عندما نشاهد الساحة السياسية والشرعية والجهادية في العالم الإسلامي فإننا نجد أن مصطلحات مثل التعاون مع الآخر أو الخطاب المشترك أو العمل المشترك تغيب في السلوك والممارسة عند أغلبية الناس وتسيطر مفاهيم المفاصلة وفرض الرأي الآخر وعدم الاحتواء، وفي عالم السياسة والجهاد وعموما في الحياة من لا يريد أن يعمل مع الآخر فلابد له أن يعمل لوحده أو ينعزل، وفي كل الحالات فإن النتيجة ستكون الفشل أو التقصير وضعف تحقق الأهداف، بينما يجد العالم الغربي فرصة كبيرة لنسيان الخلافات والعمل المشترك والتعاون بين الأديان المختلفة والمذاهب المتصارعة والدول التي حدثت بينهم الحروب وملايين القتلى!، لذلك فالنجاح هو حليف من يعمل ويتعاون مع غيره وليس مع من ينزوي ويصر على الجمود والفوقية.الواقع المعاصر يطفح بالنماذج المبكية محليا وخارجيا؛ فعندما نشاهد الجماعات الجهادية تتناحر على أسباب تافهة أو حتى أسباب مهمة لكن ليست أولوية في الوقت الحالي، وعندما نشاهد صراعات الإسلاميين مع غيرهم ومع أنفسهم والمفاصلات على أمور غير مهمة أو مهمة وليست ملحة بالأولويات، وعندما نشاهد رموزا، وبعض شباب التيارات الإسلامية والفعاليات تحرض ضد أي تعاون أو قدر مشترك مع الآخر فلابد لنا أن نعترف بوجود مشكلة كبيرة يجب أن نحلها ونناقشها، ولأن أكثر من نناقشهم بالدرجة الأولى هم التيار الإسلامي فيجب أن نسلط الضوء على مرجعية الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سيرته العطرة وكيف تعامل مع الأحداث ومن هنا نتناول حدثا مهما في السيرة النبوية بما يسمى بـ«حلف الفضول»:فيقول الإمام ابن كثير رحمه الله: (( وكان حلف الفضول أكرم حلف سُمع به وأشرفه في العرب، وكان أول من تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب، وكان سببه أن رجلاً غريبًا قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل فحبس عنه حقه، فاستعدى عليه الغريبُ أهل الفضل في مكة، فخذله فريق، ونصره الآخر، ثم كان من أمرهم ما ذكرناه، وقد وتحالفوا في ذى القعدة في شهر حرام، فتعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدى إليه حقه ما بل بحر صوفة، وعلى التأسي في المعاش.ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه مال الغريب، فدفعوها إليه).وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في حلف الفضول:«شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ «يقصد حلف الفضول فهم في الأصل من جماعة المطيبين» مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا غُلَامٌ فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي أَنْكُثُهُ»، وقال أيضًا: «لَقَدْ شَهِدْت فِي دَارِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبّ أَنّ لِي بِهِ حُمْرَ النّعَمِ وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْت» ابن هشام:1/133]ومن هذا الحدث المهام الذي أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وباركه إن حدث في الإسلام يتبين عندنا مشروعية التحالفات والتعاون مع الآخر بالقدر المشترك، وفي هذا الحدث هو تعاون بين النبي -صلى الله عليه وسلم- مع (كفار) على قضايا من المبادئ العامة والأخلاق الحميدة فلا يمتنع وجود أي خلاف عن تحقيق التعاون مادامت الأهداف مشروعة ولا تضر الدعوة والمبدأ، وكيفية معرفة القضايا المشتركة التي لا تنازع الحقوق الاعتقادية والفكرية الرئيسة:- الاهتمام بفقه الأولويات وتطبيقاته المعاصره ومعرفة المهم عن غير المهم والعاجل والآجل وماهي مصلحة المرحلة (ما لا يدرك كله لايترك جله).- قراءة التاريخ وسير العظماء والقادة بشكل جيد في ميدان الجهاد وميدان السياسة والشرع وأخذ العظة والعبرة منهم وبيان الأمور المشتركة.- إبعاد الجوانب العاطفية والمشاعرية في التعامل مع هذه الملفات فيجب تغافل ماضي من نريد التعاون معه ولا يجعلنا نضع العثرات تجاه العملية التعاونية فلو كل من خالفنا وحاربنا رفضنا التعاون معه لأصبحنا وحدنا وفشلنا.- التعاون في مجال معين أو مكان معين لا يعني التطابق في كل مكان ولا يعني الخصومة في كل مكان فيجب عدم خلط الأمور والتعامل معها بشكل منفرد وقياس المصالح والمفاسد ويجب الإدراك أن الخلافات لا تعني القطيعة المطلقة.- عدم تصدير الشخصيات الاقصائية في التعامل مع الآخر بل يجب إبراز الشخصيات المتعاونة والمتوافقة مع الآخر ولو كان كل طرف يتعاون معه من يعرف طريقتهم وينجح التعاون.- التعاون والعمل المشترك لا يعني الذوبان وعدم بروز الهوية الشرعية والفكرية فالغاية لا تبرر الوسيلة.- الصبر في التعامل مع الآخر بأخطاء الأفراد والمجاميع والقناعة أن لكل مسيرة تعاون مطبات صغيرة وكبيرة والنجاح في الوصول للهدف بأقل الخسائر.- النظر الى الخصوم المشتركة في القضايا ومعرفة انطباعاتهم عن العمل المشترك الذي نقوم به سياسيا أو جهاديا أو شرعيا ضدهم حتى نعلم مدى فاعليته ونجاحه.لعل هذه القضية تداولها العلماء والفقهاء وخاصة علماء مقاصد الشريعة والسياسة الشرعية بشكل متوسع ومن الصعب نسيان القاعدة الذهبية التي وضعها الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله (نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا عليه)، وحقيقة كبيرة يجب أن نتعرف عليها أكثر أن الأمور الشرعية والقواعد السياسية لا يتم تداولها بالجوانب العاطفية والمشاعرية وأيضا ليست كل الأطراف قادرة على استيعاب هذه الأمور.bomo6ar@gmail.com
مقالات
معالم في الطريق
حلف الفضول... مدرسة التحالفات والتعاون
06:21 ص