كشفت دراسة لـ «الراي» حول السياسة الخارجية للدول العربية على امتداد السنوات الخمس الأخيرة أن الكويت هي في مقدمة الدول التي لديها سياسة خارجية حققت مؤشري (صفر توتر خارجي) و(صفر أعداء) بامتياز، ويمكن تصنيفها على أنها البلد العربي الوحيد وضمن ترتيب الدول الأُوَل في العالم الذي لم يسجل أزمة ديبلوماسية خارجية خلال السنوات الخمس الماضية ولم تقطع الكويت علاقاتها ديبلوماسياً مع أي بلد في العالم باستثناء علاقتها مع النظام السوري في إطار موقف خليجي وعربي ودولي مندد بأحداث العنف والقتل التي طالت الشعب السوري الذي انتفض ضد الرئيس بشار الأسد مطالباً بتغيير النظام.وتمكنت الديبلوماسية الكويتية من تحقيق (صفر توتر) و(صفر أعداء خارجيين)، حيث إن الكويت تعتبر بين البلدان القليلة في العالم التي ليست لديها أعداء أو خصوم مباشرون أو حتى توترات في علاقاتها الخارجية من شأنها أن تشكل تهديدا على الأمن القومي للبلاد.وتعتبر الكويت وفقا لهذه الدراسة أكثر بلد عربي له تحالفات خارجية ايجابية مع مختلف أنظمة دول العالم، وبالتالي تعتبر الكويت في مقدمة الدول التي اكتسبت أكثر أصدقاء خارجيين مع تحييد اي احتمال لوجود خصوم.وقد استندت الدراسة الى أبحاث حول تقييم سياسات غالبية دول العالم بما فيها الدول العربية وفق مؤشر الازمات الديبلوماسية التي تعرضت لها الدول عبر السنوات الخمس الماضية. وقد تفوقت الكويت على أساس هذا المؤشر على دول معروفة تقليديا بـ (صفر توتر) في علاقاتها الخارجية واعتبارها دولة مسالمة وصديقة لكل أقطار العالم مثل سويسرا وكندا وألمانيا وأستراليا ودول اسكندينافية مثل الدنمارك.وتقترب حالة السلام العالمي التي سجلتها سياسة الكويت الخارجية من سياسة امارة موناكو الفرنسية او دولة الفاتيكان على الرغم من ان الأخيرة لا تعتبر دولة بمعنى النظام السياسي بل مقاطعة في ايطاليا لها رمزية نفوذ الكنيسة الكاثوليكية في العالم وليست دولة بالفهوم الحديث وتتمتع بحماية دولية وموقعها الجغرافي مستقر بحالة الاستقرار نفسها التي تنعم بها امارة موناكو.لكن الكويت خلافا لموناكو والفاتيكان تتوافر فيها كل شروط الدولة ناهيك انها تقع في مجال جيوسياسي وجغرافي ملتهب بالحروب والصراعات بالاضافة الى كونها دولة غنية تثير أطماعا خارجية عدة.وعمدت الدراسة الى قياس نجاح السياسة الخارجية للدول حسب الموقع الجغرافي والجيوسياسي لكل دولة، حيث استنتجت أن الكويت تقع في مقدمة الدول في العالم على مستوى تحقيق السلام العالمي وتحييد الخصوم مع كل أقطار العالم، ورغم موقعها في رقعة جيوسياسية متوترة جدا لم تنجرف سياستها الى الوقوع في علاقة توتر - مباشرة - مع أي طرف خارجي أو دولة تقع في مجالها الاقليمي. وعلى الرغم من تلقيها في فترة ما مزاعم تهديد من تنظيم الدولة الاسلامية «داعش» الا انها التزمت الحياد ولم تشارك بصفة مباشرة في الحملة العسكرية الدولية ضد تنظيم الدولة مكتفية فقط بتوفير دعم لوجيستي للتحالف الدولي ضد الإرهاب.وفيما توترت علاقات جيرانها مع كل من ايران أو العراق على سبيل المثال أو مع مصر في فترة من الفترات، فإن الكويت حافظت على التوازن في سياستها وعدم الاقصاء واحترام تقرير مصير شعوب الدول المجاورة. وبينما صنفت دول عربية كثيرة تنظيم الاخوان المسلمين ضمن لائحة التنظيمات الارهابية لم تقم الكويت بمثل هذا التصنيف لاحترام خصوصية كل دولة وللتأكيد على عدم تجريم طرف او اقصائه لأجل أفكاره مادام في ظل القانون والدستور الذي يسمح بحرية الفكر والتعبير لكل مكونات المجتمع. وفضلا عن تنوع تركيبة المجتمع الكويتي من مواطنين ومقيمين بين مسلمين ومسيحيين وسنَّة وشيعة وطوائف أخرى ومعتقدات مختلفة فلم تحدث في الكويت أزمة هوية او انتماء حيث ان غالبية مكونات المجتمع منصهرة في ظل الدولة ومنسجمة ومتناغمة تعبر وتعمل بحرية في ظل دستور يكفل للمواطنين وغير المواطنين مستوى عاليا من الحقوق والحريات قد لا تتمتع بها دول أخرى عربية.