بدأت السلطات اللبنانية امس بتطبيق قرار فرْض سمة (فيزا) على السوريين الراغبين في دخول البلاد، في خطوة هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين سورية ولبنان الذي يستقبل نحو مليون ونصف مليون نازح سوري لجأوا الى هرباً من الحرب في بلدهم.وجاءت مباشرة تنفيذ الاجراءات الجديدة على مختلف المعابر على وقع «إرباك» رسمي يتّصل بتسمية هذه التدابير التي تحاذر بيروت ان تطلق عليها اسم «فيزا» في حين ان الأوراق المطلوبة للسماح بدخول السوريين (بعد تحديد الغرض من الزيارة ومدة الاقامة) بموجب ما أسمته المديرية العامة للامن العام نفسها على موقعها الالكتروني بـ «السمة» هي مماثلة للأوراق التي تُطلب من الأجانب للحصول على تأشيرة دخولٍ لم يكن السوري يحتاج اليها للعبور الى «بلاد الأرز» وهو ما ينطبق على اللبناني الذي يريد دخول سورية.حتى ان هذا الالتباس أصاب السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي نفسه، اذ كان رحّب قبل ثلاثة ايام بالإجراءات اللبنانية، قبل ان يعلن اول من امس «أننا لم نبلغ سابقاً بالإجراء اللبناني بضرورة تحصيل تأشيرات دخول للسوريين»، معتبراً ان «فرض هذه السمات على السوريين ليس في مكانه» وهذا الامر يحتاج إلى تنسيق بين البلدين.وفي حين ساد الارتباك حتى شركات طيران عالمية وجدت صعوبة في الاستفسار وحتى «فهم» آلية تعامُلها مع الركّاب السوريين الذين ينتقلون على متن رحلاتها الى بيروت واذا كان بالإمكان نقْلهم وفق القواعد السابقة وذلك تفادياً لتعرّض هذه الشركات لغرامات، كرّرت مصادر لبنانية وضع الاجراءات في سياق قرار منْع المزيد من النزوح السوري و«تنظيم دخول السوريين، ووقف عمليات التشبيح التي يقوم بها بعض الموظفين على الحدود من الجهتين اللبنانية والسورية»، معلنة «اننا نطلب فقط تسجيل إجازات العمل، والإعلان عن الحجوزات داخل الفنادق في حال كان دخول الوافدين بهدف السياحة، أو إبراز ورقة خطيّة إذا كان هناك دعوة موجّهة إليهم من جهة معينة».و أوضح وزير الداخلية نهاد المشنوق ان «الهدف من الاجراءات التي اتُخذت بحق السوريين هو الحد من دخول السوريين الى لبنان إلا بهدف محدد، ومع الوقت سيتبيّن انها إجراءات جدية ستقدر ان تحقق انخفاضاً في الوجود السوري غير المبرر في لبنان، اذ لدينا الان نحو مليون ونصف مليون سوري موجودون في لبنان، بينهم مليون و170 الفاً مسجلين كنازحين، والآخرون ساكنون لا يعملون او ساكنون مع عائلاتهم في لبنان».وأشار الى ان «ليس هناك قدرة للبنان على استقبال المزيد من النازحين، والباب مفتوح للذي لديه مبرر لزيارة لبنان، او لديه مبرر للعمل، او لديه مبرر للطبابة او للتعليم بموجب وثائق تؤكد هذه الأسباب». واكد أن «الإرهابيين والمسلحين ليسوا بحاجة لسمة دخول، ولا اعتقد انهم يمرون على الحدود، ومنع الإرهابيين والاعمال الإرهابية تقوم به الأجهزة الأمنية بشكل جدي وبشكل مثابر وبشكل متابع».اما وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس فعلّق على القرار بالقول انه «لا يطلب الحصول على تأشيرة دخول من السفارة اللبنانية في دمشق، بل ستُمنح (التأشيرة) على المعابر الشرعية اللبنانية وفق الشروط التي أُعلن عنها، على أن ينظم السوري وضعه القانوني خلال شهر، عبر الحصول على إقامة عمل لمدة عام، بموجب نظام الكفالة».من جهته، أعرب المتحدث باسم المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة رون ادموند عن «تفهمه للأسباب التي تدفع الحكومات إلى تطبيق هذه السياسات»، في إشارة إلى لبنان والأردن، مضيفاً أن «هناك قلقاً لأن القواعد الجديدة لم تذكر ماذا سيحدث مع الحالات التي تواجه ظروفاً خاصة»، في إشارة إلى الأشخاص الذين يحتاجون الى حماية دولية لأسباب سياسية.

