قد لا يعرف الكثير منّا الكاتب الألماني الشهير غونتر غراس والحاصل على جائزة نوبل للسلام في الآداب في العام 1999 عن روايته التي كتبها في الخمسينات «طبل الصفيح». توفي غونتر الأسبوع الماضي عن عمر 87 عاما ومع وفاته يكون العالم العربي قد خسر واحدا من أشهر الأدباء العالميين المناصرين له في النصف الثاني من القرن العشرين، والذي اعتبرته الصهيونية العالمية أحد الأقطاب الرئيسيين في معاداة السامية بعد أن مدح الخبير النووي الإسرائيلي السابق مورداخاي فعنونو (الذي كشف تفاصيل البرنامج النووي الإسرائيلي البالغ السرية) وذلك في قصيدته «بطلٌ من أيامنا». وقد قال ذات مرة: «أنه سئم من نفاق الغرب في ما يتعلق بإسرائيل? وأهوال النازية ليست ذريعة للصمت». خسر العالم العربي وما زال عندما تركه حلفاؤه الغربيون يكابدون العناء والعزلة جراء البطش الصهيوني المستمر بهم، تارةً بتهمة معاداة السامية وتارةً بجريمة إنكار مذابح الهولوكوست التي ارتكبها النازيون ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية. سبق غونتر الكثيرون من مشاهير المجتمعات الغربية وقد يكون من أهمهم الفيلسوف والكاتب الفرنسي روجيه غارودي والممثلة الإنجليزية فانيسا ريدغريف وكذلك النائب البريطاني السابق عن حزب العمال البريطاني جورج غالاوي وغيرهم ما غاب في الذاكرة وطواه النسيان.ولعل جارودي كان أكثر شخصية مثيرة للجدل والذي سُلّطت عليه الأضواء كثيرا في العقود الماضية وقبل وفاته عندما أعلن إسلامه في العام 1982. عندها بدأ يلفت الأنظار واستقطبته الوسائل الإعلامية العربية والغربية وتعرف عليه المثقفون العرب من خلال الصحافة والإعلام. وقد حصل فيما بعد على جائزة الملك فيصل العالمية عن خدمة الإسلام. كانت مجازر صبرا وشاتيلا التي ارتكبتها إسرائيل مع القوات اللبنانية في صيف العام 1982 بداية اصطدامه مع المنظمات الصهيونية عندما انتقد إسرائيل في مقال صحافي في صحيفة لوموند الفرنسية وتحت عنوان «معنى العدوان الإسرائيلي». لم يتوقف روجيه جارودي عن فضح كل الممارسات الصهيونية للكيان الإسرائيلي طوال السنوات اللاحقة حتى وصل الأمر إلى اصداره كتابه الذائع الصيت «الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل» وفيه شكك بالروايات الإسرائيلية عن صحة الأعداد التي تم حرقها من اليهود في معسكرات النازية. وعلى إثر ذلك تمت محاكمته في فرنسا؛ بلد الحرية والعدالة والمساواة، بمعاداة السامية وإدانته وحوكم بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ. ومن جارودي إلى الممثلة الإنكليزية فانيسا ريدغريف والتي مثلت في فيلم وثائقي تناول القضية الفلسطينية في العام 1977 فوقفت لها المنظمات الصهيونية بكل جبروتها في محاولة لبث الرعب في قلبها وبخاصة أثناء احتفالات توزيع جوائز الأوسكار في العام التالي في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، حيث طالب البعض بإخراجها من مسابقة الأوسكار ومقاطعة أعمالها بل وطردها من المدينة. حصلت ريدغريف في تلك المناسبة على جائزة الأوسكار عن دورها في فيلم «جوليا» والذي صور مرحلة الكفاح السري لليهود ضد النازيين إلا أن ذلك لم يشفع لها واستمرت ضدها المظاهرات الصاخبة. ولكن الغريب في أمر هذه السيدة أن العرب أنفسهم قد هاجموها داخل المجتمع الأمريكي وخارجه.ما بين غونتر وجارودي وريدغريف أوجه تشابه عديدة ومن أوضحها أنهم كانوا من نخبة مجتمعاتهم الأوروبية وثانيا أنهم جميعا اتهموا بمعاداة السامية فقط لأنهم أيدوا الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة ضد الصهيونية وإسرائيل التي زرعها الغرب في قلب العالم العربي. وثالثا أنهم جميعا قد تُركوا لمجابهة مصيرهم لوحدهم دون مناصرة حقيقية من العرب والمسلمين منظمات كانوا أو شعوبا مما مكّن الصهيونية من محاصرتهم ومحاكمة بعضهم. ولكن النموذج الأخير هو جورج جالاوي قد يكون الأبرز فيهم ذلك أنه لا يتردد أبدا وبكل وسيلة إعلانية أن يعلن تأييده للقضية الفلسطينية وبكل قوة. فهو دائم النشاط في المجتمع البريطاني وخارجه ويحرص على استغلال أي فرصة لتفنيد أكاذيب إسرائيل وفضح جرائمها العنصرية البغيضة ولا زال هو الصوت الأبرز حاليا ضد الماكينة الإعلامية الهائلة للصهيونية. أولئك وغيرهم من مثقفي المجتمعات الغربية هم أصدقاء قضيتنا المركزية نحتاج صوتهم المسموع والقوي التأثير كما يحتاجون دعمنا وحمايتنا فهل من مجيب؟
محليات - ثقافة
مشهد / فلسطين في عيون أوروبية
| د. زياد الوهر |
07:31 ص