أكثر من رمزية حملها انتقال «كل لبنان» الى السعودية للتعزية بالملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز وتهنئة الملك سلمان بن عبد العزيز والقيادة الجديدة. فصورة لبنان الرسمي والسياسي على اختلاف مشاربه الطائفية والحزبية في الرياض حملت أكثر من اشارة الى مكانة المملكة وتأثيرها في الواقع اللبناني واستقراره الى جانب الدور الكبير الذي أداه الملك الراحل في دعم «بلاد الأرز» وجيشها.رئيس البرلمان نبيه بري، رئيس الحكومة تمام سلام على رأس وفد نيابي ووزاري كبير يمثل مختلف الكتل السياسية والبرلمانية، قادة قوى 14 مارس وبينهم الرئيس امين الجميل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، توجهوا جميعاً الى السعودية التي بدا لبنان مهتماً بالحدَث الذي تعيشه من زاويتين:* الاولى آنية وتتمثل في الحرص على تظهير التمسك بالعلاقات الأخوية الثابتة التي تربطه بالمملكة وشكرها على الأدوار التي لطالما اضطلعت بها في احتضان لبنان سواء خلال حربه الأهلية التي لم يخرج منها الا على «حمّالة» اتفاق الطائف الذي لعبت الرياض دوراً محورياً فيه، او من خلال تعمُّد الملك الراحل ان تكون بيروت هي حاضنة «المبادرة العربية للسلام» التي أطلقها العام 2002 والتي صارت تحمل اسم العاصمة اللبنانية التي احتضنت حينها وبدعم سعودي القمة العربية الشهيرة، وصولاً الى حرصها على دعم ركائز «الدولة» ولا سيما الجيش اللبناني من خلال هبة الثلاث مليارات دولار لتسليحه من فرنسا التي أُنجزت تواقيعها وستبدأ طلائع السلاح بالوصول خلال اسابيع، اضافة الى هبة المليار التي أقرّها الملك الراحل بعد معارك عرسال (اغسطس) التي دارت بين الجيش ومسلحي «داعش» وجبهة «النصرة» وأمّن الرئيس سعد الحريري عليها والتي أُنجز قسم كبير من العقود مع اكثر من دولة لتزويد الجيش اللبناني بالسلاح الذي يحتاجه لمحاربة الارهابيين. من دون إغفال المساعي التي بذلتها الرياض بين 2009 و 2010 ضمن اطار ما عُرف بمبادرة «السين - سين» (السعودية وسورية) لإخراج لبنان من الأزمة التي دخلها العام 2005 باغتيال الحليف الأبرز للمملكة الرئيس رفيق الحريري وهي المبادرة التي حملت الملك الراحل عبد الله بن بعد العزيز شخصياً الى زيارة بيروت اواخر يوليو 2010 مصطحباً معه الرئيس السوري بشار الاسد محاولاً رأب الصدع مع الأخير وفتح صفحة جديدة سرعان ما ارتدّ عليها النظام السوري وحلفائه بعد اشهر قليلة بالانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري.* والزاوية الثانية هي رصْد اذا كانت التغييرات في القيادة السعودية وعهد الملك الجديد وولي عهده الأمير مقرن بن عبد العزيز وولي ولي العهد الأمير محمّد بن نايف بن عبد العزيز ستحمل اي مقاربات جديدة للملف اللبناني، رغم اقتناع غالبية الاوساط السياسية بان نهج المملكة حيال لبنان راسخ ولن يتبدّل، علماً ان حجم الالتفاف الذي برز حول الدور السعودي سواء من خلال طبيعة الوفود التي توجّهت الى الرياض امس او تلك التي تقاطرت على السفارة في بيروت للتعزية عكست الارتياح اللبناني العام والعارم الى مناخ التهدئة الذي يسود البلاد نتيجة القرار الاقليمي، والسعودية جزء اساسي منه، بتحصين الوضع اللبناني وتقوية مناعته حيال «العاصفة» في المنطقة.