فطر الله - جل ثناؤه - الإنسان على الميل إلى معايشة أفراد جنسه، والأنس بهم، وإقامة العلاقات التبادلية والتكاملية معهم. ووجود المعايشة الاجتماعية شرطا أساسيا في تمدين الإنسان ورقيه ونموه المتكامل؛ فهو لا يتعلم اللغة، ولا يكتسب العادات والتفكير الراقي، ولا يرقّي سلوكه ومنتجاته المادية إلا من خلال تعاونه مع أخيه الإنسان، وحين أمر الله سبحانه وتعالى آدم - عليه السلام - أن يهبط من الجنة لم يكن الأمر له وحده، وإنما هو وزوجه حواء ليشكلا معاً نواة الجماعة الإنسانية الأولى.ما نراه اليوم من سلوكيات بعض الأفراد المناقضة للفطرة الإلهية تشير إلى وجود خلل اجتماعي، ترصدنا وراقبنا عن قصد بعض أسر المقربين منا كدراسة حالة، عايشناهم أياما وليالي فكانت نتيجة الرصد فقد دفء العلاقات الاجتماعية في ما بينهم، كما فقدوا التضامن الروحي والأخلاقي الذي يحتاج إليه كل إنسان في كل زمان ومكان، حيث تقطعت الأرحام، وبردت العواطف، وسادت المنفعة الخاصة، وتحكمت الفردية في كثيرين على شكل أناني مشوّه. وكانت نتيجة كل ذلك شعور الناس بالملل والسأم وفقد الحياة لمائها وروائها، إلى جانب الخوف من المستقبل.كنا نتمنى أن نرصد ما يوافق وينسجم مع فطرتنا وجبلتنا، لنظل أكثر المجتمعات تواصلاً وتماسكاً وتضامناً على المستويين الروحي والأخلاقي، وتُسد كثير من الفجوات التي ولّدها الخلل في النظم التعليمية والاقتصادية، وتُسن النظم والتشريعات التي تجسد الرعاية الاجتماعية لكل فرد من أفراد المجتمع في جميع مراحله العمرية، وترسخ القيم الإيمانية التي تسهم في نجاح العلاقات الاجتماعية، كالتعاطف والتراحم والتعاون على البر والتقوى وصنوف أعمال الخير، وتعليم وتدريب طلاب وطالبات المدارس على خدمة الفئات الخاصة والمحتاجين من ذويهم وأبناء المجتمع عامة، إلى جانب التشجيع والإشادة لكل الظواهر والمواقف الحميدة في هذا الميدان، حتى نستطيع تحصين مجتمعاتنا ضد الإفرازات السيئة للحضارات الأخرى في المجال الاجتماعي بشكل أخص.والحقيقة التي ليست موضع جدال أن ندرة من يؤهل ويدرب أبناءه ليعيشوا عصرهم، ويسهموا في تطويره بفاعلية، ويضاعفوا إنتاجيته الاجتماعية، ويرفعوا من كفاءته الروحية والأخلاقية، هم من نعدهم على أصابع اليد، فلنتضافر بالجهود لبناء وقيام مجتمع يعرف الناس حقوقهم وحقوق غيرهم، كما يعرفون الواجبات الملقاة على كواهلهم، ليكون مجتمعا محدود المشكلات، مجتمعا يملك روح المبادرة إلى الخير والفعالية الروحية والاجتماعية، قادرا على تنظيم كثير من شؤونه، كما أنه يكون قادرا على حل نزاعاته بالطرق الودية الأهلية دون حاجة كبيرة إلى الأجهزة الأمنية، فلنبدأ بوضع حجر الأساس والقواعد التي تتناغم وتتوافق مع ما فطرنا عليه.m.alwohib@gmail.commona_alwohaib@