«الراي» عاينت عودة عشرات السوريين أدراجهم بعد منعهم من دخول الأراضي اللبنانية

بـ «معاينة» قامت بها «الراي» لنقطة المصنع على الحدود اللبنانية السورية، بدت باحة المغادرة من لبنان باتجاه سورية شبه خالية، فيما خط السير عند بوابة الدخول يُشعِر الزائر للوهلة الاولى بانه مقفل الا من عبور سيارات لبنانيين او سيارات أجرة سورية تقلّ ركاباً اجانب ولبنانيين.لكن نقطة الوصول وحاجز شعبة الاستقصاء التابعة لجهاز الامن العام الذي يسبق مبنى الدخول، كانا يشهدان حالة ازدحام لسوريين عابرين، وقفوا ينتظرون دورهم والتعرف على آلية دخولهم.وبدا حجم الامتعاض من الاجراء الجديد للسلطات اللبنانية عند عشرات السوريين الذين كانوا ينتظرون نساء واطفالاً وشيوخاً، في العراء في منطقة سمّيت قديماً بـ «وادي جهنّم» لشدة البرد والصقيع فيها.والجديد في القرار اللبناني انه حدد للمسموح دخولهم الى لبنان مدة قصيرة للبقاء تراوح بين 15 يوماً و48 ساعة اذا كانوا يملكون دعوات من مؤسسات او كانت لديهم اجتماعات وتابعين لشركات. اما السائقون فحُددت الفترة القصوى لهم بـ 72 ساعة، فيما حُددت للمسافرين عبر مطار بيروت المدة الزمنية الضرورية لعبورهم.عاد ملحم الدوماني من حيث اتى بعد انتظار دام نحو اربع ساعات عند نقطة الوصول كونه لم يستطع تلبية ما طُلب منه من اوراق لدخوله وعائلته الى لبنان، وقال: «أنا مو سائح وما معي مبلغ تأمين، وكمان ما عندي افادات عقارية».اما نهلا، فلم تكن تصدّق ان القرار سيؤخذ به باعتبارها ان كل الدول ممكن ان تطبق هذا الا لبنان «كون العلاقة بين اللبنانيين والسوريين تختلف عن غيرها». وقالت وهي عائدة الى دمشق: «الظاهر انو السوري محكوم عليه بالموت، نحن مش جايين سواح، اجرة السيارة بالكاد حصلناها، الشكوى لغير الله مذلة».من جهته، قال السائق «ابو شامل» ان جميع ركابه «بينهم من يحمل جواز سفر اجنبياً ومنهم لبناني، اما السوريون فلم يستطعوا الدخول»، واضاف: «اعطونا كارت خاص يحدد لنا الاقامة فقط بثلاثة ايام اي 72 ساعة».واعتبر المحامي السوري «شاهر» أن هذا الاجراء «غير منصف ولا يساوي بين الناس، بل يوجِد حالة طبقية في المجتمعات، وايضاً طريقة اعطاء المهلة الزمنية لاقامة الزائر لا تعطى بالتساوي، وانا اخذت الفيزا بموجب دعوة الى ورشة عمل، أعطوني اياها لـ 48 ساعة، انما قد لا انجز العمل في هذه المدة، ما سيضطرني للمغادرة دون اتمام ما قدمتُ من أجله».وسرت بين سوريين معارضين للنظام «تقديرات» ان هذا القرار يفيد منه النظام في اطار رغبته في الحد من حالات النزوح ولا سيما للفئة العمرية الشابة المطلوبة لخدمتيْ الالزامية والاحتياط بعدما كانت السلطات السورية أصدرت تعميماً يفرض على كل مواطن سوري عمره من 18 سنة حتى 45 سنة، أثناء مغادرته الاراضي السورية تأمين مبلغ 300 دولار في الامانة العامة للجوازات عند نقطة المغادرة، وايضا للضغط على المعارضين السوريين في خارج البلاد، للعودة الى بلادهم وتسوية اوضاعهم. وذكّر هؤلاء بانه «كان سبق هذا القرار ايضاً قرار من السلطات الجزائرية بمنع دخول اي سوري ما لم يحصل على فيزا من سفارة الجزائر في سورية. علماً ان لبنان والجزائر، كانا يسمحان للسوريين بدخول اراضيهما دون فيزا».من جهته أشار مصدر في الامن العام الى أن هذا القرار بدأ يساهم في شكل واضح بتراجع الوافدين السوريين، مشيراً الى أنه في المقابل خلّف تراجعاً في حركة المغادرة لسوريين كانوا يستسهلون تسوية اوضاعهم في الخروج والعودة، وذلك خوفاً من مغادرة لبنان وصعوبة العودة اليه.