بتحرير الأسرى اللبنانيين كافة، يكون «حزب الله» قد استكمل انتصاره التاريخي على الكيان الصهيوني في حرب يوليو 2006. فصفقة الأسرى، أوكما أطلق عليها «حزب الله» اسم «عملية الرضوان»، جاءت لتعزز الفشل الاستراتيجي الكبير الذي لحق بالكيان الصهيوني قبل عامين بعد أن عجزت إسرائيل في تحقيق أي من أهدافها التي أعلنتها في حربها الثانية على لبنان، وبعد أن انتصر «حزب الله» في تحقيق ما كان يصبو إليه من وراء عملية اختطاف الجنديين الإسرائيليين، وهو تحرير الاسرى.إسرائيل، وعلى لسان رئيس حكومتها إيهود أولمرت، كانت قد أعلنت أن أهداف الحرب على لبنان تتلخص في أمرين: الأول، استعادة الجنود من دون قيد أو شرط أو تفاوض. الثاني، تدمير القوة العسكرية لـ«حزب الله»! بالنسبة إلى الهدف الثاني، كنا قد أشرنا إلى «فشله» على لسان كبار المسؤولين الإسرائيليين في مقال الأسبوع الماضي بعد أن اعترفت إسرائيل بأن قوة «حزب الله» العسكرية قد تضاعفت ثلاث مرات، عما كانت عليه عشية حرب يوليو! أما بالنسبة إلى الهدف الاول فقد تحقق «فشله» أيضاً بعد إتمام عملية تبادل الأسرى بالكيفية والطريقة التي أرادها «حزب الله»، والذي كان قد أعلن منذ اليوم الأول لأسر الجنود، وعلى لسان أمينه العام سماحة السيد حسن نصرالله، أن الجنود الإسرائيليين لن يعودوا إلا بتفاوض غير مباشر، ولو اجتمع العالم كله! وبالفعل، اجتمع العالم كله في يوليو 2006 ولم يستطيعوا إنقاذ الجنود! وجرت المفاوضات بشكل غير مباشر إلى أن تمت الصفقة، وبالتالي يكون «حزب الله» قد أنجز وعده وانتصاره التاريخي الاستراتيجي على الكيان الصهيوني، وتكون إسرائيل قد منيت بفشل جديد يضاف إلى سلسلة الهزائم التي منيت بها منذ اندحارها مهزومة من لبنان في مايو 2000.لكن «حزب الله» لم يكتف بتحقيق «الوعد الصادق» الذي قطعه أمينه العام عندما قال: «نحن قوم لا ننسى أسرانا في السجون الإسرائيلية»، وإنما توج هذا الوعد بانتصار جديد عندما استعاد رفات الشهداء اللبنانيين ونحو 160 شهيداً عربياً تتقدمهم عروس فلسطين دلال مغربي وشهيد الكويت فوزي المجادي، وبذلك يكون الحزب قد أثبت من جديد قدرته ومهارته وحنكة قيادته في عملية المفاوضات. أضف إلى ما سبق، أن «حزب الله» ومن خلال تاريخه الطويل في عمليات التفاوض مع إسرائيل، استطاع وبجدارة أن يخترق الخط الأحمر الذي طالما تشبث فيه الكيان الصهيوني، عندما تضمنت الصفقة إطلاق سراح عميد الأسرى اللبنانيين والعرب سمير القنطار! فقد كان موضوع القنطار من الخطوط الحمر غير المسموح لأحد إدراجها على طاولة المفاوضات مع «حزب الله»، لأنه وحسب الإسرائيليين، فإن القنطار قد تلطخت يداه بدماء الإسرائيليين! لكن «حزب الله» استطاع أن يجبر إسرائيل رغماً عنها على كسر هذا الخط الأحمر، حتى أن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز قال، وهو يوقع على قرار العفو، إن «يدي ترتجف وأنا أوقع على العفو عن القنطار»!على الصعيد اللبناني، كانت مظاهر الفرح والبهجة والسرور في يوم «الرضوان» حاضرة على المستويين الشعبي والرسمي، الأمر الذي أضاف بعداً جديداً لهذا الانتصار، خصوصاً بعد الاستقبال الرسمي والشعبي للأسرى المحررين بمشاركة الأطياف اللبنانية كافة. أما على الصعيد الإسرائيلي فكان الأمر مختلفاً تماماً! فقد كان يوم «الرضوان» يوماً حزيناً ومذلاً في إسرائيل، حسب وصف كبار المسؤولين الصهاينة! فرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت قال إن «إسرائيل ستشهد حزناً لا يوازيه سوى الإحساس بالذل، نظراً إلى الاحتفالات التي ستجري في الطرف الآخر»! أما تساحي هانجبي، رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي، فاعتبر هذا اليوم «يوماً أسود في تاريخ إسرائيل.. وكما حدث في مرات عدة في الماضي، تظهر إسرائيل في قمة ضعفها في مواجهة (حزب الله)»! بدورها اعتبرت أفيتال