حملت الذكرى العاشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري كل عناصر المشهد اللبناني - الاقليمي، وهي أطلّت في جانب منها على التحديات التي تواجه لبنان الغارق في أزمة محيطة سياسية - دسورية والذي يحاول أن يتلمّس طريقة لتحييد ساحته عن «النار» المشتعلة من خلال حوارات داخلية، كما بدت في جانبها الآخر بمثابة استعادة لعقد من الزمن بقيت فيه جريمة 14 فبراير 2005 المعطى الذي تحكّم بكل مفاصل المشهد اللبناني في بُعديه السياسي والأمني.تحت عنوان «عشرة، ميّة، ألف سنة مكمّلين»، أحيا تيار «المستقبل» ذكرى اغتيال الحريري باحتفالية اكتسبت رمزية استثنائية هذه السنة من خلال حرص الرئيس سعد الحريري على المشاركة شخصياً في المهرجان الحاشد الذي اقيم في «البيال» بوسط بيروت، قافزاً فوق المخاطر الامنية التي كانت حالت في الاعوام الثلاثة الماضية دون حضوره هذه المناسبة بعدما سبقها في اكتوبر 2012 اغتيال «العين الأمنية» للحريري اي اللواء وسام الحسن، فيما فُجر «عقله الديبلوماسي» اي الوزير السابق محمد شطح في ديسمبر 2013.وتميّزت الذكرى العاشرة لاغتيال الحريري بمشهدية عكست عدّة خلاصات بينها ان هذه الجريمة التي تتواصل المحاكمات الغيابية فيها أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي (لخمس متهَمين من «حزب الله») لم يخفت «دويها» بعد رغم مرور عقد على ارتكابها، وان قوى 14 مارس التي دفعتْ «فاتورة دم» باهظة نتيجة اغتيال عدد من رموزها ما زالت تحمل «روح» انتفاضة الاستقلال التي كانت انفجرت في 14 مارس 2005 مطالبة بالحقيقة والعدالة والسيادة والاستقلال، وذلك رغم «الاختلالات» في التوازنات الداخلية والتحولات العاصِفة في المنطقة.اما الخلاصة الأهمّ فهي ان الرئيس سعد الحريري، الذي نجح في تكريس زعامته على رأس التيار الانفتاحي رغم ابتعاده القسري عن لبنان منذ نحو 4 أعوام، بدا حريصاً من خلال إطلالته امس الشخصية على جمهوره على تأكيد ثوابت «المستقبل» وقوى 14 مارس السياسية رافعاً السقف في ردّه غير المباشر على الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله مكرساً «ربْط النزاع» حيال العناوين الخلافية مع الحزب ومتمسكاً في الوقت نفسه بنهج الحوار لتنفيس الاحتقان المذهبي وإنهاء الشغور الرئاسي في لبنان.وفي كلمته السياسية الوحيدة في الاحتفال الذي حضره كل أفرقاء 14 مارس مع مشاركة لافتة لممثليْن لكل من رئيس البرلمان نبيه بري ممثل والعماد ميشال عون، اضافة الى نحو 10 آلاف مدعو اي ضعف ما جرت عليه العادة في الاعوام الأخيرة، قال الحريري: «بعد اغتيال الرئيس الشهيد (...) تمكن الرئيس السوري بشار الأسد من تكسير سورية على رؤوس السوريين وأجهز جيشه وحلفائه من تجار الحروب الاهلية على أكثر من نصف مليون ضحية وهجروا الملايين. وبعدك يا والدي، جعل حكام في العراق من التعصب أساسا للملك وسلموا الجيش على طبق من فساد إلى فلول القاعدة وداعش، وبعدك نزعت اليمن ثوب السعادة وسلمت نفسها الى سياسة الهيمنة وفرض التغيير السياسي بقوة السلاح».واكد «اننا اليوم نواجه خطة لتفريغ الدولة وتدمير مؤسساتها، ونواجه جنون التعصب والارهاب»، وقال: «بداية البداية في مواجهة كل التحديات ومحاربة اليأس هو بحماية لبنان بكل ما لدينا من قوة ووسائل. ومن هذا المنطلق، قررنا العام الماضي ربط النزاع في حكومة هدفها عدم وقوع البلاد في فراغ تام، كما قررنا منذ أسابيع الشروع في حوار مع حزب الله هو حاجة إسلامية لاستيعاب الاحتقان المذهبي وضرورة وطنية لتصحيح مسار العملية السياسية وانهاء الشغور في الرئاسة الأولى».ولفت الى ان «النزاع قائم فعلاً حول ملفات ليست خافية على أحد من ملف المحكمة الدولية والمشاركة في الحرب السورية إلى ملف حصرية السلاح بيد الدولة والاعلان الاخير عن ضم لبنان الى الجبهات العسكرية في سورية وفلسطين وايران، ونحن نقول ان لبنان ليس بهذا المحور ولا بأي محور وغالبية الشعب تقول لا لأي محور وان لبنان ليس ورقة بيد أحد ولا سلعة عل طاولة أحد».