحصول على مقعد شاغر، وسط حالة من التذمر والاستياء.واستهل الحفل الأمين العام المساعد للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب محمد العسعوسي بكلمة مقتضبة، عن نجم الأمسية الفنان الكبير مرسيل خليفة، قائلاً: نلتقي اليوم مع رجل الكلمة «الملتزمة» والنغم الموسيقي الراقي، للاستمتاع بما يقدمه الفارس الذي امتطى صهوة الغناء العربي الأصيل، ليرسم أعماله في قلوبنا ويدوَن اسمه في ذاكرتنا، مردفا: نلتقي في ليلة لطالما انتظرناها طويلاً، لتأتي أخيراً بعنوان «تصبحون على وطن».وما إن سمعت الجماهير وقع خطوات المطرب الكبير مرسيل خليفة على خشبة المسرح، حتى دوت الصيحات، وتعالت الهتافات، مرددين «مرسيل... مرسيل»، لينحني المطرب الظاهرة بدوره أمام عاصفة من التصفيق والتهليل.واختار خليفة «بغيبتك نزل الشتي» ذات اللحن الكلاسيكي، ليفتتح به الأمسية، وسرعان ما اندمج الحضور مع نفحات السكسفون العليلة ونغمات البيانو الساحرة، ليردد صوت الأوكوريون الآخاذ أجمل المقطوعات، وبالرغم من الهدوء الذي فرضته الموسيقى الهادئة على المكان، إلا أن القاعة لم تهدأ، فالصخب الجماهيري يزداد اشتعالاً كلما ضربت الريشة الأوتار فدندن العود بالعزف على شغاف القلوب.بعد ذلك، رحب الفنان مرسيل خليفة بالجماهير التي غصت بها قاعة المسرح، معبراً عن غبطته بوجود «شباب وصبايا» الكويت، إلى جانب أشقائهم العرب ممن جاءوا للمشاركة في هذه الاحتفالية البهيجة، وموجها في الوقت ذاته رسائل مبطنة إلى جهات بعينها، ملمحاً إلى الجدل الذي أثير أخيراً حول إلغاء حفلته في البلاد، والتي أرجع منظموها الأسباب إلى خلافات إدارية ومادية، فيما لا يزال خليفة يصر بأنها أسباب سياسية بحتة.وقال: «زيارتي إلى الكويت كانت صعبة، و(المطبات الهوائية) الشديدة عرقلت الرحلة، لكن لا يهم ما حدث فنحن على أي حال قد وصلنا».وقبل أن يشدو بأغنيته التالية،صمت لدقائق، وطلب من الجماهير والمنظمين الصمت أيضا، وعدم الحديث في حضرة«ريتا»، التي تعد واحدة من روائع الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، فيما وقع ألحانها الفنان مرسيل نفسه، فدندن على العود بالنغم الشجي.وبعد انتهاء الأغنية، أبدى الفنان اللبناني دهشته من غياب البث التلفزيوني المباشر، متسائلا عن عدم حضور الإعلام المرئي عن حفله، قائلا باللهجة العامية: «وين القنوات؟... ليش ما بدهم أصحاب التلفزيون يصوروا؟!... عموماً قولوا لهم هالكلام».ولم تلبث الجماهير أن تلتقط أنفاسها، بعد نشوة الطرب الوطني الأصيل، حتى التهبت المدرجات مرة أخرى حماساً منقطع النظير، مع الأغنية الوطنية التي هيّجت المشاعر وأعادت إلى الأذهان الملاحم العظيمة، التي سطرها أطفال الحجارة الفلسطينية، في الدفاع عن الأراضي المقدسة ضد الاحتلال الإسرائيلي الجائر، عندما غنى مارسيل رائعة الفخر والاعتزاز العربي «منتصب القائمة أمشي» للشاعر الكبير سميح القاسم.بعد ذلك، أهدى الثائر العربي رفيق درب الثورة المناضل الأرجنتيني«تشي جيفارا» مقطوعة موسيقية بعنوان «التانغو»، قدمتها الفرقة الموسيقية، وتحاور فيها الأكورديون مع البيانو والسكسفون.كما قدم ما وصفها برائعة «الحب» الملتزمة للشاعر محمود درويش، لكن كلمات الأغنية لا تدل كثيراً على الالتزام، حتى أنها لم تلق قبولاً كبقية الأغنيات ولاسيما من جانب السيدات.ثم استعاد الأجواء الطربية في رائعة «أحن إلى خبز أمي» للشاعر محمود درويش، ثم قدم واحدة من روائع الأدب العربي للشاعر درويش أيضاً «كل قلوب الناس... جنسيتي... فلتسقطوا عني جواز السفر»، ليختتم الأمسية الغنائية بأغنية «شدوا الهمة»، التي تفاعلت معها الجماهير كثيراً.وفور انتهاء الحفل، توجه عدد من الصحافيين نحو الفنان مارسيل خليفة، لسؤاله عن انطباعه حول تفاعل الجمهور الكويتي مع أغانيه العاطفية والوطنية، ولكنه بدا «مشحوناً» أكثر مما يجب ضد وسائل الإعلام الكويتية، ومن دون مبرر، فرفض الإدلاء بأي تصريح صحافي.