لمَنْ لا يعرف بحر الكويت و«خيراته» فليفتح نافذة التاريخ ليطل منها على «بس يابحر» الذي «يؤرشف» حقبة ثرية بالتعب والجد والمثابرة، غوصاً على اللؤلؤ، الذي كان ثمنه في بعض الأحيان أجساداً ندية بنداوة صبيحة الأيام المتتالية التي كانت تشرق على الغاصة، وهم يثابرون مكابرين على التعب و«ضيق التنفس» يحملانهم الى الأعماق طمعا في «دانة» أو «قماشة» تبلسم حياة أسرة أو أسر على مدار العام.ولمن لا يعرف بحر الكويت، فليشرع نافذة الذكريات على المباركية وسوقها العريق، هناك كان «يشع» الخير مع طلة الصباح، صيفاً وشتاء، يخطف «لمعان» السمك الطازج الأبصار، ويحرك في البطون الحنين الى وجبة شهية من يدي «أم سعود» و«أم مبارك» وسواهما من أخواتهما الكادحات في المنزل على مدار ساعاته الـ 24.«بس يا بحر»؟ عنوان نقرأه اليوم ولكن بمعنى مختلف، فالخوف كل الخوف أن ينقطع الروبيان عن أسواقه وأن يصبح السمك وليمة نادرة في بلد يفترض أن يكون غنياً بالسمك.هذا هو رئيس الاتحاد الكويتي لصيادي الأسماك ظاهر الصويان، يحذر من تدهور المخزون السمكي، منتقداً بعض الشروط التي وضعت لكيفية دخول الروبيان المستورد والمبرد والطازج والمستزرع أثناء فترة حظر صيد الروبيان الكويتي اعتباراً من 15 يناير ولغاية الأول من سبتمبر المقبل.يقول الصويان إن «هناك أشخاصا تهمهم المصالح الشخصية على حساب الصالح العام، ولذلك يقومون بإيصال معلومات غير صحيحة وغير صادقة الى مسؤولين في الهيئة العامة للزراعة وذلك للسماح بدخول الروبيان اثناء فترة الحظر من المنفذين البحري والبري تحديداً، وسبق أن نبهنا مراراً وتكراراً عن هذا الامر في الموسم السابق لأن هؤلاء الأشخاص يسعون للتكسب المادي فقط، على حساب المخزون السمكي ولا يهمهم تدهور مخزوننا السمكي أو انهياره».وأضاف «انهم يدعون بأنهم سوف يحافظون على الاسعار من الارتفاع، وسوف يتم توفير الروبيان وتكون أسعاره مناسبة للجميع اثناء فترة حظره وتوفيره في السوق بكميات كافية للمستهلك رغم أن معلوماتهم غير دقيقة، لان لهم مصالح خاصة وشخصية تربطهم مع بعض التجار الإيرانيين على وجه الخصوص والبعض منهم لديهم لنجات تعمل لحسابهم الخاص وتعود ملكيتها لهم ايضاً، تعمل طوال العام دون توقف وبالأخص اثناء فترة الحظر، بل والأدهى من ذلك أن منهم من يحاول الدخول الى مياهنا الاقليمية للصيد فيها، وبالفعل تم ضبط بعض اللنجات الايرانية ومصادرة مصيدهم من قبل ادارة الرقابة البحرية بالثروة السمكية وإدارة خفر السواحل».انتهى كلام رئيس اتحاد الصيادين وهو برسم المسؤولين المعنيين.أما الخوف، فهو أن يأتي يوم يكون البحر بلا سمك ولا روبيان. ربما يتم التعامل راهناً مع مثل هذا الكلام بقليل من الموضوعية وبكثير من الاستخفاف، طالما أن السوق مليء بالأسماك ومن كل نوع، ولا يهم إن كانت أسعارها مرتفعة، أو أنها ليست في متناول الجميع.لا أحد ينكر أن هناك من يحذر من التلوث البحري وتأثيره على المخزون السمكي، ولا أحد يستطيع أن يتجاهل ارتفاع الأسعار في سوق السمك، إلى درجة الامتناع قسراً عن شرائه وتناوله، وايضاً لا أحد يمكن أن يتهرب من مسؤوليته في معالجة هذا الأمر، البسيط للوهلة الأولى، لكنه مهم جداً في مسألة تحقيق الأمن الغذائي في بلد يطل على الخليج وخيراته.في جلسة مع قريب، قضى أكثر من خمسين سنة من حياته في الكويت، تدحرج الحديث الى أسعار المواد الغذائية والغلاء، ولا أعرف سبباً لإتيانه على ذكر الروبية بقوله «رزق الله على تلك الأيام» حيث كانت خمسون روبية أو أقل كافية لتموّن بيتك بأرطال من اللحم الطازج «غير المغشوش» والخضار والفواكه بانواعها، وبعشرات الكيلوغرامات من السمك الكويتي الطازج، الذي كنا نشتريه «شيلات» ونتلذذ في تناوله على مدار الأسبوع.ولا أدري لماذ نقلتني «الروبية» الى سوق المباركية، في أيامه الخوالي، ولماذا عدت بالذاكرة الى الفيلم الكويتي «بس يا بحر» مع رجفة من القلق أن يأتي يوم، لا سمح الله، نخشى فيه من... بحر بلا سمك.عنوان...برسم المسؤولين.