وظل الحرص على الوحدة الوطنية وعدم اقصاء أي طرف داخلي في صنع تقرير مصير الكويت المنهج الذي سلكته الحكومة خلال السنوات الأخيرة التي عرفت انتخابات برلمانية متعددة وصعود تيارات سياسية ومشاركة عالية للنساء والرجال، ولم يعكس الحراك السياسي الداخلي اي أثر سلبي على السياسة الكويتية الخارجية وعلى علاقتها مع الدول ملزمة كل الأطراف في الداخل باحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها من دون تدخل او تأثير على ذلك او تشويه او تشويش على اختيارات الشعوب الأخرى لأنظمتها أو قادتها السياسيين.وخلال السنوات الخمس الماضية حسّنت الكويت بمبادرات متعددة علاقتها مع جارتها العراق طاوية بذلك جمود العلاقات والتوتر السابق الذي خلفه غزو النظام الصدامي السابق. وشهدت العلاقات طفرة نوعية في السنوات الماضية تتوجت بحضور أمير الكويت القمة العربية التي عقدت في بغداد. وبذلك عادت كل العلاقات الديبلوماسية بين العراق والكويت. وبفتح العلاقات الديبلوماسية مع العراق لم يعد للكويت اي توتر اقليمي او دولي في سياستها الخارجية.وفي حين توترت علاقات دول مجاورة للكويت مع ايران على خلفية برنامجها النووي، فإن الكويت على الرغم أيضا من قضية تجسس حدثت في الكويت واتهمت فيها عناصر موالية لإيران، لم تقم بقطع علاقاتها مع طهران، بل عملت الكويت على ان تكون وسيط سلام بين ايران ودول في المنطقة.وفيما تأثرت علاقات عربية - عربية وعربية - اقليمية وعربية - دولية بسبب أحداث اقليمية مشحونة بتقلبات سياسية وأخطار أمنية أهمها تداعيات ثورات الربيع العربي والحملة الدولية ضد الارهاب، الا أن الكويت لم تتأثر سياستها الخارجية بسبب اي طارئ جديد على الساحة السياسة العربية وحافظت على مؤشر (صفر توتر) و(صفر أعداء) في تعاملاتها الديبلوماسية العربية والاسلامية والدولية المختلفة الجديدة والقديمة. بل وسعت الكويت في أكثر من ظرف شابه توتر في علاقات دول خليجية - خليجية وعربية - عربية للعب دور وسيط الصلح والسلام بين بعض الدول. ولم تقطع الكويت اي علاقات ديبلوماسية مع أنظمة سياسية عربية جديدة وصلت الى الحكم بفضل ثورات شعبية وظلت علاقاتها مفتوحة على كل الأصعدة مع الدول العربية قاطبة من دون تأثر بما أفرزه الربيع العربي من طبقة سياسية مختلفة تحفظت عليها دول عربية وقاطعتها دول أخرى.وانعكست سياسة (صفر أعداء) التي انتهجتها الكويت في ارتفاع عدد الدول التي يمكن للكويتيين دخولها من دون تأشيرة، حيث إن الكويتيين يستطيعون دخول 78 دولة من دون تأشيرة ويستطيعون دخول بقية دول العالم عبر تأشيرة باجراءات سلسة أكثر من غيرهم من العرب.وفي ظل الحملة الدولية ضد الارهاب، فإن مواطني دول عربية كثيرة واجهوا صعوبات أو تقييداً في مسألة حرية السفر أو الدخول الى دول بعينها تضررت من ارهاب اتهم انه يمول وقادم من دول عربية، واتهمت الكويت من قبل وزارة الخزانة الأميركية ان أفرادا فيها يمولون الارهاب، لكن على الرغم من كل ذلك وزج الكويت في هذه التهمة، فقد تحسن دخول ونفاذ الكويتيين الى كل دول العالم بفضل ديبلوماسية (صفر توتر) و(صفر اعداء).