(الليلة الكبيرة لم تبدأ بعد) هكذا أرعبنا فاضل الربيعي المؤرخ الكاسر للتابو وهو يختم مقالته عن حفلة الجنون المستقبلية بالشرق الأوسط كما يتوقعها على ضوء مجريات ما يحدث من مجازر وتقطيع أوصال بشرية وجغرافية وأحاديث لا تنتهي عن تقسيمات وإعادة رسم خرائط.الربيعي الذي أدهشنا بكتب تقول إن كثيراً من التاريخ المتداول باطل. المؤرخ الذي تصدمك صفحاته ويجبرك على إعادة قراءة كل صفحة قبل الانتقال للصفحة التي تليها، محطم الكلاسيكيات وتقاليد المؤرخين الجامدة وواحد من أكثر العرب دراية بأصلنا وفصلنا يخبرنا اليوم أن الليلة الكبيرة لم تبدأ بعد.فماذا نفهم منه؟ وصولنا لمرحلة اللاعودة ؟ هل يتوافر لنا خيار آخر عدا أن نشد الرحال أو نمسك معولا ونشارك بالهدم؟أحاول تخيل الربيعي (الذي اعتمد بكثير من مستنداته على منحوتات الحضارات القديمة) متسمراً بألم أمام مشهد الآثار أو الأصنام كما سماها الهادمون وهي تتمايل وتطعن وتقطع وتكسر وتمسح أي أمل بزيارة المؤرخ لها وتحليل الأسطورة من خلال النحت. وفيما كان المعول يهدم آثار الحضارات في الموصل كان المعول الفكري نفسه يستخدم بمعرض الكتاب بالرياض ليدافع عن هدم آثار العراق.قبل سنوات كتبت مقالات عن هدم الثقافة أحدها عنوانه (في معرض الحرام) لأن معرض الكتاب بالنسبة لفئات هو معرض للحرام تباع فيه كل المنكرات وتتجسد به الهرطقة والكفر بعينهما. وكثيرا ما خصصت حلقات تلفزيونية لمناقشة قصة معرض الكتاب وظاهرة المحتسبين الذين يدخلون إليه آمرين ناهين من دون أن يكون لهم صفة رسمية. لكن مع السنوات تبين لي أننا ندور في دوامة إذ نناقش نفس الأمر سنويا ولا يتغير شيء، لا المحتسبون توقفوا عن تشنيعهم ولا النظام اتخذ اجراء حاسماً. يدخل المحتسب أي مناسبة فيجول ويصول صارخا مخرباً لذة المعرفة بكل حدث ثقافي لأن الثقافة برؤيته تكوين معادٍ للأديان. ولا يكتفي الكون بتسليط المحتسبين على المجتمع ليضمن قطيعته مع الثقافة بل يتكالب مع يد الرقيب الرسمي الذي يمنع أي كتاب لا يتوافق وهواه الشخصي.الربيعي كتب عناوين صادمة كثيرة منها (المسيح العربي) و(القدس ليست أورشليم) فكيف يمكنه صياغة مجريات الأحداث الحالية إذا قرر بعد خمسين أو مئة سنة أن يصدم جمهور المستقبل..ستعاد القصص نفسها... الصراع الفارسي مع العرب الفتن الطائفية والمذهبية والاتهام بالهرطقة وجدالات مؤسفة حول قيم الحداثة. ذات القصص لم تتغير بذات المنطقة منذ قبل الميلاد.كل الدول الغربية نجت من احتلال الجمود ونحن لم ننجُ. ورغم الادعاء بالتمسك بالأصول فليس لدينا نية العودة للوراء ولآلاف من سنوات الرقي القديم، بل ننحو منحى بشرية عدماء جديدة اللاشيء هو أساسها، اللاشيء هو التكوين واللاشيء هو التطلعات واللاشيء هو القراءات والاهتمامات…ادخلوا مواقع التواصل وراقبوا كيف يدور الجميع في فلك اللاشيء..كاتبة وإعلامية سعوديةnadinealbdear@gmail.com