واكد «اننا لن نعترف لحزب الله بأي حقوق تتقدم على حق الدولة في قرارات الحرب والسلم وتجعل من لبنان ساحة أمنية وعسكرية يسخّرون من خلالها امكانات الدولة اللبنانية وأرواح اللبنانيين لإنقاذ النظام السوري وحماية المصالح الايرانية»، لافتا الى ان «ربط النزاع هو دعوة صريحة لرفض انفجار النزاع (...) ونعتقد أن الفوائد الناتجة عن الحوار مناسبة للتأكيد على مواصلة هذا المسار».واوضح ان «قواعد الحوار لا تعني التوقف عن السؤال عن المصلحة اللبنانية في اختزال العرب بنظام الاسد ومجموعة مليشيات مسلحة تعيش على الدعم الايراني لتقوم مقام الدول في لبنان والعراق وسورية وايران والمصلحة في نفي وجود الجامعة العربية»، متسائلا:«اين المصلحة في ذهاب شباب لبنان للقتال في سورية والعراق والتدخل في شؤون البحرين والاساءة لدولة لا تقابل اللبنانيين الا بمحبة وحسن الضيافة؟».ولفت الحريري الى انه «في موضوع رئاسة الجمهورية هم غير مستعجلين وفي موضوع الاحتقان نقول ان هناك 4 أسباب لهذا الاحتقان: رفض حزب الله تسليم المتهَمين باغتيال الحريري، ومشاركته في حرب سورية، وتوزيع السلاح تحت تسمية سرايا المقاومة، وشعور بقية اللبنانيين بأن هناك مناطق واشخاصا لا ينطبق عليهم لا دولة ولا قانون»، مؤكدا «اننا في الحوار لم نطلب من حزب الله شيئاً وقلنا لهم انتم تريدون تخفيف الاحتقان ونحن أيضا لان مشروعنا هو رفض الفتنة، وهذه هي أسباب الاحتقان وقولوا لنا ماذا تستطيعون أن تفعلوا؟ وهذا هو أساس الحوار مع الحزب ونحن جدّيون ونتمنى الوصول الى نتائج».واضاف: «منذ أشهر ونحن ندعو الى الاتفاق على رئيس للجمهورية ولم نقصر في التواصل مع الجميع من أجل ذلك، وشجعنا على الحوار في كل الاتجاهات، وأسوأ ما في الأمر أن تعطيل الاتفاق على الرئاسة يكرس مفهوما خاطئا هو أن البلد يمكنه أن يعالج أموره برئيس ومن دون رئيس (...) والواقع أن الشغور الراهن لا ينشأ عن ظرف استثنائي بل ناتج عن عناد سياسي أو صراع على السلطة».واكد انه «لا يمكن لأي مواطن أن يتجاهل المخاطر الناتجة عن تعاظم حركات الارهاب في المنطقة، واذا كانت القيادات فشلت في الاتفاق على الاستراتيجية الوطنية لدفاع في مواجهة اسرائيل فلا يصح أن يندرج هذا الفشل في ايجاد استراتيجية وطنية لمواجهة الارهاب»، معتبرا انه «لا بد من ترجمة الاجماع حول الجيش وحول مكافحة الارهاب بتقديم المصلحة الوطنية على أي مصالح خارجية أو داخلية»، لافتا الى «اننا نقول إن الحرب ضد الارهاب مسؤولية وطنية تقع على عاتق الجميع وخلاف ذلك سيصيب الحريق لبنان مهما بذلنا من جهود لاطفاء الحرائق الصغيرة».ورأى ان «النموذج العراقي لا ينفع في لبنان وتكليف طائفة أو حزب مهمة الدفاع عن لبنان هو تكليف للفوضى، وندائي للجميع وخصوصا لحزب الله العمل دون تأخير لايجاد استراتيجية وطنية لمواجهة الإرهاب»، لافتا الى ان «الرهان على انقاذ النظام السوري وهم يستند الى انتصارات وهمية وقرار إقليمي بتدمير سورية».واضاف: «نقول لحزب الله ان ربط الجولان بلبنان جنون وسبب اضافي لدعوته للخروج من سورية. ويكفي استدراجاً للحرائق من سورية الى لبنان (...) ونحن في تيار المستقبل قوة الاعتدال ونقف مع الدولة بوجه مشاريع العنف الديني والسياسي ونقف مع الجيش وقوى الأمن بوجه الارهاب والتطرف لاننا ندرك أن لا نقطة وسط بين الاعتدال والتطرف وبين الدولة والفوضى وبين الجيش والمليشيا وبين الوحدة الوطنية والحرب الاهلية وبين لبنان السيد المستقل وبين لبنان الفتنة والانقسام».واذ اعلن «انا متطرف للبنان وللدولة والدستور وللمؤسسات وللشرعية وللجيش ولقوى الأمن الداخلي وللنمو الاقتصادي والمناصفة والعيش المشترك وبناء الدولة المدنية»، اشار الى ان «جريمة اغتيال الحريري نفذت بعد تهديدات وجهت اليه بتكسير بيروت فوق رأسه، والمحكمة الدولية تواكب هذه المسألة منذ أسابيع بالشفافية التي تتطلبها العدالة ونحن على ثقة بأنها ستأتي بالعدالة ودماء الشهداء لن تضيع».