لم يكن عادياً بعد عقد على اغتياله ان «يطلّ بصوته» الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري امام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان (في لاهاي) التي تتولى النظر في قضيته، عاكساً عمق الخلاف الذي كان استشرى بينه وبين النظام السوري على خلفية التمديد للرئيس اللبناني آنذاك اميل لحود وارتيابه من مرحلة ما بعد محاولة اغتيال النائب مروان حماده التي وقعت في الاول من اكتوبر 2004.ففي قاعة المحكمة التي تتولى المحاكمة الغيابية لخمسة متهَمين من «حزب الله» في جريمة 14 فبراير 2005 (اغتيال الحريري) شكّل «الظهور الصوتي» للحريري في تسجيلات سرية للقاء جرى في 9 يناير 2005 وجمعه برئيس جهاز الامن والاستطلاع في القوات السورية العاملة في لبنان آنذاك العميد رستم غزالة ورئيس تحرير صحيفة «الديار» شارل ايوب، تطوراً لافتاً في إطار حرص الإدعاء العام على تظهير الدوافع السياسية لاغتيال الحريري باعتبارها في «سياق جرمي واحد» (مع المنفذين).ورغم ان مضمون المقاطع الصوتية من اللقاء بين الحريري وغزالة بحضور ايوب في قصر قريطم (دارة الحريري) لم يتضمّن «مفاجآت مدوية»، الا انه حقق الغاية التي أرادها الإدعاء لجهة إبراز حجم الأزمة التي كانت قائمة بين الرئيس السابق للحكومة ونظام الرئيس بشار الأسد، والتي شكّلت الانتخابات النيابية التي كان يجري التحضير لها أحد «ملاعبها الخلفية» وقطبها المخفية، ولا سيما ان الحريري كان يعتزم كما كشف النائب غازي يوسف في شهادته على مدى ثلاثة ايام خوض الاستحقاق النيابي (كان مقرراً في مايو 2005) بالتحالف مع المعارضة التي كانت قائمة بوجه سورية حينها، اي النائب وليد جنبلاط والكنيسة المارونية، والفوز بالانتخابات تمهيداً لتطبيق اتفاق الطائف و«إخراج النظام السوري من معادلة صنع القرار اللبناني الداخلي».وقرأت أوساط مواكبة عن كثب لعمل المحكمة مجموعة مفارقات واكبت بث التسجيل وشهادة يوسف وهي:* ان التسجيل الذي بُثت مقاطع منه وتولى الرئيس الحريري تسجيله وهو واحد من ثلاثة تسجيلات ستُبث تباعاً، يعكس انعدام الثقة بين الرئيس السابق للحكومة والنظام السوري الذي كان رئيسه هدّد الحريري مباشرة قبيل التمديد للحود (كان يعارضه الحريري) بأنه سيحطّم لبنان على رأسه ورأس وليد جنبلاط ما لم يسيرا بالتمديد.* ان مضمون الحوار أثبت الخلاف الكبير بين الحريري ونظام الأسد حيال عناوين مختلفة، الى جانب تعمُّد الرئيس السابق للحكومة الاشارة اكثر من مرة الى وجوب تطبيق الطائف ورفض إغرائه بالعودة الى رئاسة الحكومة، وقوله إنه لا يريد ذلك، واشارته الى انه إذا تمّ التعامل معه كحليف لسورية، فإن على النظام فيها أن يعتبر من هم مع الحريري هم مع سورية، وهو ما اعتُبر اشارة الى ان الحريري كان يعتبر ان الانتخابات النيابية هي التي ستكون كفيلة اعادته لرئاسة الحكومة وانه مهّد لرفضه اي تدخل سوري في لوائحه عبر «مرشحين ودائع».* طلب الحريري من غزالة ان تحيل الحكومة اللبنانية التي كانت قائمة آنذاك محاولة اغتيال حماده على المجلس العدلي، وهو ما اعتُبر محاولة من الرئيس السابق للحكومة للقول ان المجتمع الدولي يراقب هذا الملف والواقع اللبناني الأمني عن كثب.واذ كشفت صحيفة «المستقبل» ان التسجيل الذي بُث امام المحكمة هو تمهيد لما سيتضمنه تسجيلان آخران وفّرهما اللواء الراحل وسام الحسن في العام 2005 للجنة التحقيق الدولية، ومن بينهما تسجيل اللقاء بين الحريري وبين وليد المعلم الذي قال، وفق أحد تقارير لجنة التحقيق الدولية يوم كانت برئاسة الألماني ديتليف ميليس، «إننا والأجهزة الأمنية نضعك في الزاوية»، واصل النائب يوسف امس امام المحكمة شرح معاني هذا التسجيل وكل ما فعله الحريري، بعد هذا اللقاء، لتكوين تحالف لبناني عريض من أجل الانتصار في الانتخابات النيابية، موضحاً ان الحريري «عبر أمام غزالة عن قناعاته الراسخة وشدد على أن يكون للبنانيين يد في حكم بلدهم»، مضيفاً: «أراد الحريري من الاجتماع مع غزالة إيصال رسالة إلى الوصي السوري مفادها أنه لن يغير قناعاته».
خارجيات
دوائر سياسية قانونية فنّدت معاني «أول غيث» التسجيلات لاجتماعه برستم غزالة
رفيق الحريري «أطلّ بالصوت» من لاهاي في لقاء «أزمة الثقة» مع نظام الأسد
05:37 ص