وأظهرت الدراسة التي تناولت بحثا معمقا في غالبية التقاريرالدولية التي تناولت مسار السياسات الخارجية العربية وتحديدا السياسة الكويتية خلال العقد الماضي أن النسق الذي سارت عليه الكويت في رسم معالم علاقاتها الخارجية بداية مع جيرانها والاقليم والوطن العربي وآسيا والعالم اعتمد على تقديم معيار تطبيق الاحترام المتبادل في العلاقات المشتركة وعدم التدخل نهائيا في شؤون الدول الأخرى بصفة مباشرة أو غير مباشرة واحترام تقرير مصير شعوب الدول الأخرى والتعاون مع كل الأطراف السياسية وعدم انتهاج مبدأ التعاون مع طرف واقصاء آخر، بالاضافة الى النجاح في ممارسة وسطية صعبة في السياسة الخارجية للتعامل مع شتى القضايا الاقليمية والدولية وعدم الانجراف في قطع علاقات ديبلوماسية - بصفة نهائية او جزئية - مع أي دولة. ولم تغلق سفارة أي دولة على ارض الكويت باستثناء السفارة السورية والتي جاء اغلاقها من قبل النظام السوري نفسه وليس بطلب من الكويت، لتكون بذلك البلد العربي الوحيد الذي لديه علاقات ديبلوماسية مفتوحة ومباشرة مع كل الأنظمة على اختلاف سياساتها وتوجهاتها.الى ذلك، فإن سياسة الكويت الخارجية دعمتها مواقف القيادة السياسية المتمثلة في سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الذي يعتبر من أكثر القادة العرب انفتاحا على كل القادة والزعماء من دون استثناء والأكثر التزاما ببروتوكول المشاركة في المناسبات الاقليمية والعربية والدولية والأكثر حضورا في المناسبات الاجتماعية والانسانية.كما أسهمت استراتيجية التضامن الدولي التي اعتمدتها الكويت في تلازم سمعة السياسة الخارجية بشعار التضامن الانساني مع القضايا الانسانية العربية والاسلامية والدولية من خلال مبادرات الكويت الكثيرة في دعم واغاثة شعوب كثيرة عربية واسلامية وصديقة.وتعتبر الكويت وفقا لمؤشر السلام في العلاقات الدولية من بين الحكومات التي لا تواجه توترا واضحا في علاقاتها مع غالبية دول العالم على كل المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والشعبية.كما ساهم احتضان الكويت للعديد من القمم والمؤتمرات الدولية على أرضها في مزيد من انفتاح الدولة أمام كل زوار العالم من دون استثناء حيث ان كل الجنسيات في العالم يمكنها دخول الأراضي الكويتية بصفة شرعية باستثناء الاسرائيليين.ودوليا، تقارن الكويت في سياستها الخارجية (صفر اعداء) بسويسرا وبدول مثل كندا وأستراليا والمانيا وبعض المقاطعات البريطانية السابقة مثل الباهاما ودويلات مثل دولة الفاتيكان وامارة موناكو وبعض دول اسكندينافية مثل فنلندا والدنمارك وهولندا. واستطاعت الكويت خلافا لما قامت به مثل هذه الدول تحييد اكثر ما يمكن من احتمال وجود خصوم ما مكنها ايضا من تجنب خطر الأطماع الخارجية على الرغم من تواجدها في منطقة صراعات وبين قوى اقليمية كبرى.وقد تفوقت الكويت على كل من سويسرا والدنمارك الدولتين الأكثر اعتدالا وسلما في السياسات الخارجية في العالم. ويذكر ان كلا من سويسرا والدنمارك على سبيل الذكر لديهما (صفر توتر) لكن تعرضا في السابق لأكثر من مرة لفترات توتر قصيرة مع بعض الدول حيث إن سويسرا سبق لها أن دخلت توترا في علاقاتها مع بعض الدول على اثر مطالبات بكشف المتهربين من الضرائب وتتبع أموال السياسيين المودعة في البنوك السويسرية الى ذلك شهدت قطعا لعلاقاتها الديبلوماسية والتجارية مع ليبيا في 2010 في عهد نظام معمر القذافي على خلفية احتجاز ابنه. كما ان الدنمارك دخلت توترا في علاقاتها السياسية مع بعض الدول المسلمة على اعقاب نشر صحيفة دنماركية لرسوم كاريكاتورية مسيئة للرسول (ص).الى جانب كل من سويسرا والدنمارك، فإن دولا أخرى عرفت بسياسة (صفر توتر) شهدت هي أيضا فترات شد وجذب يمكن وصفها بالتوتر، حيث ان كندا على سبيل المثال دخلت في علاقات توتر مباشرة مع كوبا والإمارات العربية في فترات معينة. كما توترت علاقات استراليا لفترات مع بعض الدول بينها اندونيسيا على خلفية فضيحة تجسس. كما توترت علاقات ألمانيا مع الولايات المتحدة لفترة على خلفية مزاعم تجسس أميركية.
متفرقات - قضايا
البلد العربي الوحيد الذي لم يسجل أزمة ديبلوماسية خلال السنوات الماضية
السياسة الخارجية الكويتية... «صفر» أعداء
01:44 ص