يبدو أن كتلة العمل الوطني، أو «كتلة فوربس»، بالإضافة إلى النائب أحمد باقر، طبعا، هي الكتلة الوحيدة التي ستعارض إسقاط فوائد القروض. والله أعلم.لم أشفق في حياتي على أحد كما أشفقت على أعضاء هذه الكتلة وربعهم الذين لم يتذوقوا لذة الحياة! لم يتذوقوا لذة «سداد القسط الأخير»، والحصول على «براءة الذمة» من الشركة، والشعور بالغرور والزهو بعد الخروج من الشركة. هو شعور يدفعك للاتصال بصديق قديم كنت قد اختلفت معه لتصالحه. شعور يفتح نفسك لكل شيء. والله لو عرفوا لذة سداد القسط الأخير لحسدونا عليها، لأنها عبارة عن لذتين في لذة واحدة، و«اسأل مجرب ولا تسأل طبيب»: لذة تَحرر السلعة من الدين، ولذة التفكير في شراء سلعة أخرى بالتقسيط... ما هو التقسيط؟ التقسيط يا أحبابي هو نوع من الإدمان، ممتع في أوله وآخره، ومبكي في أوسطه، وبسببه تصلك رسائل شاعرية ومختصرة: «السيد فلان (لا يكتبون المحترم، ولا ادري لماذا)، لقد تأخرتم في سداد القسط، وهذا هو الإنذار النهائي، قبل أن نضطر إلى اللجوء للمحكمة وإلزامكم بدفع المبلغ كاملا». والتقسيط أيضا يتطلب إحضار صورة البطاقة المدنية وشهادة راتب حديثة... وما هي شهادة الراتب؟ شهادة الراتب: هي ورقة توضح الراتب الأساسي والعلاوات... وما هي العلاوات؟ ولّييييه... هذي والله البلشة.الكوايتة كلهم فرحوا بتعديل قانون بدل الإيجار وتبادلوا رسائل التهنئة إلا أعضاء «فوربس» وربعهم. فاتتهم اللذة، لأنهم راحوا يحسبون عدد بناياتهم ويدرسون زيادة الإيجار على سكانها. نحن نضحك ونحتفل، وهم يمسكون بالورقة والقلم في منظر مثير للشفقة... أعضاء فوربس وربعهم لا يعرفون معنى التسوق الذي يحوي سبعين لذة ولذة. أجملها كلها لذة «المكاسر» أو المساومة: كم سعر المتر حجّي؟ أربعة دنانير... يا عمي، عند جارك ثلاثة دنانير وربع (كذب طبعا)، ثلاثة دنانير أوكي؟ (تقول هذه الجملة وأنت تخرج من المحل، بينما لا تزال أذنك في المحل بانتظار موافقته). لكن المكاسر الحقيقي تجده عند النساء: بعد ساعتين إلا ثلث من المساومات مع المهري (أقصد المهري اليمني وليس المهري الإيراني)، يُنزل خلالها البائع المسكين بضاعته كلها من على الأرفف، ويفتح كل الكراتين، وفي آخر المطاف، تعرض المرأة عليه شراء سلعة واحدة وبأقل من سعر التكلفة، فيوافق وهو يمسح عرقه ويراجع ذنوبه. فتخرج وتأخذ جولة في السوق قبل أن تعود مرة أخرى إلى الضحية نفسها، المهري نفسه، وما أن يشاهدها حتى تخور قواه ويسقط على ركبتيه، ويقبل يديها وهو يبكي ويهذي، ثم يسلمها مفتاح المحل ويتركها لوحدها، ويهيم على وجهه في الشوارع. أعضاء كتلة فوربس وربعهم لم يجربوا لذة فتح حسابات لأبنائهم! أو بالأحرى، هذه جربوها بالتأكيد، لكنهم لم يجربوا الخطوة التي تليها، وهي الأهم، واسألوا ابني «بو عنتر» عنها... كل شهر، وبتاريخ الثالث والعشرين، أودع في حسابه خمسين دينارا، قبل أن أتمنن عليه: أنت محظوظ لأنني والدك. وفي أقل من أسبوع، أعود وأسحب المبلغ، للضرورة القصوى. وكي أبرئ ذمتي، أجلسه في حضني وأخبره بالموضوع: عزيزي المواطن بو عنتر، اذكر محاسن حسابكم الكريم. فيخلع فانيلته ويستعرض جسمه: «شوف عضلاتي صرت قوي». ما شاء الله! سامحني أيها القوي. فأعضاء فوربس لم يتركوا لي مجالا. أصابعهم كلها تشير إلى حسابك. ولن يتوقفوا عن الإشارة تلك ما لم تصبح الدوائر الانتخابية دائرة واحدة. عندها صدقني يا «بو عنتر» سيتقدم محمد الصقر ومرزوق الغانم وفيصل الشايع وأحمد المليفي (أكثر المستفيدين من عضوية البرلمان) وبقية أعضاء فوربس، سيتقدمون باقتراح بقانون: «خمسة عشر دينارا لكل أسرة، لحلاقة شعر الأطفال». وسيحفظون حينذاك، عن ظهر قلب، معنى «علاوة الطريق»! وسيعرفون وقتذاك لذة حياة أبناء الطبقة الوسطى... وحامض يا عنب.
محمد الوشيحي alwashi7i@yahoo.com