قررت أن أترك الرأي والمتابعة السياسية التقليدية السياسية في هذا المقال، قاصداً طريقة آخرى تروي حالة غريبة تصف انعكاسات الحياة بشكل آخر، وفي قالب قصصي قلما يحدث معي، وإن أتى إلى مخيلتي فإنه لا يستأذن... إنها حكاية رجل!دخل رجل إلى بيته فوجد الطفل مستلقياً يعتصر ألماً فأخذه على الفور إلى المستشفى، وهناك سئل عن التحويل، وبين شد وجذب وتدخل «أهل الخير» حولوه إلى تلك الغرفة... أخذوا يقلبون يديه بحثاً عن عرق يغرسون فيه الإبرة، وعجزوا وتوجهوا إلى قدمي الطفل... وهداهم الله إلى عرق بعد تحريك الإبرة يميناً وشمالاً والطفل يصرخ!وقف الأب في الخارج والمنظر أشبه باستراحة في فندق، فذاك يسحب نفس سيجارة دخانها عج في الممر... وذاك يصرخ في وجه الممرضة، وذاك يبحث عن الطبيب!هذه حال المستشفيات وحال ثقافة الرجال عندنا فلا احترام لإنسانية البشر ولا مراعاة لطبيعة المكان. مرت الساعتان على خير... وتنفس الطفل، وكان يعاني من الجفاف، وإذا بطفل آخر يتمشى في الممر... كان عمر ذلك الطفل يتجاوز الأعوام العشرة سأله الرجل: بأي صف؟ ورد على الفور: رابعة سابع. أخذ الرجل يسأله عن المدرسة... ورد الطفل بنرفزة «حنا بإجازة»!عرج الطفل في الحديث عن البلاي ستيشن «Play Station» وغيرها من الألعاب، وكانت الصدمة حينما طلب منه الرجل كتابة اسمه... وتخيلوا الوضع: الطفل لم يستطع الكتابة وضعفه بالقراءة أشبه بحال «شايب» في صف «محو الأمية» أيام حملة محو الأمية في منتصف الثمانينيات.هذه هي حال مدارسنا التي لم تقدر على اتخاذ قرار بتأجيل الدراسة إلى ما بعد شهر رمضان إلا بعد شق الأنفس... فماذا ينتظر من مستوى التعليم فيها؟... وبعد مضي قرابة الساعات الأربع خرج الرجل يحمل طفله، وكانت الصحة لا تعاني من إضراب عمال النظافة، وجزى الله الفراش خيراً الذي أوصله على الكرسي المتحرك حتى المركبة!وفي الطريق عائداً إلى المنزل والطفل متمدداً على المقعد فوجئ الرجل بصاحب مركبة تستعرض على الطريق وتدور حول الدوار «تشفيطاً» من دون احترام لقواعد المرور... وهذه حالة شوارعنا التي تعاني من المستهترين الذين حتى وإن قبض عليهم رجال المرور، فإنهم يخرجون بفضل الواسطة التي جعلت من الخطأ صواباً ومشهداً معتاداً.استلقى الرجل على الفراش ومد يده إلى الصحيفة وطالع الأخبار، فلم يجد ما هو مبشر، والكل ينتقد والحال في مختلف قطاعات الدولة تعاني من الفساد والإصلاح حلم يصور بشكل تنظيري ليس إلا.لماذا نكتب يا سادة؟ ولماذا نحن على هذه الطريق سائرون؟انتهت حكاية الرجل وأغمض عينيه لعل وعسى أن يستيقظ ويجد حالاً غير الحال التي مر بها في تلك الليلة المأسوية.. إنها معاناة بلد يكثر الناس فيه الحديث وتقل نسبة الإنتاجية، وكل يغني على ليلاه... والله المستعان.

تركي العازمي

كاتب ومهندس كويتيterki_alazmi@hotmail.com