عادة يؤدي التراكم الكمي إلى تغير نوعي أو كيفي، هذا ما تقوله الفلسفة المادية الجدلية، وهو ينطبق على العلوم الطبيعية والمجتمع وكل شيء في الحياة، فتراكم السأم يؤدي إلى حالة التذمر، وتراكم التذمر يؤدي إلى حالة الغضب، وتراكم الغضب يؤدي إلى تغير في حياة الإنسان والشعوب.لم يعد الفساد حالات استثنائية متفرقة، بل تراكما ليصبح حالة عامة سيؤدي إلى مستقبل مظلم وغامض، لا يمكن التنبؤ إلا بنتائجه السطحية عند غالبية الناس، لكن في واقع متغير ومتبدل يلعب هذا التراكم دوراً في تبدل الأحوال.كيف يستشري ويتفشى ويتراكم الفساد؟ لا شك أن هناك غفلة حكومية إذا أحسنا الظن، لكن الأمور أصبحت أوضح بالنسبة للإنسان العادي، وهو الأمر الذي يتعدى الغفلة إلى التراخي والتواطؤ، بل والحماية وتوفير الغطاء له.والسؤال المنطقي التالي هو بأي طرق يُحمى هذا الفساد، أو يمنع الناس المتذمرون والغاضبون من التصدي له؟ قد يكون بتقييد الحريات بما فيها حرية التعبير والرأي والتجمع السلمي، وقد يصل إلى استخدام العنف الذي قد يؤدي إلى عنف مقابل.أما إن كانت الحكومة جادة في مكافحة الفساد، فلا بد وأن تسخر لها القوى الشعبية وأدواتها الإعلامية والقانونية وتستند إليها، وهنا لا نقصد مجلسا نيابيا يدار بالريموت كنترول، ولكن بتعبئة تشبه التعبئة العامة لجمع السلاح غير المرخص التي تجري حالياً، أي حملة وطنية شعبية، فليس من المفيد عزل الشعب عن قضاياه الوطنية.إن قوى الفساد تشعر بالتنفّذ والسطوة، عندما تجد الحماية ولا تجد من يجرؤ على التصدي لها ومحاسبتها، وهذا ما يؤدي إلى ما يسمى بـ«الدولة العميقة»، أي دولة داخل الدولة، تستطيع إدارة السلطات التنفيذية والتشريعية وإدارات الدولة، بطرق الفساد المعروفة مثل الرشاوى وشراء الذمم، وبالنسبة لقوى الفساد ترى أن لكل إنسان ثمنا يقبل به من أجل تغيير مواقفه، وبيع ضميره وتنفيذ أجندة هذه القوى، حتى وإن كانت ضد مصلحة الوطن.إن التراكم الكمي في نهايته يعني أن السيل قد بلغ الزبى، وإن التغيير حتمي باتجاه الأفضل، وسيبقي التاريخ الشرفاء في ذاكرته، وسيُسقط الفاسدين من حسابه ويلعنهم، وكما عودنا التاريخ أن النصر حليف الشعوب دائماً، فمن أعطى وضحى ليس كمن أخذ وسرق ونهب وخرب.osbohatw@gmail.com