في مفاجأة سينمائية نالت الاستحسان، انطلقت في بيروت عروض الفيلم الإماراتي «من ألف إلى باء»، للمخرج علي فيصل مصطفى، والذي سبق له أن افتتح عروض مهرجان أبوظبي السينمائي، ليكون الشريط الخليجي الأول الذي يقدّم في الصالات اللبنانية كعرض عام، في اليوم نفسه الذي باشر انطلاقته الجماهيرية في صالات الإمارات.ويحمل الفيلم نواة طيبة لسينما ناضجة فاعلة عميقة، تعلّمت الكثير من أسس السينما في صورتها المبدعة، عبر نماذج من العالم فيها الإنسان والحقيقة وأفق المستقبل أياً تكن معالمه.ويأخذ «من ألف إلى باء» من المناخ الهوليوودي، حسن الدخول والتواصل في إيقاع سريع رشيق، يدرك ما يريد ولا يتوقف للإسراف في الكلام أو المشاهد، مدركاً أن المشاهد لا يتحمل الكثير من عبء الكلام الزائد أو اللقطات الخاوية.مباشرة يدخل الفيلم في موضوعه من خلال ثلاثة أصدقاء عرب هم المصري رامي (شادي ألفونس) والسوري عمر (فادي الرفاعي) والسعودي يوسف (فهد البتيري) يعيشون في أبو ظبي، وقاسمهم المشترك صديق لبناني يدعى هادي البتروني، قضى في الإعتداءات الإسرائيلية العام 2006 على لبنان. ولأن الأحداث تدور العام 2011، أي بداية ما سمّي بالربيع العربي، يطرح أحدهم فكرة السفر إلى بيروت بمناسبة مرور خمس سنوات على رحيل صديقهم اللبناني هادي، لزيارة ضريحه.الفكرة المفاجئة للصديقين الآخرين سرعان ما وجدت قبولاً عندهما، رغم ظروف كل منهما، واحد كذب على أمه (مها أبوعوف - والدة رامي)، وآخر ترك زوجته الشابة أروى (يسرا اللوزي)، حاملاً في شهرها الثامن. يعني أن الرحلة البرية للثلاثة تقررت رغم كل الأجواء المحيطة.انطلقوا وفق خريطة تلحظ مرورهم في السعودية والأردن وسورية، وصولاً إلى بيروت التي وصلوها بعد مفارقات عديدة، حصلت معهم في الطريق، حيث يغمز الفيلم من قناة كل بلد على حدة. فعند الحدود مع السعودية كان خوف من ضبط المشروبات الروحية بحوزتهم، لكن جندي الحدود انتبه إلى وجود تي شيرت لفريق كرة قدم إنكليزي، فنهر مواطنه يوسف عاتباً عليه كيف لا يحمل تي شيرت فريق الهلال مثلاً ليكون مواطناً صالحاً. وفي الأردن كانت محطة سياحية عند آثار البتراء حيث الأمن والأمان والسواح الأجانب ولا انتقادات في هذا الجانب، وعند الحدود السورية يصادف الأصدقاء الثلاثة قوة من الجيش النظامي بقيادة ضابط كبير (يلعب الدور خالد أبو النجا بأسلوب جيد)، يطلب من عمر الذي والده ديبلوماسي سابق يعيش حالياً في مصر، أن يتدبر له طريقة للخروج من سورية، ثم يعتقلهم فريق من الثوار (يقودهم سامر المصري في أداء موفق)، يطلب منهم إبلاغ العالم حقيقة ما يجري في سورية، في وقت كان الأصدقاء التقوا في فندق البتراء بالصبية السورية شادية (ليم ليباني- بطلة فيلم عمر لهاني أبو أسعد) وأقلّوها معهم إلى درعا.وأخيراً وصل الثلاثة إلى بيروت، وذهبوا إلى المقبرة حيث ضريح صديقهم هادي، واجتمعوا حوله وكل واحد خاطبه برسالة صداقة مختلفة.وللفيلم أكثر من رسالة يحملها أهمها، تواصل عربي بين مختلف الأقطار، وانسجام بين مختلف المعتقدات في العالم العربي، فالصديق الراحل هادي مسيحي، والغمز من قناة الأوضاع العربية السائدة، فضلاً عن كونه شريطاً سياحياً للإمارات، السعودية، الأردن، سورية، ثم لبنان حيث ترتاح كاميرا المخرج علي فيصل مصطفى لمعالم زينة الميلاد ورأس السنة في وسط البلد.خطاب الشريط راق، ذكي وعميق عربياً، مع نص جيد لمحمد حفظي، روني خليل، وأشرف حمدي.