إلى فضاءات مختلفة، نقل مهرجان الكويت الثاني للمونودراما جمهوره، مطوِّفاً به بين قضايا ماضوية وآنية ومستقبلية، وعوالم رحبة.من المحيط إلى الخليج، ومن أقصى شرق عالمنا العربي إلى أقصى غربه، وبين الكويت والمغرب، حلّق المهرجان بجمهوره في عروض ليلته الرابعة، مساء أول من أمس، والتي شهدت تقديم عرضي «أحلام» من الكويت، و«رو... بور... طاش...» من المغرب، اللذين اتفقا في تقديم حالة مزاجية واحدة تقريباً، لممثلة تكتشف في لحظة فارقة أنها تطارد المستحيل، وإعلامي قاب قوسين من التقاعد بعد حياة إعلامية حافلة، لكن اتفاق العرضين كان أعمق من ذلك الشاطئ الواحد تقريباً الذي قذف بهما البحر الهائج إليه، حيث استكناه ما هو أبعد وتسليط الضوء على أسئلة وجودية وواقع اجتماعي، مؤداه أننا جميعاً كعرب في الهم واحد، وأن الإحباطات التي نواجهها لن توقف نهر الحياة.«أحلام»من طموح إلى آخر، ومن حلم إلى حلم أكبر منه، تأخذنا الحياة، التي يستمر نهرها في التدفق، والتي نظل في صراع دائب معها.هذا هو جوهر مونودراما «أحلام»، التي قدمتها فرقة مسرح الشباب، التابعة للهيئة العامة للشباب والرياضة، في إطار عروض مهرجان الكويت الثاني للمونودراما، والذي تحتضن فعالياته حالياً خشبة مسرح الدسمة.«أحلام» هي «جواهر» بطلة العرض، والتي جسدت دورها باقتدار الفنانة أحلام حسن، وهي ليست مجرد امرأة، إنما هي رمز للحلم الذي لا يتوقف، وهي شخصية مشهورة تبحث عما لا تعرفه، فهي تبحث في كل يوم جديد عن شيء يسعدها، وتظل تواقة دائماً، بالرغم من الإنجازات والدروع والجوائز، وحياتها وسط النجاح الذي بدأ يزعجها، فهي تحلم كأي فتاة بسيطة متى ترتدي فستان الزفاف، وترى «ضناها»، وهنا يتم توظيف أغنية «هب السعد»، وهي سامرية كويتية مشهورة للأعراس. وبالرغم من أنها كسرت إيقاع العرض الذي اعتمد الفصحى، من خلال لهجتها العامية المحلية، إلا أنها كانت موظفة جيداً وعبّرت عن حالة البطلة.وبالرغم من النجاح والنجومية والشهرة، تعيش جواهر في غرفة بدأت جدرانها في التهالك، لكن هذه الجدران مرصعة برفوف تعلوها العديد من الجوائز التي تجاور سرير المرأة، في دلالة رمزية على المكانة التي تحتلها في نفسها، وهذه الشخصية الشهيرة يصفق لها الجمهور أمام أعينها، إلا أنه من ورائها تتعرض للطعنات بخناجر الكلام والنميمة والغدر.استطاعت أحلام حسن أن تترجم ما تشعر به بالفعل في حياتها الشخصية، عبر هذا العرض المسرحي، وإضافة إلى ذلك فقد جمع المؤلف أحمد العوضي عدداً من الشخصيات، التي قدمتها أحلام في أعمالها السابقة، مثل «البوشية» و«ميديا» و«من هم هو»، حيث رصع عرضه بمقتطفات من هذه الأعمال، وحتى لباس البطلة كان مزيجاً من قطع ارتدتها خلال تلك الأعمال.وجاء الديكور معبراً عن حالة البطلة النفسية أصدق تعبير، حيث تألف من غرفة صغيرة مبعثرة المحتويات، وتغزو التشققات جدرانها، كما تغزو تشققات الإحباطات جدران نفس صاحبتها، ومّيز العرض أنه كسر هذه الحالة بأزياء الشهرة والجوائز، والمؤثرات الموسيقية والصوتية التي جاءت معبرة، عن كل حالة تمر بها الشخصية وساعدتها في التمثيل، كما كانت الإضاءة من أهم عناصر نجاح العمل.ندوة تطبيقيةأعقب عرض أحلام ندوة تطبيقية أدارتها الكاتبة تغريد الداود، وشاركت فيها الفنانة أحلام حسن إلى جانب المؤلف والمخرج أحمد العوضي.