كما توجه الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب المهندس علي اليوحة، لمصافحة الفنان الكبير الذي رد التحية بمثلها، لكنه في الوقت نفسه أدار ظهره عن الأمين العام المساعد محمد العسعوسي!!القراءة فعل إنسانيوكانت فعاليات مؤتمر القراءة الوطني الأول «وألق بصرك» قد اختتمت مساء أول من أمس، في فندق جي دبليو ماريوت بتوصيات تشير إلى أهمية القراءة في الوجدان الانساني وضرورة التشجيع عليها.وناقش المحور الثالث من المؤتمر وسائل تشكيل الفرد القارئ وحاضر فيه من السودان الكاتب الدكتور أمير تاج السر وقدمتها الروائية ليلى العثمان... وأكد المحاضر أن القراءة نشاط من انشطة الانسان الابداعية، مثل الكتابة والرسم.بينما تحدث في المحور الرابع المترجم والكاتب الفلسطيني المقيم في أسبانيا صالح علماني عن حركة الترجمة.وتضمنت الجلسة الصباحية من اليوم الثاني المحور الثالث «دور السينما الثقافي»، وحاضر فيها من سورية الفنان غسان عبدالله ومن الكويت المخرج وليد العوضي.وقدم غسان عبدالله مقاطع من بعض الأفلام العالمية للحديث عن أثر السينما في الثقافة ورصد التاريخ، بينما أشار المخرج وليد العوضي إلى أن انتقال الصوت والصورة بالسرعات العالية يدعو إلى ضرورة الاهتمام بالسينما.فيما تحدث الدكتور محمد العوضي والكاتب السعودي محمد العباسي عن «القراءة النوعية والتأهيل المعرفي... كي يقول العباس: من وجهة نظر سن السابعة عشرة، ينطلق سباق ضد الساعة، كما يقول رجيس دوبريه في كتابه «مذكرات برجوازي صغير بين نارين واربعة جدران» هذا السباق «له جانبه المثير كما ان له جانبه المثير للسخرية». فحتى السابعة عشرة، برأيه «كنت تعيش مطمئنا على نحو ما، ولم تكن ملزما بأي شيء خارق. اما في سن السابعة عشرة، فالعقارب تبدأ بالدوران جديا».واحتوت الجلسة المسائية على المحور السابع وعنوانه «تهميش وسائل الاعلام للثقافة وحاضرت فيه الشاعرة سعدية مفرح من الكويت والاعلامية الدكتورة بروين حبيب من الامارات. وادارتها الاعلامية فاطمة حسين،وتحدثت مفرح عن تهميش الثقافة في الصحافة المكتوبة، بينما تناولت حبيب تهميش الثقافة في القنوات التلفزيونية، وترأست الجلسة الإعلامية فاطمة حسين.وأوضحت مفرح أن الصحافة العربية بدأت ثقافية بمعنى( أدبية) في بذرتها الأولى، وأن الأسماء الصحافية الكبيرة في البلدان التي نشأت فيها الصحافة أولاً مثل مصر ولبنان وسورية والعراق كانت من القامات الأدبية التي شكلت ذاكرة الصحافة العربية، ولفتت مفرح إلى التحول الكبير الذي طال الصحافة العربية حيث تم تحويلها من صحافة رأي إلى صحافة خبر، فتراجع الرأي والتحليل والمقال الرفيع.وعددت مفرح بعض الأسباب التي أدت إلى تراجع دور الثقافة في الصحافة العربية، حيث رأت أن الانقلابات أو الثورات التي اجتاحت المنطقة في الخمسينات حولت الصحافة من منبر حر إلى أداة في أيدي الأنظمة الجديدة تستخدم في الصراع السياسي بالمنطقة.أما بروين حبيب فتحدثت عن الثقافة في القنوات التلفزيونية من خلال المزج بين الشخصي والعام، حيث تعرضت لتجربتها الشخصية مع البرامج الثقافية، وأنها كانت تحلم بلقاء عمالقة الثقافة العربية، وهو ما حدث وأصبح لديها أرشيف مع 500 من المثقفين العرب.وخلص المحور إلى أن المفاهيم الثلاثة القراءة، والتأويل، والرقابة تطرح مشكلات منهجية ونظرية عديدة، وذلك بحكم تعقدها وترابطها وإذا كانت القراءة عبارة عن فعل معرفي وتجربة ثقافية، فإنها تتضمن بالضرورة تأويلاً معينا للأثر، تواجه نوعاً من الرقابة بما هي صراع على المعنى، وعائق يطرح مشكلة الحرية بكل أبعادها المعرفية والسياسية والأخلاقية، وسواء تعلق الأمر بالرقابة الذاتية أو العامة، ولهذه المفاهيم الثلاثة يمكننا من فهم مضامينها وعناصرها، وفي الوقت نفسه يبين حدودها وأثرها في الثقافة عموماً والثقافة العربية على وجه التحديد.ومن سلطنة عمان قدمت الكاتبة بشرى خلفان نصاً أدبياً تحدثت فيه عن الكثير من الرؤى التي تحض لقراءة والكتابة معاً، لتقول: «بحذر شديد ستكتب الحكاية، محاولاً ومتجنباً وصم القصة محاولة تشهير أو اتهام لا تملك عليه دليلا، وأنت في الحقيقة لا تملك أي دليل».