يظن الكثير من الناس أن التفكير الناقد عبارة عن نشاط ذهني يستهدف إبراز النقائص والعيوب والأزمات التي يشاهدها الناقد على مسرح الحياة، ربما كان سببه هو أن معظم ما يرونه من ملاحظات وتعليقات صادرة عن أطراف يميلون إلى إظهار العيوب والسلبيات، وفي الحقيقة هذا شيء غير صحيح. إن النقد في جوهره هو مجموعة من العمليات الذهنية التي تستهدف تقييم بعض الحقائق والمعلومات والأفكار والظواهر، وتمييز ما فيها خير وحق وصواب وجمال عما كان فيها من باطل وخطأ وقبح.من أراد أن ينقد فليستخدم ما لديه من قيم ومعايير وأفكار ومعلومات، وهذا الاستخدام كثيراً ما يكون عبارة عن تطبيق وتوظيف للمعارف والأفكار الجديدة في فهم الواقع وتحديد المشكلات الاجتماعية بالإضافة إلى تفسير التناقضات التي يعيش فيها الناس. ومن هنا فإن التفكير النقدي عمل متفوق جداً، لأن الناقد يُثبت أن وعيه متحرر من قيود البيئة والنماذج والقوالب الشائعة، ومتحرر من برمجة التيار الاجتماعي العام، والذي لا يكون في الغالب رشيداً وواعياً. لابد أن يدرك من يمارس النقد أنه يعبرعن فهم مقارب للواقع وتوضيح الفارق وتفتيته وبيان خطأه من صوابه، وإن كان خيراً وصواباً يشجعه ويرسّخه ويبث في نفوس البشر الاستبشار.إن القرآن الكريم هو الذي أسّس لممارسة النقد في المجتمع الإسلامي للإصلاح والفلاح، فقد كانت الآيات تنزل على نبينا - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - متتابعة ومتتبعة لتقلبات المجتمع وأنشطته وأحداثه العامة، والمجتمع في أمسّ الحاجة إلى النقد، وذلك لأن هناك عوامل كثيرة تؤدي إلى وجود مفارقات بين التنظير والتطبيق وبين الاعتقاد والسلوك العملي. النقد هو الرئة التي يتنفس بها المجتمع، وهو المصباح الذي يضيء الطريق لأفراد المجتمع الأسوياء، وهو لا يؤذي إلا الحالات المريضة، ولا يتضايق منه إلا من لديه نوع من الاعوجاج والتفريط.m.alwohib@gmail.commona_alwohaib@
مقالات
منى فهد عبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي
خريطة النقد... !
01:48 ص