شدد سمو الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح على الحاجة إلى العقلاء ممن ينحازون للإنسان ضد العنصرية وحكماء يحابون الحياة ضد الهلاك ويفتحون أفق الحوار إلى آفاقه الواسعة ويحطمون جدران الانزواء والانغلاق والتعصب القاتل، مشيرا بقوله: "إننا في عالمنا نحتاج إلى أهل الاعتدال من رجال وعلماء الدين"، فالعنف والفتك والقسوة كلها تحوطنا من كل جانب مغلفة بتفسيرات خاطئة للدين ويظهر لنا أناس بلباس الدين وأخلاق المجرمين وحالهم مثلما تقول الحكمة اللاتينية "في وجهه حمل وفي قلبه ذئب".جاء ذلك في كلمة ألقاها قام سموه خلال مأدبة غداء أقامها على شرف البطريرك يوحنا العاشر اليازجي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس والوفد المرافق له بمناسبة زيارته للبلاد لتنصيب المتروبوليت غطاس هزيم مطرانا على بغداد والكويت وتوابعهما للروم الأرثوذكس، في قصر الشويخ.وقال سموه: "أجد زمنا نحتاج فيه إلى أمثالكم أنسب من زمننا هذا الذي نعيشه هذه الأيام ذلك الزمن الذي ترتقي فيه الإنسانية ذرا المعرفة لكنها في نفس الوقت تنحدر فيه إلى وحشية العدوان وهمجية الاقتتال، كما تساق إلينا أخبار القتل والتشريد والإهلاك بلا انقطاع مبررة بدوافع منحرفة عن الدين وكأنها لا تصغي إلى قول الباري عز وجل في كتابه الكريم: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم"، وكأنها تصم آذانها عن قوله سبحانه وتعالى "أدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" وكأنها غافلة عن قول الكتاب المقدس "لا تجازوا أحدا عن شر بشر" أو كأنها لا تعي دعوته للسلام "سالموا الناس جميعا وفق طاقتكم إن أمكن" أو تتغاضى عن قوله "لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير". وأضاف أرحب بكم يا غبطة البطريرك ضيفا على الكويت، ويسعدني أن أستقبلكم في هذا الديوان الذي تشرف باستقبال رجال دين وحكم وفكر وعلم وسياسة على مدار السنوات الماضية، وأجد نفسي وأنا أرحب بكم أغوص في تاريخ المشرق السحيق يوم كانت أنطاكية ثالثة الحواضر في الامبراطورية الرومانية وعاصمة الفكر والثقافة في آسيا وقبلة الصالحين فهي التي زارها بولس الرسول ومكث فيها يعظ ويبشر بالدين وهي التي جاء إليها بطرس الرسول ليؤسس الكرسي الرسولي عام 37 ميلادي وهي أول من وصف أتباع المسيح عليه السلام بالمسيحيين وهي التي لقبها البيزنطيون بمدينة الله العظمى وكان العرب إذا أعجبهم شيئا نسبوه إليها، متابعا أنه ورغم أن مقر البطريركية الحالي في دمشق إلا أن جذورها الأنطاكية تشهد لها بالريادة والأسبقية فإجلالا لهذا التاريخ المهيب ولمكانتكم وموقعكم أرحب بكم أجمل ترحيب. واشار سموه إلى أن روح التسامح التي نطالب بها ليس من أجل الآخرة فحسب بل كذلك من أجل الحياة الدنيا فهي ضرورة حتمية للسلم الاجتماعي في الأوطان ضرورية للمسلم الفرنسي الذي يعيش بين أغلبية كاثوليكية وضرورية للمسلم الألماني الذي يعيش بين أغلبية بروتستانية وضرورية للمسلم الإنجليزي الذي يعيش بين أغلبية أنجليكانية وضرورية للمسلم الروسي الذي يعيش بين أغلبية أرثوذكسية غير أنها ضرورية أكثر للمسيحي العربي وهو يعيش في وطنه بين أغلبية مسلمة ووطنه هو نفسه وطن موسى ووطن عيسى ووطن محمد عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام، وهي الروح التي جعلت سكن محمد عليه الصلاة والسلام بيتا للديانات السماوية الثلاث بيت صفية بنت ناخوم وبيت مارية بنت شمعون وبيت عائشة بنت ابي بكر وهي الروح التي جعلت منهن أمهات المؤمنين بلا أدنى تفرقة وهي الروح التي تلزمنا ألا نجادل أهل الديانات السماوية إلا بالتي هي أحسن فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم آياته (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) وهي الروح التي تصف كتب الديانات السماوية المقدسة بالهدى والنور فالله عز وجل يقول في كتابه الكريم (وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين). وتابع "إنها نفس الروح التي تجلت لدى بعض الصحابة أرادوا أن يصلوا في بيت امرأة مسيحية فقال لها أحدهم: هل في بيتك مكان طاهر فنصلي فيه؟، فأجابت: طهروا قلوبكم ثم صلوا أينما أحببتم فقال الصحابي لصاحبه: من خذها غير فقيه، وأخيرا إنها نفس الروح التي تجلت في موعظتكم يا غبطة البطريرك في حفل تنصيبكم يوم قلتم "نحن الأنطاكيين كنيسة مشرقية جذورها ضاربة بعمق في منطقتنا ومشرقنا العربي ونحن مع إخوتنا المسلمين أبناء هذه الأرض فيها أرادنا الرب لنشهد لاسمه القدوس وفيها علينا أن نبقى مشجعين العيش المشترك الكريم ونابذين كل ضغينة وخوف وتعال. أيها الأعزاء المسلمون نحن وإياكم لسنا فقط شركاء في الأرض وفي المصير نحن بنينا معا حضارة هذه البلاد ومشتركون في الثقافة والتاريخ لذلك يجب علينا أن نحفظ معا هذه التركة الغالية كما أننا شركاء أيضا في عبادة الله الواحد الأحد الإله الحقيقي نور السموات والأرض". وتقدم بالتهنئة بمناسبة تنصيب سيادة المتروبوليت غطاسأ هزيم مطرانا على بغداد والكويت وتوابعهما للروم الأرثوذكس، كما نكرر يا صاحب الغبطة تحيتينا وترحيبنا بكم وبكنيستكم العريقة وأتباعها المؤمنين في كل مكان. وبدوره قال البطريرك يوحنا العاشر اليازجي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس كلمة اشار فيها الى مقابلة سمو أمير البلاد، والى شكره وامتنانه بوجوده بهذه الارض الطيبة الكويت وتهنئة سمو أمير البلاد باختياره من قبل الأمم المتحدة قائدا للعمل الانساني وإعلان الكويت مركزا للعمل الانساني. وأعرب عن مدى سعادته لوجود كنيسة لطائفة الأرثوذكس بدولة الكويت وكذلك هامش الحرية الكبير المتاح لأبناء الطائفة في ممارسة معتقداتهم واستنكر استخدام الدين للفرقة بين الشعوب.