ماذا يكسب البنك إذا أعاد إليك 2 في المئة أو أكثر من قيمة مشترياتك نقداً، أو خصماً بنسبة سخيّة من محل للمجوهرات، أو قرضاً «حسناً» من دون فوائد؟يصل سخاء العروض لشريحة العملاء «المميّزين» أحياناً إلى حد يجعل العميل نفسه في شك من أنه يحصل على الخدمة فعلاً من دون مقابل.هذا النوع من العروض، الذي غالباً ما يستفيد منه أصحاب الرواتب المرتفعة الذين يزيد دخلهم الشهري على ألفي دينار أو أقل قليلاً، نشط في الآونة الأخيرة في مؤشّر إلى السباق المحموم بين البنوك على تقديم ما يبدو أنها مكافأة خاصة للعملاء المميزين لديها، وذلك من خلال توفيرها مزايا تضمن تقديم خصومات حصرية في الأماكن التي قد يترددون عليها سواء في المطاعم الكبرى أو محلات التجزئة والكماليات، إلى الحدود التي سمحت فيها بعض البنوك لعملائها بسحب الاموال الموجودة لديهم في بطاقة الفيزا بشكل مستمر ومن دون اي مقابل أو رسم سوى المقرر على تجديد البطاقة سنويا على ان تقوم بخصمها من رصيده بمجرد دخول راتبه أو اي اموال اخرى تدخل حسابه في موعد محدد كل شهر، ما يعني أن بامكان العميل ان يحتفظ بهذه الأموال لمدة شهر من دون أن يخصم عليه اي فوائد مقابل استثماره هذه الأموال، مع الإشارة إلى ان البنك يعفي العميل من دفع رسم الإصدار السنوي المقرر على بطاقته في السنة الأولى من إصدارها.ويعني هذا أن البنك يتحمل فعليا نيابة عن العميل، لا سيما الذين لديهم حسابات مصرفية مميزة أو أصحاب الرواتب العالية، تكلفة ما قد يعطيه من قرض حسن تتجاوز آجاله في بعض الحالات سنة، ما يطرح سؤالا مشروعا، ماذا يستفيد البنك من سخائه؟في البداية يؤكد مصرفي لـ «الراي» أن السوق الكويتي متقدّم جداً في نوعية العروض والخدمات المقدّمة للعملاء مقارنة بالأسواق الأخرى في المنطقة، سواء من حيث تصميم العرض أو المزايا التي يوفرها.ويوضح أن سر ما تفعله البنوك في هذا الخصوص يرجع إلى حاجتها التنافسية في توسيع قاعدة متعامليها، وفي ظل ارتفاع أعداد البنوك المنافسة وضيق السوق المحلي كان من الطبيعي ان تلجأ البنوك إلى اغراءات غير تقليدية تغازل بها العميل، فتجد البعض يقدم هدايا خاصة، والبعض يمنح حسومات عالية، واخر يعطي اموالا من دون عوائد، لكن كل هذه المميزات لا تعطي مجانا كما يبدو، انما تقدم بشكل غير مدروس وضمن أهداف محسوبة.في جميع الأحوال أي خدمة يقدمها البنك لعميله انما يدفع بها من باب التميز في ظل المنافسة الشرسة المفتوحة بين 10 بنوك محلية، وباعتبار ان أي بنك هو في الأصل عبارة عن 4 حقول ثابتة العنوان، هي البطاقة والتمويل والوديعة والحساب، تجد كل بنك ومن اجل زيادة حركة مرور العميل بين حقوله يبحث على وسيلة اغراء مختلفة أو مشابهة تضمن له الاحتفاظ بعميله، وأن امكنه توظيف هذه المزايا في زيادة حصته السوقية من جيب المنافسين الاخرين.وعمليا هناك طريقتان لتغطية تكلفة مصاريف منح هذه المميزات، التي عادة ما تتم من أموال البنك المباشرة أو من خلال الاتفاق مع راعٍ رسمي يتعاقد معه البنك على توفير خدمة خاصة لعملائه.وغالبا تقدم مثل هذه الرعايات على المشتريات وفي مقدمتها السيارات وغيرها من السلع الاستهلاكية التي تحظي باقبال جماهيري واسع عليها، حيث يلحظ أن كل بنك تقريبا يقدم حسومات خاصة لعملائه على سيارة ما، وذلك من خلال الاتفاق مع وكيلها في السوق المحلي، وغالبا ما يكون الحسم المقدم موجه حصريا لعملاء بنك معين دون الاخرين.أحد المسؤولين المصرفيين قال لـ «الراي»، ان البنوك لا تقدم هذه المزايا بشكل عشوائي انما هي مدرجة ضمن خطة تسويق لمبيعات البنك، لكن اثارها الايجابية لا تظهر في فترات قصيرة الآجل انما تظهر على آجال متوسطة وطويلة، وهو ما يعكسه التغير الحاصل في قيم وأحجام الحصص السوقية من فترة لاخرى.