وشارك الفنان طارق العلي، معرباً عن سعادته بالمهرجان ومرحباً بضيوف الكويت، قائلاً: «حياكم في بلدكم الثاني، وشكراً لهيئة التدريس، وأحلام حالياً زميلتي في الإسكندرية حيث نكمل مشوار دراستنا، وحلمها في كل محاضرة أن تهتم وتتكلم في قضايا المرأة، (مشكلجية) متعصبة للمرأة، واليوم أرادت أن توصل ما تريد، وجسدت دور الفنانة الخليجية، كي توصل صوت العصابة التي بها بأعلى صوت». كما شارك الدكتور في المعهد العالي للفنون المسرحية مبارك المزيعل، قائلاً: «ما رأيناه قصة أحلام الحقيقية، وكأنها تقول إنني أحارب و (أحلام تحملت الطق)».أما الفنانة الإماراتية هدى الخطيب فقالت: «أنا أعشق أحلام، ولا أريد أن أمدحها، لأن المدح في وجه الشخص مذمة، لكن ما الدلالة من الزي الثقيل الذي ارتدته، فقد شعرت وأنا أتابع وكأني أجر شيئاً ثقيلاً وأنا جالسة، وأتمنى أن نراكم في عروض ناجحة أخرى».وفي تعقيبها توجهت الفنانة أحلام حسن التي غالبتها الدموع خلال بعض المداخلات، بالشكر إلى الحضور والضيوف، وقالت: «أنا أستفيد من النقد، مدحاً كان أو ذماً لتطوير أدواتي، وأنا عانيت في الفن، ولن أترك المكان الذي أحبه وهو المسرح ما حييت، ووعد لن أتخلى عن خشبة المسرح».«رو... بور... طاش...»ومن المغرب، نجح عرض «رو.. بور.. طاش...» الزائر، والذي قدمته فرقة سيتي للمسرح الفردي، في إطار المسابقة الرسمية للمهرجان في لفت الأنظار، عبر تقديمه قضية إنسانية حياتية، عبر طرح تساؤلات تتناول الواقع.«رو... بور... طاش...»، تأليف وإخراج وتمثيل عبدالحق الزروالي، الذي جسّد دور إعلامي، كرس حياته لهذا المجال، ومن خلال برنامجه الإذاعي اليومي الذي يتلقى رسائل واتصالات وهموم الشارع، يتحدث بكل جرأة وطرافة «الضاحك الباكي»، وهو العارف الكاشف، والمنظِّر الاجتماعي والمحلِّل السياسي، والمرشد وشاهد العيان على نفسه والآخرين، يستمع إلى الجدل ويتابع القضايا والمواضيع والأحداث المختلفة.وتأتي الحلقة الأخيرة من برنامجه الإذاعي اليومي، والتي تمثل في الوقت ذاته آخر يوم له في المجال، كونه سوف يحال إلى التقاعد، وتنفك عقدة لسانه في آخر ليلة لبرنامجه، حيث تحدث بكثرة عن كل هم وسؤال بكل وضوح ومن دون أي قيود، فقد آن الأوان أن يقول الوداع.وتطرح مونودراما «رو... بور... طاش...» الأسئلة الأهم، وهي أين نحن الآن، وما الذي يوجعنا، في زمن الأهوال، زمن العجائب والغرائب، والظلم الرابح والحق الصامت، والواقع الأشبه بخيال، وهي الأسئلة التي طرحها الزروالي، وكأنه بالفعل في برنامج يلفظ أنفاسه بصوت حزين، ومع ذلك غنى الفواصل الغنائية وتفاعل معها الحضور. وكان ينزل من على الخشبة ويسير بين الحضور.ندوة العرضوأعقب العرض ندوة نقاشية شارك فيها الممثل المغربي عبدالحق الزروالي، وأدارها طالب البلوشي الذي تمنى أن تكون الدورة المقبلة من المهرجان أكثر تألقاً، مؤكداً أن الزروالي «استطاع أن يسحبنا من كراسي المسرح إلى عمق البحر».وتدخل الفنان العراقي سامي عبدالحميد قائلاً: «شاهدت الليلة الزروالي كما عهدته، متجدداً وهذا اللون لم أشاهده من قبل».من جانبه قال الزروالي: «لن أطيل ولا أريد أن أفسد متعة المسرح، وهذا السمر المسرحي المفتوح»، مثمناً تفاعل الجمهور، وتناغم الأجواء.