ليبوفيتز المتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي أن هذا اليوم «بالنسبة إلى إسرائيل والجيش يوم مؤثر، وأن هذا اليوم يعتبر بالغ الصعوبة بالنسبة إلى العائلات أيضاً». أما جلعاد شارون، نجل رئيس الوزراء السابق آرييل شارون، فقال في صحيفة «يديعوت أحرنوت»: «الآن وبعد إتمام الصفقة لم يتبقَ لدينا سوى الحزن والإحساس السيئ بالمهانة»! أيال مجاد، الكاتب الإسرائيلي في صحيفة «معاريف»، اعتبر بدوره أن هذا اليوم بشع ومثير للاكتئاب، بقوله: «يوم الصفقة هو يوم بائس وبشع آخر ومثير للاكتئاب الذي يغلق دائرة السخافة التي بدأت بالخروج إلى حرب ترمي إلى إعادة جنودنا المخطوفين»! وأضاف: «هو يوم آخر في التاريخ الإسرائيلي الطويل المفعم بانعدام المسؤولية وسوء التفكير الذي أصاب القيادة التي تدعي صباح مساء أنها مسؤولة عن سلامة وأمن الدولة»!مشهد الذل والهزيمة وخيبة الأمل والانكسار في يوم «الرضوان»، ترجمه الكثير من المسؤولين وكتاب الصحافة الإسرائيلية أيضاً بعد أن أقروا مجدداً بانتصار «حزب الله» في حرب يوليو وفي عملية تبادل الأسرى!عوفر شيلح في «معاريف» اعتبر أن «صفقة التبادل مع (حزب الله) ساهمت في تهاوي قوة الردع الإسرائيلية التي أصابها الشرخ مجدداً». وأشار شيلح إلى أن «نصر الله ليس أسير الردع الإسرائيلي، ففي إسرائيل الكل يعرف أن (حزب الله) هو الذي انتصر»! عمير ربابورت في «معاريف» اعتبر الصفقة بانها «مخجلة وعار على إسرائيل»! وأضاف: «يخرج اليوم (حزب الله) معززاً من جوانب عدة بعد أن صمد في وجه الهجوم الإسرائيلي، فهو اليوم أقوى مما كان عليه عشية الحرب في 2006 من الناحية العسكرية، وكذلك مكانته السياسية قد تعززت في لبنان بعد أن حقق ما كان يصبو إليه بتحريره الأسرى اللبنانيين كافة بمن فيهم سمير القنطار»! أما تسفي برئيل في «هآرتس» فاعتبر الصفقة بأنها تمثل «نصراً جديداً ضمن سلسلة انتصارات (حزب الله)»!آري شبيط في «هآرتس» لخص نتائج المشهد الراهن بين إسرائيل و «حزب الله» بعد عامين من حرب يوليو وبعد إتمام صفقة الاسرى، بالقول: «إليكم نتائج الحرب بين إسرائيل و(حزب الله): الحزب يستعيد إلى أراضيه قاتلاً حياً بينما تعيد إسرائيل جثة جنديين ميتين ضحى 160 جندياً ومواطناً بأرواحهم»! ويضيف شبيط: «(حزب الله) يحظى بانتصار رمزي، بينما تمر إسرائيل في ذروة أزمة قيامية. (حزب الله) يحقق في لبنان سيطرة سياسية شبه كاملة، بينما تتضرج إسرائيل في فوضى سياسية منفلتة»! ثم ينتقل شبيط للحديث عن التسلح العسكري لـ «حزب الله» الحزب الذي «يسلح نفسه بـ 40 ألف صاروخ تهدد غالبية أراضي الدولة بعد أن زاد قوته النارية بأربعة أو خمسة أضعاف، بينما تبقى إسرائيل بلا رد ملائم، وفي الوقت نفسه مصابة بالشلل والإرباك»!أما ما زاد من انكسار إسرائيل وضاعف من خيبة املها وعمق جراحها في هذه الصفقة، هو رمزية الاسم الذي اختاره «حزب الله» ليطلقه على صفقة تبادل الأسرى، وهو «عملية الرضوان» في إشارة واضحة إلى القائد العسكري البارز في «حزب الله» عماد مغنية الملقب بـ «الحاج رضوان» الذي اغتالته إسرائيل في سورية قبل أشهر عدة. ومن المعروف أن «الحاج رضوان» هو الذي أشرف بشكل مباشر على عملية «الوعد الصادق» في 2006، والتي أحرزت نصراً تاريخياً استراتيجياً على العدو الصهيوني، فكان حقاً له أن يتكلل هذا الانتصار التاريخي بإطلاق اسمه على صفقة تبادل الأسرى... فكانت «عملية الرضوان».في الأسبوع المقبل، وضمن سلسلة المقالات التي خصصناها بمناسبة الذكرى الثانية للحرب الإسرائيلية على لبنان، والتي نعيش ذكراها العطرة في مثل هذه الأيام الخوالد، سنتحدث عن جانب آخر من جوانب الانتصار الاستراتيجي الذي حققته المقاومة الإسلامية، والمتعلق بالدور الأميركي في حرب يوليو الذي كان له «نصيب الأسد» في الحرب الإسرائيلية على لبنان.
عمار تقيكاتب كويتيEng_ataqi@yahoo.com