سجود التلاوة أو سجدة التلاوة هو: السجود الذي يكون في الصلاة دون السجود خلال الركعة، بل عند قراءة آية فيها سجود في القرآن الكريم (وهي: 15 آية سجدة)، ويكون سجدة واحدة ثم يعود المصلي إلى حال القيام لإكمال القراءة من الآيات، وإكمال الصلاة إذا كانت الآية التي بها السجود أثناء الصلاة، أما إذا كانت فقط أثناء تلاوة القرآن فيكون السجود سجدة واحدة فقط.ثبتت مشروعية سجود التلاوة بالسُنَّة: فعن ابنِ مسعودٍ - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قرأ: ? وَالنَّجْمِ ? فسجد فيها، وسجدَ مَن كانَ معه.هذا إذا كان يتلو القرآن خارج الصلاة وَمَرَّ أثناء تلاوته بسجدة تلاوة، وكذلك يُشرَعُ السُّجودُ للتِّلاوة في الصلاة:فعن أبي رافعٍ قال: صلَّيتُ مع أبي هريرةَ العَتَمة فقرأَ: ِ? إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ? [الانشقاق: 1]، فسجد فيها، فقلتُ: ما هذه؟ فقال: سجدتُ بها خلف أبي القاسِمِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -، فما أزالُ أسجدُ فيها حتَّى ألقاه. هذا وقد ذهب جمهورُ العلماءِ إلى مشروعيَّة سجود التلاوة في الصلاة السِّريَّة والجهريَّة (سواء صلاة الفريضةِ أو النَّافلة، وهذا هو الراجح، إلا أنه في صلاة الجماعة السِرِّيَّة يُخشَى مِن حدوث بلبلة للمأمومين، بسبب هذا السجود المُفاجئ للإمام، إلا لو نَبَّهَ الإمام على المأمومين قبل الصلاة أنَّ هناك سجدة تلاوة أثناءالصلاة.فضيلة سجود التِّلاوةقال رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا قرأ ابنُ آدمَ السَّجدةَ فسجد، اعتزلَ الشَّيطانُ يبكي، يقولُ: يا وَيْلَهُ، أُمِرَ بالسُّجودِ فسجَدَ؛ فله الجنَّةُ، وأُمِرْتُ بالسُّجود فعصيْتُ؛ فلِيَ النَّار)).تنبيهالحُكم السَّابق فيمَن تلا آيةً بها سجدةٌ مِنْ كتابِ الله عزَّ وجلَّ، ولكِنْ ما حُكْمُ مَن استمعَ إليها ولَم يَكُنْ تاليًا؟قال ابنُ بطَّالٍ: «أجْمَعوا على أنَّ القارئَ إذا سجد، لزِمَ المستمعُ أن يسجُدَ»[5]، أي: إنَّ المستمعَ مؤتَمٌّ بالقارئِ، فلا يُشرَعُ له السُّجودُ إلا إذا سجد القارئُ.الذِّكْر والدُّعاء في سجود التِّلاوةعن عائشةَ - رضي الله عنها قالت: كانَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقولُ في سجودِ القُرآنِ: ((سجدَ وجهي للَّذي خلقَه، وشقَّ سمعَه وبصرَه بحولِهِ وقوَّتِه، فتبارَكَ اللهُ أحسنُ الخالِقين))، ويجوز أيضاَ أن يقول فيها: (سبحان ربي الأعلى)، كما في سجود الصلاة.الشُّروط في هذا السُّجوداشترط جمهورُ الفقهاء لهذا السُّجودِ ما يشترطونَه لسجودِ الصَّلاةِ؛ من طهارةٍ، واستقبالِ القِبْلة، وسَتْرٍ للعورةِ، ولكنْ عارَضَهم بعضُ العلماءِ:قال الشَّوكانيُّ رحمه الله: «ليس في أحاديثِ سجودِ التِّلاوةِ ما يدلُّ على اعتبارِ أنْ يكونَ السَّاجدُ متوضِّئًا»، وقد روى البخاريُّ - تعليقًا - عن ابنِ عُمرَ - رضي الله عنه - ما أنَّه كان يسجدُ على غيرِ وضوء، وعلى هذا؛ فالرَّاجحُ أنَّه لا يُشترَطُ في سجودِ التِّلاوة ما يُشترَطُ في سجودِ الصَّلاة؛ لأنَّ هذه ليست صلاةً، فأقلُّ الصَّلاةِ ركعةٌ، وأمَّا هذه فسجدةٌ فقط، فلا يُشتَرَطُ فيها شُروطُ صحَّةِ الصَّلاةِ (من طهارةٍ، واستقبالِ القِبْلة، وسَتْرٍ العورةِ)، وهذا ما رجَّحَه ابنُ تيميَّةَ.ملاحظات- سجود التِّلاوةِ مُستحب على الرَّاجحِ من أقوالِ أهل العِلم، وعلى هذا فإذا لم يتمكَّنْ من السُّجودِ، فلا شيء عليه، ولا يُشرَعُ له ما يفعلُهُ بعض الناس من التَّسبيحِ والتَّحميد والتهليل والتكبير أربعَ مرَّاتٍ؛ فهذا لا أصلَ له.- يجوزُ للخطيبِ إذا مرَّ بآيةِ السَّجدةِ أن ينزلَ فيسجُدَها ويسجُدَها النَّاسُ معه، ويجوزُ له تَرْكُ ذلك ولا إثمَ عليه.