أخلاق الإنسان منها ما هو طبع يجبلنا الله سبحانه وتعالى عليه من غير جهد وعناء لكسبه، ومنه ما هو مكتسب، نحتاج أن نجاهد أنفسنا ليصبح الخُلق فطرة وجبلة لنا نمارسه في يوميات حياتنا من دون تكلف و وصب، وما يدل على أن الأخلاق الفاضلة تكون طبعاً، وتكون تطبعا - قول النبي عليه الصلاة والسلام - لأشجّ عبد القيس: «إن فيك لخلقين، يحبهما الله: الحلم والأناة». قال: «يا رسول الله، أهما خلقان تخلّقت بهما، أم جبلني الله عليهما؟». قال: «بل جبلك الله عليهما».إن الأخلاق الفاضلة تكون طَبعاً، وتكون تَطَبّعاً، ولكن الطبع - بلا شك - أحسن من التطبع، لأن الخُلق الحسن إذا كان طبيعيا صار سجية للإنسان وطبيعة له، لا يحتاج في ممارسته إلى تكلف، ولا يحتاج في استدعائه إلى عناء ومشقة، ومن حُرم الخُلق عن طريق الطبع، فبإمكانه أن يناله عن سبيل التطبع.العلم أصل عظيم من أصول الأخلاق، ومن أراد أن يكتسب ويتخلق بخلق حسن، فعليه البحث عنه نظريا، ويقرأ في سير من اشتهروا بهذا الخلق الذي يفتقده، في أمهات الكتب وفي كتب العصريين حتى تكون لديه وفرة معلوماتية، إلى أن يألف ويحب الخلق الذي أراد أن يتطبع به، وبعدها يتمرن عليه ويمارسه ويطبقه في حياته من خلال المواقف والأحداث التي يضع نفسه فيها، إلى أن يصبح طبعا فيه لا يحتاج إلى مشقة في استدعائه، ولا يفوته في بعض المواطن.إن مستقبل الإنسان على المدى البعيد لن يعتمد على التقدم العلمي والتكنولوجيا - مهما تكن درجة أهميته - ولكنه سيكون منوطاً بمدى قدرة الأخلاق الفاضلة والمثل العليا على تشكيل سلوكنا، وبلورة مواقفنا، وما نواجهه اليوم من تراجع في أخلاقيات بعض أفراد المجتمع، لا يعود إلى افتقارهم وجهلهم بالتكنولوجيا، وإنما مرده إلى الانحراف الدميم بتوظيف الأخلاق والمثل العليا في تعاملاتنا مع أنفسنا ومع الآخرين.إن للأخلاق مهمة عظيمة في توجيه السلوك وضبطه، وهذا ما يدفعنا وينأى بنا لاكتساب ما ينقصنا من أخلاق حميدة فاضلة، وهي ما تجعل حياتنا عبارة عن مواقف تشهد على تمسكنا بقيمنا ومبادئنا، والأخلاق هي من تضبط إيقاع حركتنا ومشاعرنا ضبطا تاماً تجاه الآخرين، وهي الميزان الذي نزن به أعمالنا الظاهرة والباطنة، وهي المسطرة التي نقيس بها خطواتنا وتحركاتنا الدقيقة والجليلة التي نمارسها ونتعايش بها مع غيرنا.البنية العميقة للشخص تتجلى في مثابرته وتحفيز نفسه لاكتساب الأخلاق الفاضلة الراقية، والتي تدفعه إلى الكفاح وبذل الجهد لاكتساب كل ما ينقصه من طبائع حميدة تضبط نزعاته وميوله، وتمكنه من امتلاك عقل مفتوح يستقطب كل ما هو حسن وفاضل، وهي التي تخلصه من الجمود والاضطراب في طرق معالجة أمور دينه ودنياه، وتجعل الإنسان متوازنا بسلوكه ومشاعره وانفعالاته، وإن وجد لديك نقص بأحد الأخلاق الكريمة، فاحرص كل الحرص على اكتسابها والتطبع بها، لتتعايش مع غيرك بوضوح وشفافية ومن دون أزمات ومشكلات.mona_alwohaib@m.alwohib@gmail.com
مقالات
منى فهد عبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي
خارطة الأخلاق...!
01:48 ص