فاذا كان العميل مميزا لدى البنك يمكنه ان يستفيد من المزايا المجانية، وفي المقابل يسعى البنك لتوسعة محفظة تمويلاته وبالتالي يعوض ما انفقه على المزايا من عوائد التمويل، وكذلك يمكن ان يحصل البنك في المقابل على ودائع العميل، وفي ظل الظروف الحالية ومع انخفاض معدلات الفائدة الممنوحة على اموال الودائع، يكون البنك حصل على اموال منخفضة التكاليف، يمكن ان يستثمرها في استثمارات مصرفية بعوائد اعلى ومن الفارق بين العمليتين يكون حقق مكسبه.أما مع أصحاب الحسابات الكبيرة فاضافة إلى المكاسب التي يحققها البنك من زيادة نسبة الإيداع لديه من هؤلاء العملاء، تسهم اموال هذه الشريحة في رفع مستويات السيولة لدى البنك ما يحقق الاستقرار في سلم استحقاقاتها المقرر من قبل بنك الكويت المركزي، لا سيما وأن غالبية هذه الأموال تقدم ضمن ودائع متوسطة الاجل وبعضها طويل، كما يمكن للبنك ان يدير استثمارات أصحاب الحسابات لديه عبر صناديقه المختلفة، مقابل رسم، ومن ثم يكون البنك نجح في تنويع مصادر دخله عبر عوائد ثابتة، وهي العوائد التي تسهم بشكل او بآخر في تحقيق الارباح المستدامة.أما مع أقل المكاسب التي يمكن ان يحققها البنك من عميله الذي يتمتع بكل المميزات المقدمة دون ان يستفيد منه تمويليا أو من ودائعه، او من حساباته في حال ان اقتصرت على الراتب، فيمكن للبنك ان يستفيد من هذا العميل كمنصة دعائية له في مواجهة تحركات البنوك الاخرى التسويقية، ويمكن القول إن أهمية هذه الشريحة تتزايد تسويقيا، عند قيام البنك بتشجيع عملاء جدد على الانضمام اليه او لدى العملاء المترددين الذين يفكرون في هجرة بنكهم والبحث عن بنك اخر.ويؤدي العميل الراضي عن بنكه دور السفير الكفؤ لدى اصدقائه في العمل وخارجه، وذلك بحديثه المستمر ودون قصد عن الخدمات التي يحصل عليها من بنكه وسخائها والتباهي بحصريتها احيانا، ما يزيد من حماسة عملاء البنوك الاخرى أو المترددين في الحصول على تجربة مماثلة، وما يزيد من أهمية هؤلاء المسوقين الذين لا يحصلون على راتب، أنهم غالبا ما يكونون اكثر اقناعا من موظف البنك نفسه كونهم يتحدثون بتلقائية ومن واقع تجربة شخصية حصلوا فيها على العديد من المزايا دون ان يتغرموا اي مبالغ في المقابل، ولكونهم أصدقاء فهم أكثر مصداقية في دعوة الغير في الاستفادة من الخدمات التي يحصلون عليها.وأضاف المسؤول المصرفي:«إن عمليات المزايا الحصرية التي يقدمها كل بنك تساعد أيضا في استقرار قاعدة عملائه وتقليص تقلباتهم، فالسوق لم يعد مفتوحا على بنك او اثنين مثل السابق خصوصا مع تحول جميع البنوك إلى مشتركين في السباق إلى العميل».لكن اذا كان الاقراض والوادائع من أهم محركات البنوك لتقديم المزايا الحصرية ما الذي يجعلها تنشط في تقديم هذا النوع من الخدمات الحصرية في وقت لا تخفي البنوك حذرها من التوسع في تقديم تسهيلات ائتمانية جديدة، ومع اعترافها بأنها تعاني تضخماً في مستويات السيولة ؟وفي هذا الخصوص لفت المصرفي إلى أنه يظل الدافع الرئيس لوجود اي بنك على رأس عمله هو الاقراض والودائع، وينسحب ذلك في وقت الأزمات أو الرخاء، باعتبار أن الإقراض والإيداع يعدان النشاط الرئيس للعمل المصرفي، ولذلك يحاول كل بنك أن يحافظ على بقائه بتقوية قدرته على الاقراض واستقطاب ودائع جديدة.وأضاف المصرفي أن الخطط الناجحة غالبا ما تكون متوسطة او طويلة الآجل ولذا فإن خطط البنوك للاستفادة من عملائها الجدد ليس بالضرورة أن تتحقق خلال شهر او شهرين فقد تمتد لفترات تصل إلى سنة، وهذا ما قد يجعل البنك يعطي فئة معينة من عملائه اموالا من دون عوائد لفترات تتجاوز العام، فهو في هذه الحالة يراهن أولا على الاحتفاظ بعميله ومن ناحية اخرى يعتقد أنه سيستطيع خلال فترة وجود العميل مع البنك أن يمنحه قرضا، وربما تتحسن اوضاع العميل إلى الدرجة التي يكون لديه اموال زائدة عن حاجته ويرغب في ادخارها عبر المصرف، وفي الحالتين تكون غاية البنك من كرمه الزائد تحققت.