يمكن أن يتفهم المرء سبب النشوة العارمة التي انتابت الأمة الإسلامية يوم اقفال ملف الأسرى بين الحزب وإسرائيل، وهو السبب نفسه الذي تسبب بإحباط شديد لدى الصهاينة بعد هزائمها الثلاث، لكن الغريب «جداً» أن يحزن المسلم، بالضبط كغرابتنا، إذا ما حزن الإسرائيلي لهذا الإنجاز!إن قرأت صحف الأيام الماضية لرأيتها أفرزت فريقين من العرب ممن غضِبوا لإنجازات الحزب. فريق تضايق لأنه حزبٌ عقائديٌ ينتمي إلى طائفة يكن لها البُغض والضغينة، وفريق ثان ممن يُحسبون بصورة واضحة على المعسكر الأميركي، ولنسمهم بالفريق «العربي الإسرائيلي»!أحد المتطرفين الطائفيين يحاول جهده إسقاط هذه النجاحات بمقارنة بين إنجازات الحزب ومنظمة التحرير. فلكي يبلغ ذلك الشخص مقصده، ولكي لا «ننجر» بفرحة الانتصارات في القرن الواحد والعشرين (الإنجازات الثلاثة للحزب بدأت مع القرن الجديد)، يقارن بين الطرفين ويستنتج بأن المنظمة قتلت من الصهاينة أكثر وحررت أضعاف مما حققه الحزب. المقارنة لو صدقت فحري بنا أن نفرح للاثنين معاً، ولكن عند السقوط في العمل الجهادي كالمنظمة نتحول منها إلى غيرها. ثم حتى مع الإنجاز «الفقير» للحزب كما يدعي صديقنا الطائفي، يظل الحزب مع هذا الإنجاز البسيط محققاً رقمين قياسيين: أولهما تحرير الأرض وثانيهما إغلاق ملف أسراه بالكامل، وهو ما لم تستطع تحقيقه «كُل» الفصائل الفلسطينية جمعاء إلى الآن. ولكن تظل ثقافة المقاومة عنواناً طاهراً يجب على كل شريف حمله!أما الفريق المنسجم للمشروع الأميركي - الإسرائيلي فهجومه على الحزب ينطلق من تعاطفه الفكري، لهذا فالهجوم على تتالي انتصارات الحزب أمر مفهوم. أكثر هجوم تناوله كتابهم تحرير «المجرم» سمير القنطار قاتل الطفلة الإسرائيلية! الجواب ببساطة ان قتل الأطفال أمر قبيح حتى من المغتصبين للأرض، ولكن لم يثبت هذا القتل على يد القنطار لأنه أنكر الجريمة. وإن قُلت بأن القتل أثبتته المحكمة الإسرائيلية، فعجبي كيف أُصدق تهمة يكون فيها القاضي والعدو شخصاً واحداً! بل حتى لو افترضنا أن القتل قد حصل، فهذه جريمة بلا شك، ولكن لا ندري ما هي ظروف الحدث طالما الرجل كان في عملية جهادية يريد طرد المحتل عن أرضه. ومع فرضية تعمد القتل فهذا خطأ غير مقبول، ولكن لا يبدو قتل طفل واحد يثير هذا الاشمئزاز كله، ولا يجوز لنا نحن أن نحمل هذا الكُره كله لمن يقتل الآلاف من أطفالنا! أقصد إما أن يكونوا بالنشوة نفسها عند قتلهم أطفالنا ونحتفل نحن كما هم (وهي ليست أخلاقنا بالطبع)، أو أنهم يحزنون لمقتل طفل واحد لهم وبالنسبة والتناسب نفسهما، وبالتالي نحن نحزن على الآلاف من ضحايانا، وفي كلتا الحالتين كفتنا أضخم!مهما بررنا فهؤلاء كالطبل، بل ويتبجح أحدهم ويشمئز من منظر أشلاء الإسرائيليين ولا يرف له جفن لمنظر أشلاء الأبرياء من اللبنانيين!

د. حسن عبدالله عباس

كاتب كويتيhasabba@gmail.com