لم تبرّد موجة الصقيع الناجمة عن هبوط الثلج على التخوم المطلّة على العاصمة بيروت، سخونة الواقع الحكومي المأزوم بسبب صراع على «النفايات»، يعكس في بعض جوانبه تململاً من أطراف سياسيين من حوار «الثنائيات» الذي يضمر التوصّل الى تفاهمات «جانبية» من شأنها التأثير على مجريات المسار السياسي العام في البلاد.ففي اللحظة التي بدت الحكومة الرئاسية «الجامعة» تواجه المأزق تلو الآخر نتيجة تراجُع حال الانسجام بين مكوّناتها، فُتحت قنوات حوار جانبية على المقلبيْن الاسلامي والمسيحي، تتناول مسائل جوهرية سياسية وأمنية، كما هو حاصل على الطاولة بين «تيار المستقبل» و«حزب الله»، وما يمكن ان يحصل بين «التيار الوطني الحر» (بقيادة العماد ميشال عون) وحزب «القوات اللبنانية» (بقيادة الدكتور سمير جعجع). وهذه المفارقة التي استوقفت الدوائر المراقبة في بيروت، تؤشر الى ان حكومة «ربط النزاع» التي تمارس ما أمكن من صلاحيات رئيس الجمهورية الذي تعذّر انتخابه منذ اكثر من 7 اشهر، لم تعد الإطار الحيوي للعملية السياسية التي انتقلت الى طاولات أخرى جانبية، وتكاد ان تفقد قدرتها على إدارة شؤون البلاد نتيجة آلية عمل تضطرها الى إصدار قرارتها باجماع الـ 24 وزيراً، هم عدد أعضائها.فبعد الخلافات المستحكمة داخل الحكومة حول ملفات كالاتصالات وسواها، يكاد ملف النفايات ان «يطمر» الحد الأدنى من قدرتها على صوغ تسويات بين مكوّناتها، وهو الامر الذي دفع برئيسها تمام سلام الى الخروج عن طوره حين اعلن في الربع الساعة الاخير من جلسة اول من امس، عن تعليق عمل الحكومة وعدم الدعوة الى اي اجتماع آخر قبل ان تفضي «الكوْلسات» الى تفاهم ينقذ البلاد من «طوفان النفايات» عبر إقرار خطة معالجة النفايات ومشروع العقود لاستدراج المناقصات من أجل تلزيم إقامة «مطامر» في مناطق عدة، ومحاولة التفاهم على تمديد تقني لـ«مطمر الناعمة» ريثما تكون الخطة الجدّية سلكت طريقها الى التنفيذ.وبعدما أعاق وزراء حزب الكتائب اللبنانية إمرار خطة النفايات التي بقيت عالقة على نقطة واحدة (تتعلق بالجهة المولجة تحديد أمكنة المطامر الدولة او المتعهّد)، بدا ان الاتصالات التي استمرّت في محاولة لإنهاء هذه الازمة تراوح بين «ضغطيْن»، الاول رفعه سلام نفسه بتجميد الجلسات والتلويح بوجوب إعادة النظر بآلية اتخاذ القرارات داخل «الحكومة الرئاسية» عبر اعتماد التصويت عوض التوافق الإجماعي، والثاني يفرضه عامل الوقت وتحديداً الفاصل عن 17 الجاري وهو موعد بدء تكدّس النفايات في الشوارع نتيجة تمسك النائب وليد جنبلاط واهالي المناطق المحيطة بقفل «مطمر الناعمة» في هذا التاريخ الى جانب انتهاء عقد شركة «سوكلين».ولم تحرف هذه الأزمة الأنظار عن الإجراءات الجديدة التي اتخذها لبنان لجهة فرض سمة للسوريين الراغبين في دخوله، وتنظيم الإقامة فيه.وكان لافتاً اعلان السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي في حديث صحافي ان «خطوة الحكومة اللبنانية في شأن دخول السوريين إلى لبنان مرفوضة بالكامل وغير قابلة للتطبيق، وهي جاءت من دون التنسيق مع الحكومة السورية، وهي خطوة غير مقبولة في العلاقات المميزة بين لبنان وسورية كون الشعبين السوري واللبناني هم في الحقيقة شعب واحد في دولتين»، لافتاً النظر الى «ان ثمة اتفاقات ثنائية بين سورية ولبنان تنظم علاقة الشعبين مع بعضهما البعض.»واذ اكد «ان لا امكانية للحلول من دون التحدث بين الجانبين»، سأل: «مَن الذي أدى بالامور الى هذا النحو؟» وسارع بالاجابة: إنها سياسة الحكومة السابقة وتصرفاتها تحت عنوان «النأي بالنفس»، داعياً الحكومة اللبنانية «الى مراجعة حساباتها، بعيداً عن المكابرة، وما عليها سوى الشروع في مفاوضة دمشق»، ليخلص الى ان «لبنان لن يتمكن من الانتصار على الارهاب من دون التنسيق مع دمشق».