إن السياسة الشرعية هي القيام على شأن الرعية من قبل ولاتهم بما يصلحهم من الأمر والنهي والإرشاد والتهذيب، وما يحتاج إليه ذلك من وضع تنظيمات أو ترتيبات إدارية تؤدي إلى تحقيق مصالح الرعية بجلب المنافع ودفع المضار، ولم يرد لفظ السياسة ولا شيء من مادته في كتاب الله تعالى، وإن جاء الحديث فيه عن الصلاح والإصلاح والأمر والنهي والحكم وغير ذلك من المعاني التي اشتمل عليها لفظ السياسة ، وأما السنة النبوية فقد جاء في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم (( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، كلما هلك نبي خلفه نبي )) وقوله صلى الله عليه وسلم (( تسوسهم الأنبياء )) أي تتولى أمورهم كما يفعل الأمراء والولاة بالرعية ، فمن هذا يتبين أن من موضوعات السياسة الشرعية هو التشريعات السياسية التي تسير بمقتضاها الدولة، فإن البحث في النظام السياسي الإسلامي وتطبيقه على أرض الواقع والاجتهاد في تكوين مؤسساته، ووضع النظم واللوائح المنظمة لذلك هو مما يدخل في السياسة الشرعية، سواء كانت هذه النظم واللوائح دستورية أو مالية أو تشريعية أو قضائية أو تنفيذية، وسواء أكانت من شؤونها الداخلية أو علاقاتها الخارجية، فتدبير هذه الشئون ووضع قواعدها بما يتفق وأصول الشرع هو السياسة الشرعية ، ونظراً لطبيعة السياسة الشرعية على الوجه المتقدم بيانه ، فإنه يلزم الناظر فيها والمتفقه بها أمور منها المعرفة التامة بأن الشريعة تضمن غاية مصالح العباد في المعاش والمعاد ، وأنها كاملة في هذا الباب صورة ومعنى ، بحيث لا تحتاج إلى غيرها ، فإن الله تعالى قد أكمل الدين وأتم النعمة ، قال تعالى : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )) سورة المائدة آية : 3 ، ومنها الاطلاع الواسع على نصوص الشريعة مع الفهم لها ولما دلت عليه من السياسة الإلهية أو النبوية ، ومنها المعرفة الواسعة الدقيقة بمقاصد الشريعة ، وأن مبناها على تحصيل المصالح الأخروية والدنيوية ودرء المفاسد ، ومنها التفرقة بين الشرائع الكلية التي لا تتغير بتغير الأزمنة والسياسات الجزئية التابعة للمصالح التي تتقيد بها زماناً ومكاناً ، ومنها المعرفة بالواقع والخبرة فيه ، وفهم دقائقه ، والقدرة على الربط بين الواقع وبين الأدلة الشرعية ، ومنها دراسة السياسة الشرعية للخلفاء الراشدين و الفقه فيها ، ومنها معرفة أن الاجتهاد في باب السياسة الشرعية ليس بمجرد ما يتصور أنه مصلحة، وإنما يلزم التقيد في ذلك بالمصالح المعتبرة شرعاً ، ومنها رحمة الناظرين في هذا الباب بعضهم بعضاً عند الاختلاف في مواطن الاجتهاد .* ماجستير في الشريعة الإسلامية
متفرقات - إسلاميات
فقه السياسة الشرعية
04:33 م