أشاع التنفيذ الناجح لخطة السيطرة الأمنية على سجن رومية وتحديداً المبنى الذي كان يضمّ بضع مئات من السجناء والموقوفين الإسلاميين، موجة ارتياح واسعة في لبنان من دون ان يحجب المخاوف من تصاعُد وجوه أخرى للمواجهة المفتوحة الدائرة بين القوى العسكرية والأمنية اللبنانية والتنظيمات الارهابية.وغداة تنفيذ العملية المباغتة التي قامت بها القوى الأمنية اللبنانية في السجن وتمكّنت خلالها من نقل اكثر من 800 سجين من مبنى الى آخر يخضع لأنماط صارمة في المراقبة ومنع تسريب وسائل التواصل والهواتف عنهم، بدا ان السلطات الأمنية حظيت بدرجة عالية من الاستعدادات والكفاءات الاحترافية في مسارٍ صعب وشائك من المواجهات مع خلايا التنظيمات الارهابية التي تتمتع بموطئ قدم راسخ بين السجناء الاسلاميين في سجن رومية.لكن الاهم من ذلك ايضاً، ان نجاح الخطة شكّل انعكاساً مباشراً لنشوء قرار ومناخ سياسييْن بات يمكن على اساسهما الرهان على مزيد من التحصين الأمني في البلاد انطلاقاً من الحوار الجاري بين تيار «المستقبل» (يقوده رئيس الحكومة السابق سعد الحريري) و«حزب الله» بصورة خاصة.وأفادت أوساط معنية بهذه الخطوة لـ «الراي» ان «ثمة معطيات أمنية تثير القلق الشديد من عودة تحريك الخلايا الارهابية بقوة في الداخل وبرزت عقب التفجير المزدوج الذي ضرب منطقة جبل محسن ذات الأكثرية العلوية في طرابلس السبت، وان هذه المعطيات تشير الى تحركات اخرى قد تحصل في مناطق اخرى مختلفة، الأمر الذي يملي تصعيداً في الخطوات الاحترازية والوقائية الامنية تحسباً لأي احتمال».علماً ان «جبهة النصرة» التي تبنّت تفجير السبت اعلنت عبر «تويتر» رداً على ما حصل في رومية «أن على كافة الطوائف اللبنانية تحمل نتائج وتبعات تصرفات الجيش اللبناني الرعناء».ولفتت الأوساط الى انه «بمقدار ما يُظهِر لبنان قدرة على احتواء الاختراقات الارهابية وتَجاوُز تداعياتها لجهة عدم السقوط في أفخاخ الفتنة المذهبية، بمقدار ما تتبدّل أنماط الاستهدافات والمحاولات الارهابية، وهذا ما برز بوضوح في الايام الاخيرة. ذلك ان تفجير جبل محسن جرى الردّ عليه بالتفاف شامل من جانب القوى السياسية كافة ولا سيما منها القوى الفاعلة في طرابلس حول أهالي جبل محسن، فيما قابل هؤلاء هذا الالتفاف بمثله، وبعد ذلك جرى تنفيذ خطة سجن رومية في إشارة حاسمة الى تصاعُد الاستعدادات الأمنية في المواجهة المفتوحة مع الارهاب».وتضيف الاوساط نفسها ان «امراً مهماً للغاية تَحقق في الآونة الاخيرة ولم يتمّ تسليط الضوء عليه وبرز في ان الأولويات الأمنية في لبنان لم تعد تثير خلافات سياسية، ولم يكن أدلّ على ذلك من التأييد الساحق لخطة رومية وكذلك عدم تراجُع لبنان عن التدابير التي اتُخذت على الحدود مع سورية لجهة تنظيم دخول السوريين وتقنينه وضبطه، وهو امر يكتسب دلالات معبّرة ومهمة وخصوصاً ان قوى فريق (8 مارس) الحليفة للنظام السوري لم ترضخ للضغوط المتنوّعة التي مارسها النظام خصوصاً عبر سفيره في بيروت علي عبد الكريم علي للتراجع عن هذه التدابير، وهو تطوّر لا يُعدّ عادياً عابراً في لبنان».ومع ذلك لا تقلّل هذه الاوساط «من المخاوف والاحتمالات الخطرة التي قد يواجهها لبنان في المرحلة المقبلة والتي تتطلب مزيداً من التحصين الأمني الداخلي، لذا تُطرح تساؤلات عما يمكن ان يؤدي اليه الحراك السياسي الجاري على صعيد الأزمة الرئاسية المفتوحة من دون افق».وتقول الاوساط ان الحوار بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» الذي تُعقد جولته الثالثة بعد غد، «لا يزال في الإطار الأمني الطاغي على كل شيء ولا يبدو انه مقبل على التوغل الى الأزمة الرئاسية خصوصاً ان الفريقين يريان ان اولوية الاستقرار الأمني هي السقف الواقعي الاساسي الذي يجب ان يبقى الحوار متمحوراً حوله ما دام من الصعوبة بمكان التوافق والتفاهم على الملف الرئاسي».اما على صعيد الحوار المسيحي - المسيحي الذي يجري التحضير له بين زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، فان شيئاً لا يدلّ بعد على إمكان اختراقه الأزمة الرئاسية بتفاهم بين الفريقين القويين لدى المسيحيين قبل مرور فترة اختبار كافية للنيات والآفاق التي يرسمها كل منهما لهذا الحوار ونهاياته وأهدافه المضمرة. ولذا يثير التموْضع الحصري للأفرقاء عند السقوف الأمنية او السياسية الجانبية قلقاً من محدودية تأثيرات الحوارات وعدم اتساعها الى فتح ثغرة كبيرة في جدار الأزمة السياسية.وتحت وطأة عودة الهاجس الأمني الى صدارة الاهتمام، نجح مجلس الوزراء في تجاوُز «قطوع» ملف النفايات الصلبة اذ أقرّ الخطة الوطنية لمعالجتها الأمر الذي سحب فتيل أزمة نفايات كان من شأنها ان تُغرق شوارع العاصمة وقطع الطريق على أزمة حكومية كان يمكن ان تنشأ نتيجة التلويح بتغيير آلية اتخاذ القرار في «الحكومة الرئاسية» (قائم على التوافق الإجماعي).
خارجيات
بعد إحكام القبضة على سجن رومية وتعطيل «الصاعق» المذهبي لتفجير «جبل محسن»
«مبارزة» في لبنان بين الإنجازات الأمنية ومعاودة تحرّك الخلايا الإرهابية
02:26 ص