- إذا كانَ يتلو القرآن وهو جالس - خارج الصلاة - وَمَرَّ بسجدة تلاوة، فلا يُشتَرَط أن يقوم ليأتي بها مِن قيام.فتـاوى في سُجود التِّلاوةهذه مجموعة من الفتاوى المتعلقة بسجود التلاوة لسَمَاحَةِ الشَّيْخِ العَلَّامَةِ د. عَبْدِ اللَّـهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جِبْرِيْنٍ1- حكم سجود التِّلاوةسجود التلاوة سنة مؤكدة، وليس بواجب، سواء قيل إنه صلاة، أو إنه عبادة مستقلة، وإنما هو مشروع في حق القارئ والمستمع دون السامع.والجمهور على أن سجود التلاوة سنة مؤكدة، وذهب أبو حنيفة إلى أنه واجب وليس بفرض، وقد ثبت أن عمر - رضي الله عنه - قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل، حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها، حتى إذا جاء السجدة قال: يا أيها الناس، إنا نمرّ بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه. وفي لفظ: إن الله لم يفرض علينا السجود، إلا أن نشاء رواه البخاري.2- الطّهارة واستقبال للقبلةالمشهور عن الإمام أحمد أن سجود التلاوة صلاة، فيشترط له ما يشترط للصلاة: من الطهارة، وستر العورة، واستقبال القبلة، والتكبير للخفض والرفع، والسلام، على خلاف في بعض ذلك، إلا أنهم أجازوا - أو بعضهم - التيمم، إذا قرأ آية سجدة أو سمعها وهو محدث.وذهب بعض المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن سجود التلاوة وسجود الشكر ليس بصلاة ؛ لأن أقل ما يسمى صلاة ركعة كاملة كما في الوتر، فلا يسمى الجزء منها صلاة ؛ ولأن هذا السجود يحدث صدفة ويشق على الإنسان أن يكون دائمًا على وضوء، وهذا القول أوجَه ؛ وعليه فيجوز للمحْدث السجود، ويجوز لأهل الحلقة الكثيرين السجود ولو كان بعضهم مستدبر القبلة ؛ لمشقة انحرافهم جميعًا إلى جهة القبلة.3- سجود التلاوة لكل من يستمع القراءةسجود التلاوة سنة وفضيلة، وليس بواجب ؛ فقد روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه ذَكَرَ أنهم يمرون بآية السجود، فمن شاء سجد، ومن شاء ترك، وأخبر بأنه لم يُكتب علينا أي: لم يكن واجبًا.وقد ذكر العلماء أنه يشرع السجود للقارئ والمستمع دون السامع، والفرق فيها أن المستمع هو الذي ينصت لسماع القراءة، ويتابع القارئ، ويتأمل ويتعقل ما يستمعه من هذه القراءة، فإذا سجد القارئ سجد معه المستمع، وإن لم يسجد القارئ لم يسجد المستمع ؛ حيث إنه بمنزلة المأموم.وأما السامع فهو الذي يسمع القراءة من بعيد، ولم يكن متابعًا للقارئ ولا منصتًا لقراءته، فهذا لا يشرع له السجود، وإن سجد فلا بأس بذلك،لاسيما إذا جمع آية السجدة ورأى القارئ سجد بعدها، حتى ولو كان ماشيًا أو مشتغلا بغير الاستماع.4- السجود للتلاوة في وقت النهياختلف في سجود التلاوة: هل هو صلاة أو ليس بصلاة ؟ ولعل المختار أنه ليس بصلاة كما رجح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فعلى هذا لا مانع من السجود وقت النهي، حيث إن النهي إنما ورد عن مسمى الصلاة.أما على القول بأنه صلاة كما اختاره كثير من الفقهاء، فإن بعض العلماء منعوا من السجود وقت النهي مخافة التشبه بالنصارى الذين يسجدون للشمس عند طلوعها وعند غروبها، فمنع من الصلاة في هذه الأوقات ؛ مخافة اعتقاد أن السجود لأجل الشمس، وأجاز آخرون سجود التلاوة وقت النهي ولو كان عندهم صلاة، وجعلوه من ذوات الأسباب، كركعتي الطواف وتحية المسجد وإعادة الصلاة.5- التكبير لسجود التلاوةذهب كثير من العلماء إلى أن سجود التلاوة صلاة فاشترطوا له: الطهارة، وستر العورة، واستقبال القبلة، وعدم السجود في وقت نهي، وألزموا فيه بالتكبير عند السجود وعند الرفع، وبالتسليم بعد ذلك كما في الصلاة.ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية أنه ليس بصلاة، وإنما هو عبادة مطلقة ؛ لأن أقل ما يسمى صلاة الركعة التامة كركعة الوتر، فعلى هذا القول: لا تشترط له شروط الصلاة، ويصح في وقت النهي، ولا يحتاج إلى تكبير ولا إلى تسليم، وما ورد في ذلك من التكبير محمول على الاستحباب، أو لأجل الاقتداء لمن سمع القارئ يقرأ أو يسجد، أو كان السجود في الصلاة الجهرية، لما ثبت: «أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في كل خفض ورفع» فيدخل في ذلك الخفض والرفع لسجود التلاوة.وذهب كثير من المشايخ إلى الاكتفاء في الرفع من الإمام بقراءة الآية التي بعد آية السجدة، والمختار: التكبير في هذه الحالة عملا بعموم الحديث.6- السلام لسجود التلاوةإذا قيل إن سجود التلاوة ليس صلاة، وسجد القارئ وحده فلا حاجة إلى التسليم، كما لا حاجة إلى التكبير اللذين يختصان ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» وعلى القول الثاني: وهو أن سجود التلاوة صلاة، فإنه يسلم بعده بدون تشهد.7- ترك الإمام لسجود التلاوةأرى أنه لا يذكِّره، بل يستمر الإمام في القراءة حتى يركع ؛ وذلك لأنه قد يتركه متعمدًا لاعتقاده سنيته والسنن يجوز تركها، والمأموم لا يدري هل تركه عمدًا أو نسيانًا ؟ والتذكير يحتاج إلى تسبيح مما يشوش على الإمام والمأمومين، وفيه قطع القراءة من الإمام أو احتياج المأموم إلى قراءة آية السجدة، مع أنه مأمور بالإنصات، فلا حاجة إلى التذكير في هذه الحالة.8- السجدة في الصلاة السريةلا يسجد في هذه الحال فإنه يشوش على المأمومين لعدم معرفتهم بالسبب، ففي هذه الحال يسقط عنه سجود التلاوة لعدم وجوبه، واستحب كثيرٌ من العلماء عدم قراءة آية سجدة في الصلاة السرية ؛ لما في هذه الحال من ترك سجود مستحب لكل من قرأ تلك الآية.9- سجود التلاوة في الفصول الدراسية: يجوز ذلك ؛ فإن سجود التلاوة عبادة وقربة فيتأكد فعله عند وجود سببه وهو مستحب للقارئ والمستمع، والصحيح أنه لا يعطى حكم الصلاة فإذا كان الطلاب في الفصل الدراسي وقرأوا آية سجدة، أو قرأها المعلم وهم يستمعون، استحب لهم جميعًا السجود ولو كانوا غير مستقبلي القبلة، ولو كانوا على غير طهارة، ولهم أن يسجدوا على الأرض إن أمكن ذلك، وإلا سجدوا على الكراسي أو الطاولات، وكذا يجوز سجودهم بالإيماء، أو يسجد بعضهم عند الزحام على ظهر أخيه.10- سجود الحائض للتلاوةلا يجوز للحائض قراءة القرآن ولا مسّ المصحف إلا عند الضرورة: كخوف نسيان، أو قراءة في الفصل الدراسي، لكن متى كانت تستمع للقارئ وسجد القارئ رجلًا كان أو امرأةً جاز لها أن تسجد على القول الصحيح أن سجود التلاوة ليس صلاة، وإنما هو عبادة مستقلة لا تلزم له شروط الصلاة كالطهارة وستر العورة واستقبال القبلة، فلها - والحال هذه - أن تسجد تبعًا لقارئ القرآن إذا سجد.11- سجود المرأة للتلاوة بدون خماريجوز ذلك إذا قلنا إن سجود التلاوة ليس بصلاة، وإنما هو عبادة مستقلة، فلا تشترط له شروط الصلاة، كستر العورة واستقبال القبلة، بخلاف ما إذا قيل إن سجود التلاوة صلاة فقد جاء في الحديث: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» فعلى هذا تسجد المرأة للتلاوة ولو بدر بعض جسدها ؛ حيث إنه لا يشترط له ما يشترط للصلاة.12-المرور بين يدي ساجد التلاوةمعلوم أن النهي عن المرور بين يدي المصلي يختص بما إذا مرّ بينه وبين موضع سجوده، وأن سبب النهي ما يحصل من التشويش على المصلي وانشغال قلبه وعدم إقباله على صلاته، وليس كذلك سجود التلاوة حيث لا يمكن المرور بينه وبين موضع سجوده ؛ لأنه قد وضع جبهته على موضع السجود ولا يحصل منه انشغال القلب لمن مرّ أمامه ؛ لكونه لا يراه حالة السجود، فعلى هذا لا مانع من المرور أمام ساجد التلاوة إذا لم يكن في صلاة مكتوبة أو مسنونة.
متفرقات - إسلاميات
ثبت بالسنة وهو مشروع في حق القارئ والمستمع دون السامع
سجود التلاوة... أحكامه وشروطه وفضله ومواضعه في القرآن الكريم
02:50 م