تركت حركة اللقاءات السياسية التي شهدتها بيروت في الأيام الأخيرة أجواء من الارتياح العام بفعل اتّساع مروحة الانفتاح على الحوارات المتعددة الجهات التي تواصلت على أكثر من قناة، ما يعزز الاتجاه الى تحصين الاستقرار الداخلي بمعزل عن الخلافات الكبيرة المستحكمة بين القوى السياسية اللبنانية.وتَعززت هذه القناعة بعد الجولة السادسة من الحوار بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» التي انعقدت مساء أول من أمس، في مقر رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة في وقت متزامن تماماً مع اللقاء الذي جمع الرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون في دارة الحريري الذي أكرم ضيفه بمأدبة عشاء لمناسبة عيد ميلاده الثمانين الذي صادف أول من أمس.اللقاء بين الحريري وعون، وإنْ أحيط بكتمان شديد حول ما تخلله من مداولات، أُدرج من جانب أوساط مطلعة، في اطار حرصهما على الاستمرار في التواصل والتحاور، ولو ان هذه الوتيرة تعرّضت في فترات سابقة لموجات ساخنة وباردة، ولكنها لم تنقطع خصوصاً منذ اللقاء السابق قبل نحو عام في روما.واذ تؤكد هذه الاوساط لـ «الراي» ان «الملف الرئاسي كان في صلب المداولات» التي جرت في دارة الحريري، الا أنها أشارت الى ان «الأمر طُرح من زاوية التشديد المبدئي المشترك على ضرورة بذل كل الممكن لإنهاء الأزمة الرئاسية»، من دون ان تفصح عما اذا كان موضوع ترشيح عون نفسه طُرح مباشرة او مداورة سواء بينه وبين الحريري منفرديْن ام خلال اللقاء الموسع على العشاء.ولكن الاوساط نفسها استبعدت ان يترك اللقاء انعكاسات أبعد من تطرية الأجواء وتوسيع اطار المشاورات المتصلة بالأزمة الرئاسية، خصوصاً وسط ترقب الجميع ما سيفضي اليه الحوار الجاري بين فريق عون وحزب «القوات اللبنانية» تمهيداً للقاء يجمع عون ورئيس «القوات» سمير جعجع، لافتة الى ان «ما يتعين التوقف عنده هنا هو حرص الحريري على إحاطة إقامته في بيروت منذ السبت الماضي، بإطار الانفتاح الواسع على سائر القوى الداخلية وليس فقط الحلفاء في قوى (14 مارس)»، وهو ترجم ذلك حتى الآن بالمضي في الحوار مع «حزب الله» ولقاءاته المباشرة مع العماد عون والنائب وليد جنبلاط واحتمال ان يزور عين التينة للقاء الرئيس بري، علماً ان معلومات تشير الى ان «الحريري باق في بيروت لأيام قليلة بعد».اما في ما يتعلق بالحوار بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» فان اللافت في الجولة السادسة تمثّل في حرص الفريقين على تلقّف نقطةٍ تَقاطَع عندها خطابا الرئيس الحريري والسيد حسن نصرالله قبل ايام، وهي موضوع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الارهاب. والواقع ان الفريقيْن فاجآ كثيرين بسرعة إدراج هذا الموضوع على اول جولة حوارية بينهما بعد الخطابيْن، ما يُعتبر انعكاساً لقرار سياسي مشترك بتجاوز عناوين الخلافات الكبيرة بينهما التي برزت في الخطابين والذهاب رأساً الى نقطة التفاهم المبدئية المتعلقة بالإستراتيجية ضد الارهاب، وهو الأمر الذي يثبت مرة اخرى طبيعة وظيفة هذا الحوار لجهة المضي في حماية الاستقرار الأمني الداخلي في المقام الاول.وفي اعتقاد أوساط قريبة من المتحاورين ان «الجولة السادسة التي انعقدت بوجود الرئيس الحريري في بيروت للمرة الأولى منذ انطلاق هذا الحوار أعطت زخماً قوياً امام الرأي العام الداخلي وكذلك حيال البعثات الديبلوماسية التي تراقب هذا الحوار باهتمامٍ تصاعدي، اذ يُلاحظ صدور إشادات ديبلوماسية غربية بهذا الحوار كما ان السفراء المعتمدين في بيروت يحرصون على الاطلاع على دقائق هذه التجربة نظراً الى ارتباطها الوثيق بتحصين الاستقرار الداخلي».وبدا واضحاً ان واحدة من خلفيات الحِراك الداخلي على خط الحوارات المتعددة الطرف تتمثل في احتواء ملامح الأزمة الحكومية التي نشبت نتيجة الخلاف على آلية اتخاذ القرارات داخل الحكومة الرئاسية والتي تقوم على موافقة الوزراء الـ 24 على كل القرارات، الامر الذي ادى عملياً الى تعطيل الكثير من الملفات بفعل «النكايات» والحسابات السياسية بين مكونات الحكومة، وصولاً الى اعلان العماد عون قبل ايام انه يسحب الثقة من وزير الدفاع سمير مقبل، نتيجة تمديده للامين العام لمجلس الدفاع اللواء محمّد خير لستة أشهر والاتجاه للتمديد لمدير عام قوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص وقائد الجيش العماد جان قهوجي.وبرزت في الساعات الماضية مؤشرات الى نيّة سلام في ظل الصعوبات التي تعترض التفاهم على آلية جديدة لعمل الحكومة، استئناف عقد جلسات الحكومة وفق الآلية الحالية مع استمرارمحاولات التوافق على صيغة بديلة يوافق عليها الجميع، وذلك بما يحول دون إدخال البلاد في أزمة خطيرة بحال تعطيل عمل الحكومة، التي يتوقع ان تعقد اجتماعاً الاسبوع المقبل، بعد عودة سلام من زيارة خاصة لروما.وفي غضون ذلك، وغداة توجُّه قهوجي، اول من امس إلى الرياض للمشاركة في اجتماع رؤساء وقادة جيوش دول التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، برز كلام نقله عنه زواره ونُشر في بيروت وأكد فيه ان «البعض مشكلته ليست معي، واختار العنوان الخطأ لمعركته»، مضيفاً: «بصراحة أكبر، أقول للعماد عون، لست أنا مَن يعرقل أو يمنع وصوله الى الرئاسة، بل سأكون في طليعة مهنئيه إذا انتُخب، وربما سأصل قبله الى قصر بعبدا لتقديم التهنئة له». ويتابع: «ما يحول حتى الآن دون ذلك، ان هناك مكوّنات لبنانية تمتنع عن تأييد عون وهذه ليست مسؤوليتي».وتابع: «نعم.. قائد الجيش، بحكم المركز الذي يشغله، يصبح تلقائيا مرشحاً رئاسياً بديهياً بمعزل عن رأيه، لكنني شخصيا لا أخوض بأي شكل من الأشكال معركة الرئاسة، ولا أحاول توظيف مركزي لرفع أسهمي، وعندما ألتقي شخصيات سياسية أو ديبلوماسية أتجنب الدخول في الملف الرئاسي، وإذا فُتح الموضوع معي، أقاربه كاستحقاق وطني عام، بلا اعتبارات شخصية، وأتحدّى أيا كان القول إنني فاتحته بشيء يخصني في هذا الشأن، أمّا إنْ حصل تفاهم على اسمي، فلن أتهرب من تحمّل مسؤوليتي الوطنية، كما انني لن أكون معترضا على اختيار أي اسم آخر يتم التوافق عليه».