ليست الحياة بالمغرية إلى حد كبير، فمن بلغ الستين او السبعين يفهم ذلك جيدا، والتراث الجاهلي مليء بمعرفة حقيقة تلك الحياة، وزهير بن ابي سلمى استوعب هذه الحقيقة جيدا حينما بلغ من العمر ثمانين عاما فقال:سئمت تكاليف الحياة ومن يعشثمانين حولا لا ابا لك يسأمان دوران الحياة بهذه السرعة المخيفة، وتراكض الايام بهذا الجنون، إلى الحد الذي مازلنا نستذكر فيه ايام بعيدة عنا اضحت كأنها بالامس، فمن منكم لا يذكر عام 2000، او عام 1996، ومن قبله عام 1990، أليست تلك الاعوام قريبة منا فنستدرك ونقول: سبحان الله! وكبار السن الذين بلغوا ستين او سبعين عاما يختصرون لك الحياة بقولهم: «مرّت في غمضة عين»، فاسترجع زمن الطفولة والدراسة والمراهقة والشباب والكهولة، واستعرض شريط حياتك الذي مرّ سريعا حتى تزور القبور، فهل زرت القبور من قريب؟ ورأيت امك او اختك، او ابيك، او صديقك، او اخيك الذي كنت تتحدث معه قبل يوم او يومين كيف يوضع في القبر ويسدل عليه ستار الحياة بحفنة من تراب؟ وان لم تفهم ان الاجال قريبة في قياس الدنيا فإن الحوادث والنوازل تتقاذف عليك شهابا رصدا، فمن كان في عافية اصبح سقيما لا تخطئه الامراض، فمن لا تصيبه الجلطة تصيبه الشيخوخة، ومن لا يمرض بالكلى والكبد والسرطان، يصيبه الضغط، والسكر، ومن لم يصبه مرض اصابته خسارة في تجارته او في ماله، او في ولده، او في اهله. الا يراودك شعور احيانا بان الحياة رخيصة و«ما تسوى شيء»، فهل زرت اخيرا مركز غسيل كلى في الكويت، وشاهدت المرضى يرتعشون من البرد حين يدب الدم في عروقهم كقطعة ثلج باردة، او تشاهد زهرة الحياة الدنيا في مستشفى مكي جمعة كيف ذبلوا بين يدي آبائهم، والله عز وجل يختصر لنا معارف البشر وثقافات الدنيا وحضارات الانسان كلها عن هذه الحياة بقوله: «اعلموا انما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد». وعائض القرني كتب ذات يوم عن «اول ليلة في القبر» وهي بالضبط اول ليلة يغادر فيها الانسان الدنيا بعد ان كان ينام بجانب امه وابيه وصاحبته وبنيه، نعم ربما يراودك شعوراً بذلك، فلماذا إذا لا تعطي للمظلوم فرصة ان يعيش مثلك، وللحزين ان يسعد مثلك، وللفقير ان يغتني بفضل الله مثلك؟
سعود مزعل الحربيawtaaaad@hotmail.com