... على طريقة ان ما بعد «الاتفاق - الاطار» حول النووي الايراني بين طهران والدول الغربية الستّ، ليس كما قبله، تجهد الدوائر اللبنانية الرسمية والسياسية وحتى الاقتصادية لتكوين «داتا» واقعية للاحتمالات التي قد تذهب اليها المنطقة بعد يونيو المقبل، الموعد النهائي لإبرام الاتفاق بصياغاته النهائية، لا سيما في المسائل التي تُركت معلّقة في انتظار المزيد من المشاورات.وكـ «كل شيء وأي شيء» في بيروت المنقسمة من رأسها حتى أخمص قدميها، انشطرت القراءات الاولية لهذه الصفقة بين ايران والولايات المتحدة الى خلاصتين:خلاصة تعتبر ان طهران التي صمدت على مدى اكثر من ثلاثة عقود ونجحت في مدّ نفوذها الى ساحات جيو - استراتيجية، استطاعت «الفوز» باتفاق يمكّنها من فكّ عزلتها الاقتصادية و«رسْملة» نفوذها كقوة صاعدة في المنطقة.وخلاصة أخرى رأت في اتفاق ايران مع «الشيطان الاكبر» انصياعاً من طهران لمنطق المجتمع الدولي وتسليماً بموجباته التي لن تقتصر على الملف النووي بل ستصبح ايران ملزمة بالتعايش مع توازنات المنطقة صوناً للأمن والاستقرار الدولييْن، خصوصاً ان الولايات المتحدة التي أعطت ايران بـ «النووي» ستكون مضطرة لإعطاء سواها «تعهدات» بحفظ تلك التوازنات.ولم تُسقِط «الخلاصتان» في استشرافهما لاحتمالات ما بعد الاتفاق التاريخي بين واشنطن وطهران، من الحسبان التحول البالغ الدلالة في الموقف الخليجي - العربي الذي تمثّل في القرار الاستراتيجي الذي تجلّت طلائعه في «عاصفة الحزم» في مواجهة التمدد الايراني، اضافة الى مسارعة الرئيس الاميركي باراك اوباما لتحريك ديبلوماسية الهاتف مع القادة الخليجيين تمهيداً للقمة الأميركية - الخليجية المرتقبة في كامب ديفيد قبل موعد إبرام الاتفاق النهائي مع ايران.ويغلب في هذا الوقت «التريث» على المقاربة الرسمية في بيروت لمفاعيل «الاتفاق - الاطار»، وسط اعتقاد بأن المرحلة الضبابية الفاصلة بين التوقيع والنتائج ستطول، وسيطول معها تلقائياً المأزق السياسي - الدستوري الذي يعانيه لبنان ويشكل الفراغ في رئاسة الجمهورية أبرز تجلياته وذلك بعدما رُبطت أزمته بقوس الأزمات المشتعلة في المنطقة.وفي هذا السياق، رأى وزير العدل اللواء أشرف ريفي (من فريق الرئيس سعد الحريري) ان «الاتفاق النووي ليس سوى اتفاق إطار ولا يُبنى عليه نتائج نهائية قبل 30 يونيو المقبل»، مشيرا الى أنه «جاء لحفظ ماء بعض الوجوه فقط لا غير».ورأى النائب جمال الجرّاح (من كتلة الرئيس الحريري) أنّ «الاتفاق سيؤثّر على المنطقة بأكملِها ومعها لبنان، إذ إنّه جاء نتيجةً لإنجاز وثيقة أو مناخ من علاقات الفترة السابقة، ما يَفتح المجال أمام إنجاز ملفّات أخرى عالقة في المنطقة، ومنها ربما ملف انتخاب رئيس جديد للجمهورية»، مؤكداً أنّ «الكلام عن إنجاز الملفات الأخرى العالقة في المنطقة ما زال مبكراً، ولكن يُمكن أخذه في الاعتبار كمؤشّر من مؤشرات الحَلحلة».في المقابل،جاهر «حزب الله» بترحيبه بـ الاتفاق النووي الإيراني الذي «هو انتصار للحق والثبات وإرادة الشعوب الحرة ومشروع المقاومة الذي تقوده إيران الإسلام، ورفض للتبعية للغرب» على ما أكد نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم الذي اعلن «ان ايران استطاعت بصمود 12 سنة في مسألة العقوبات من أجل البرنامج النووي السلمي أن تنتزع من الدول الكبرى وعلى رأسها أميركا موافقة على برنامجها الذي يعبّر عن علم وسياسة ومكانة وقدرة في هذه المنطقة، وهو انتصار كبير لإيران واعتراف بمكانتها ودورها في المنطقة والعالم».وأكمل قاسم الهجوم على المملكة العربية السعودية معتبراً انها «أخطأت خطأ استراتيجياً بعدوانها على اليمن، وكان عليها أن تترك الشعب اليمني لخياراته»، سائلا«من نصَّبها لتكون إلى جانب فريق ضد فريق آخر؟ وما علاقتها أن تتدخل بين اليمنيين؟ هي تدّعي أنها تريد حماية الشرعية للرئيس عبد ربه منصور هادي، هذا الرئيس الهارب من بلده وليس له مَن يناصره، ولماذا لم تقوموا بالشيء نفسه في سورية مع الرئيس بشار الأسد الذي له شرعية والناس تؤيده والجيش معه وقوته موجودة في بلده (...).واعتبر أن«أمن الخليج مطلب محق ولكن أمن الخليج يكون بالاستقرار والتفاهم مع إيران وليس بالتخريب والعدوان وإثارة الفتنة المذهبية ومحاولة تخريب البلدان وقتل الأبرياء (...) وما قامت به السعودية اليوم في اليمن أكثر مما حصل في قانا (المجزرة الاسرائيلية العام 1996) وسجِّلوا للتاريخ أن السعودية ستخسر كثيراً وكثيراً، وخير لها أن تستدرك وتتراجع قبل فوات الأوان لأن الشعوب الحرة كالشعب اليمني هو صاحب الأرض والقرار».وفي السياق نفسه، هنّأ نائب «حزب الله» نواف الموسوي إيران «قيادة وشعباً بالإنجاز الذي حققته بإقرار حقها في أن تنضم إلى قائمة الدول النووية»، لافتاً الى «ان ما تحقق هو تأكيد كرامة الشعب الإيراني في التعامل معه كأمة وشعب يستحقان الاحترام، وأن إيران أثبتت أنها دولة حرة تقف عند حقوقها كاملة، ولم يعد باستطاعة أحد أن يتجاوز حقيقة أنها دولة ذات فعل حاسم في المنطقة والعالم»، ومشيراً الى «أن القوى الكبرى في العالم أقرت لصديقتنا وشقيقتنا جمهورية إيران الإسلامية بحقها في أن تكون دولة نووية، ونحن اطلعنا على هذا الاتفاق، وما قدمه الإيرانيون في هذا المجال يؤكد ما كانوا يقولونه دائما بأن برنامجهم سلمي»، ومعتبراً أن «أعداء إيران الدوليين والإقليميين ممتعضون اليوم من التوصل إلى هذا الاتفاق، لأنهم يعتقدون أنهم فقدوا فرصة توجيه ضربة إلى إيران تعيدها قرونا إلى الوراء».