لوحة طبيعية ساحرة اتخذت من بحمدون مكاناً لها بعدما لبست البلدة المتجذرة على الخريطة السياحية في لبنان ثوب النقاء، فغطى البياض وجهها وأغصان أشجارها المتدلية... الثلج نزل من عليائه، كسا الأرض فظهرت «مفاتنها» بلون يبعثُ الأَمل.«ضيعة الكويتيين» (في الجبل) الذين يملكون ما يقارب 35 في المئة من بيوتها ومحلاتها التجارية، خالية من «الحبايب». وبحمدون التي تنتظر عودة الكويتيين كي تستعيد «دفئها»، ارتدت «ثوب العروس» وبدت وكأنها... «أميرة نائمة».الطريق إلى بحمدون التي تبعد عن العاصمة مسافة 35 كيلومتراً وترتفع عن سطح البحر ما يقارب الألف متر، شبه خالية، اما البلدة فخالية تماماً الا من بضع أولاد كسروا صمت المكان من خلال لعبهم بالثلج.9000 وحدة سكنية في بحمدون الكبرى التي تجمع ما يقارب 12 قرية، بالاضافة الى عدد من الفنادق الفخمة وسوق تجارية بلا حياة... ومع ذلك لم تفقد «ضيعة الكويتيين» الأمل بأن تستعيد موقعها على الخريطة السياحية صيفاً وشتاءً.ويقول رئيس بلدية بحمدون - المحطة أسطا ابو رجيلي لـ«الراي»: «يأتي أهل الخليج في المناسبات خلال فصل الشتاء ليتفقدوا منازلهم، فهم يملكون ما نسبته 35 في المئة من البيوت السكنية، لكن لا توجد لدينا سياحة شتوية بكل ما للكلمة من معنى. نعم هم يحبون الثلج وطقس لبنان بشكل عام في جميع فصوله، الا ان الأزمة السورية أثرت مباشرة وبشكل كبير على قدومهم، والقرارات التي اتُخذت من حكوماتهم بألا يتوجهوا إلى لبنان صيفاً وشتاءً انعكست بشكل سلبي على بلاد الارز».يشكل السياح الخليجيون 40 في المئة من نسبة السياح في بحمدون، كما تشكل نسبة إنفاقهم على السياحة 60 في المئة، لان «اقتصاد هذه المنطقة الشتوي لا يمثل شيئاً، فهي بلدة تقع ما بين بين، اي انها قريبة من العاصمة وليست مركز تزلج، ولذلك مَن يقصدها من الخليجيين شتاءً يسكنون في بيوتهم ويذهبون الى المراكز السياحية الشتوية في مختلف الاراضي اللبنانية» بحسب أبو رجيلي.وأضاف: «من خلال اتصالاتنا مع اخواننا الكويتيين نرى أنهم محرومون من زيارة لبنان بسبب الظروف في المنطقة حيث النزاعات والحروب في أكثر من بلد مجاور، ونتمنى ان تُحل القضايا العربية كي يعود الخليجيون الى وطنهم الثاني لبنان فهم يأتون كمقيمين وليس فقط سواح، وهم يعتبرون بحمدون بيتهم الثاني على مدار الفصول. والشراكة الموجودة مع اهل الكويت واهل الخليج ككل تقوم على محبتهم وعلى حسن العلاقة. ورغم عدم قدرتهم على التواجد هنا، فان ذلك لا يلغي حبهم وغيرتهم على هذا البلد. ومهما حدث في لبنان والمنطقة من حوله لا يمكن ان يحصل طلاق او فراق بين لبنان والكويت».العام الماضي، أظهرت دراسات ميدانية ان الكويتيين هم ثالث السياح إنفاقاً على المشتريات في لبنان فيما حلّ السعوديون في المركز الأول وتلاهم الاماراتيون، ولبحمدون فضل كبير في دعم الاقتصاد اللبناني الذي يقوم في جزء كبير منه على السياحة التي تقتصر في فصل الشتاء على نهار الاحد حيث تزيد نسبتها قليلاً في حال توافر الثلج، وذلك بحسب مدحت سركيس صاحب مطعم «أكرم» في بحمدون - الضيعة الذي شكا لـ «الراي» عن تراجع السياحة في البلدة وقال: «لم تعد السياحة في هذه الضيعة كما في الماضي، في السابق كان هناك 17 باصاً يتغير سائقوها ليلاً ونهاراً لنقل السياح بالاضافة الى 40 سيارة اجرة، اما الآن فلا توجد سيارة اجرة تقلّ الاشخاص من بحمدون المحطة الى بحمدون الضيعة».وعن السبب أجاب: «غالبية أهالي بحمدون هاجروا الى اوروبا وبالأخص الى كندا ومع ذلك بدأت البلدة تشهد منذ فترة إعماراً، وكل عام نجده أفضل من الذي سبقه على هذا الصعيد، وأهاليها بدأوا يتشجعون فيقصدونها لا سيما في فصل الصيف ما يساهم في تحريك العجلة الاقتصادية، لكن يبقى اتكالنا على اولاد بحمدون وبعض اهالي بيروت الذين بدأوا بشراء منازل هنا».واستطرد: «لم يعد لبنان بشكل عام وبحمدون بشكل خاص وجهة لأهل الخليج، ومع ذلك فان غالبية مَن يقصد البلدة يزور مطعمنا كوننا مشهورين بالأكل العربي ولا سيما الارز والأوزي والكبسة، وهناك اربعة رجال كبار في السن من اهل الكويت اتخذوا من الضيعة مسكناً لهم وهم يزورون عائلاتهم في الكويت ويعودون الى هنا على الرغم من ان ليس لديهم مشاريع، الا أنهم يحبون الطقس ويقصدون مطعمنا باستمرار».كما شكا ايلي الهبر صاحب «سناك» وسط البلدة من قلة الحركة حيث قال لـ «الراي»: «لا توجد سياحة في فصل الشتاء كما انها تراجعت بنسبة كبيرة في فصل الصيف، والوضع الأمني في المنطقة يحول دون قدوم السواح، لذلك نتّكل على الضيعة وأولاد بيروت».رغم الثلج، الا ان أهالي بحمدون يعانون قلة المياه وانقطاع الكهرباء، وهو ما تحدث عنه عامل في احدى محطات الوقود اذ قال لـ «الراي»: «نبيع المياه لأهالي الضيعة، نعاني من انقطاع الكهرباء، ونحن محرومون من السياح، وبالتالي من الأموال، والوضع يزيد سوءا مع السنوات، ولا ندري كيف ستنتعش المنطقة مجدداً. نريد مشاريع إنمائية وخططاً من الدولة لنعاود الوقوف على أرجلنا والانطلاق من جديد».