بالجمال والإبداع وبالحب والبهجة والفرح، دائماً ما ترتبط الفنون، ودائماً ما يشدد المسرحيون في ملتقياتهم المسرحية، على ضرورة التمسّك بالأعمال الجميلة التي تقدم فوق الخشبات، وعلى اتخاذ قرار استمرارية عرضها كلما سنحت الفرصة.من هذا المنطلق، عملت إدارة «لوياك» ممثّلة برئيس مجلس الإدارة العضو المنتدب فارعة السقّاف، على تسهيل الظروف والمناخ أمام فرقة «لابا» المسرحية، التي تعنى بكل أنواع الفنون كالتمثيل والموسيقى والغناء والرقص، لإعادة عرض مسرحية «من هوى الأندلس»، تأليف فارعة السقاف وإخراج شيرين حجي، وتحت إشراف عام من المخرج رسول الصغير، فوق خشبة مسرح «السالمية»، وبعودة المسرحية للعرض الجماهيري، تمّ تطبيق مقولة «الجميل يجب أن تتم إعادته».«الراي» لبّت دعوة حضور أول العروض الخمسة، التي تستمر حتى 21 الشهر الجاري، التي تمّ الاستعداد لها مجدداً، بالرغم من التدريبات الماضية التي خضع لها كل المشاركين بالمسرحية، والتي استمرت قرابة العام، لدى عرضها للمرة الأولى في نوفمبر الماضي.ولإنعاش الذاكرة لمن حالفه الحظ بمشاهدة المسرحية مع ولادتها الأولى، وأيضاً لمنح صورة عامة لمن لم يسعفه حضور العرض، فإن أحداث «من هوى الأندلس» تعود إلى أواخر القرن العاشر الميلادي في قرطبة، وتحديداً في قصر الزهراء الذي يعيش خلف جدرانه العامرة الخليفة المستنصر بالله، وهو الحكم الثاني ابن عبدالرحمن الناصر لدين الله ورسوله، تاسع خلفاء بني أميّة، وتصور كيفية وصول محمد بن أبي عامر «الحاجب المنصور»، الذي نال ثقة الخليفة في حياته من خلال تنفيذه لكل ما يُسنَد إليه، ومن ثمّ الوصول إلى سدّة الحكم بعد مماته، ونجاحه في تهميش دور «صبح» وابنها الخليفة هشام المؤيد، بعدما تزايد نفوذه من خلال الفتوحات وتعدد الانتصارات التي حالفته في كل معاركة الحربية ضد ممالك أعدائه المجاورة، متخلصاً من كل خصومه السياسيين، وتعرض المسرحية لقصّة الجارية البشكنسية «صبح»، نديمة الخليفة الحكم المستنصر بالله ومستشارته التي أنجبت له ابنه الأمير هشام المؤيد، وتجسد الأحداث كيفية محاولة غالب الناصري «ذي السيفين وفارس الأندلس»، التصدي لذلك الأمر ساعياً إلى ردعه برغم تزويجه ابنته أسماء إلى ابن أبي العامر، ما يجعلهما يتواجهان في معركة رغم توسّل أسماء لأبيها الذي خسر المعركة بينما انتصر محمد بن أبي عامر.وتفرّعاً من هذه القصّة التاريخية الجميلة والحبكة المسرحية التي أقل ما يمكن القول عنها بأنها صعبة وثقيلة، على ممثلين هواة لم يدرسوا ويتخصصوا بالمسرح الأكاديمي في المعهد العالي للفنون المسرحية، وبغضّ النظر عن التدريبات التي يحصلون عليها داخل الفرقة من جيل الشباب، إلاّ أنّ من شاركوا في العرض المسرحي من ممثلين أثبتوا جدارتهم.وهنا لا ننسى أنّ تناول الأعمال التاريخية دوماً من خلال الأعمال المسرحية، يعزز اللغة العربية مع منح قدرة الإلمام بالتاريخ الذي لا يعرف عنه الكثيرون من جيل الشباب في ظلّ العولمة، إضافة إلى تنمية العمل الجماعي والانضباط والالتزام لفريق العمل، وهو ما حققه بشكل كبير فريق العمل حتى لو وجدت بعض الأخطاء، وهو الأمر الذي لا يخلو من أي عمل مسرحي عالمي.عرض «من هوى الأندلس» امتزج فيه التمثيل الدرامي المتوازن مع التغيير الطفيف على بعض الشخصيات، مع الاستعراض الغنائي الذي يستحق الثناء فعلاً، فقد كان بمثابة فضاء التخيّل عبّر به الراقصون عن ازدهار الحضارة العربية في الأندلس، ومن خلاله شاهدنا واستمتعنا بروعة فنون الرقص والموسيقى والأزياء والغناء وأشعار أشهر شعراء الأندلس. ولا نتغافل عن بقية العناصر المسرحية من الديكور والإضاءة والموسيقا والأزياء التي اتحدت مع بعضها البعض، فشكلت وحدة مسرحية مترابطة منحتنا عمقاً وأدخلتنا في رحم العرض المسرحي.ختاماً، يمكن القول إنّ «من هوى الأندلس» تفوقت على نفسها، مع روح المحبة والتعاون بين الممثلين والتي انعكست تلقائياً للمتلقي، فكانت أكثر نضجاً بعد أكثر من عرض لها، كما استطاع الممثلون فيها إثبات قدرتهم وامتلاكهم للموهبة والخامة المسرحية الجميلة.
فنون - مسرح
عادت على مسرح السالمية وتتواصل حتى 21 الجاري
«من هوى الأندلس»... مسرحية تفوّقت على نفسها
01:52 م