بدأ لبنان مع مطلع السنة الجديدة بترتيب اولويات «جدول أعمال» الـ 2015 وسط مفارقة بالغة الأهمية غالباً ما تفاخر بها «بلاد الارز» وهي المتمثلة في الاستقرار النسبي الذي ينعم به لبنان القابع فوق صفيح إقليمي من الحرائق المشتعلة الممتدة من سورية الى العراق فاليمن وليبيا.فرغم «الحروب الصغيرة» الدائرة في لبنان وعليه، في السياسة والأمن، والتي أنتجت مآزق لا يستهان بها، فان تقاطعات في مصالح اللاعبين المحليين والاقليميين، أفضت الى حماية الستاتيكو اللبناني القائم على «تجميد» أزماته في انتظار اتضاح اتجاهات الريح في المنطقة لا سيما في سورية.فمن «الرأس المقطوع» للجمهورية التي مُنعت وعلى مدى أكثر من سبعة أشهر من انتخاب رئيس جديد، الى الأمن الحدودي المهزوز مع تمدُّد «داعش» على المقلب الآخر في القلمون السورية، مروراً باستمرار أزمة العسكريين المخطوفين لدى «داعش» و«النصرة»... كلها عناوين مأزومة لـ «المفكرة اللبنانية».واللافت هو صعود «نجم» الحوار في بيروت على المقلب الاسلامي (بين «تيار المستقبل» و«حزب الله») والمسيحي (بين التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية»)، الامر الذي يوحي بأن مناخاً من الانفراج يشقّ طريقه على وقع حِراك اقليمي يفيد منه لبنان وتجري محاولات «جس نبض» في ظله لاختبار إمكان إحداث اختراق يتيح انتخاب رئيس للجمهورية.ويشكل الحوار بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» التطور الأهم في سياق هذه المحاولات خصوصاً ان الطرفين اللذين يستعدان لعقد الجلسة الثانية من حوارهما في الاسبوع المقبل يُعتبران قاطرتيْ «8 و 14 آذار»، وتالياً فان من شأن تفاهمهما تعبيد الطريق امام مخارج للأزمات القائمة.وقال النائب في كتلة «المستقبل» أمين وهبي رداً على سؤال لـ «الراي» عمّا إذا باتت المواضيع التي سيتم بحثها في الجلسة الثانية للحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» واضحة: «كما هو معلوم فإن الحوار يعقد بعيداً من الأضواء»، مشيرا إلى أنه «بالنسبة لنا تم تحديد المواضيع التي نريد بحثها في الإطلالة الإعلامية للرئيس سعد الحريري، فنحن معنيون بالحديث عن خفض التوتر المذهبي في البلد بكل امتداداته الإعلامية وغير الإعلامية، والتوافق على مبدأ الرئيس التوافقي»، ومضيفاً: «أما مَن هو الرئيس فهذا يبقى ملك جميع القوى».وعما إذا كان «المستقبل» يلمس انفراجاً في الملف الرئاسي، أجاب: «نحن نتمنى ذلك»، مذكراً في المقابل بـ «أننا سمعنا منذ أيام (نائب الأمين العام لـ«حزب الله») الشيخ نعيم قاسم مبشّراً اللبنانيين بأن ليس هناك حل»، متداركاً: «لكن في تقديري انه في قضية الحوار المرء لا يبدأ بالنتائج، بل يبدأ بالحوار ويسعى للوصول إلى نتائج. ما نحن واثقون منه هو أننا متَجهون إلى الحوار بعقل منفتح وبرغبة حقيقية وصادقة في التوصل إلى بعض التوافقات أكان في موضوع التوتر الطائفي في البلد بهدف خفضه وزيادة مساحة التواصل بين اللبنانيين أو في ما يخصّ مبدأ الرئيس التوافقي». وختم: «أتمنى أن يلاقينا الفريق الآخر بالأمر نفسه».وفي موازاة ذلك، تشير كل المعطيات الى اقتراب موعد انعقاد اللقاء المنتظر بين القطبيْن المارونييْن جعجع، مرشح 14 آذار للرئاسة، وعون مرشح 8 آذار، وسط انطباع بصعوبة تفاهُم الرجلين على مخرج للاستحقاق الرئاسي يتبناه الحلفاء المسلمون لكل منهما، وذلك في ضوء تمسك عون بعدم الانسحاب من المعركة لمصلحة مرشح توافقي، وإن كان الرجلان سيسعيان من خلال اجتماعهما الى تنظيم اختلافاتهما وتنقية الأجواء والتفاهم على ما أمكن من ملفات يمكن ان يفيد منها الوضع المسيحي، وهو ما تم التمهيد له من خلال إسقاط الدعاوى القضائية من الجانبين التي كانت مرفوعة ضد وسائل اعلام وصحافيين.واكد نائب «القوات اللبنانية» فادي كرم في اتصال مع «الراي» أن الحوار «بين الدكتور جعجع والعماد عون في طور التقدم والإيجابية»، آملاً أن تكون شروطه أصبحت مستوفاة كي يتم.وأكد أن «الأولويات بالنسبة إلى القوات هي تقوية مؤسسات الدولة وحماية حدود لبنان وترسيمها والابتعاد عن نظرية وجود أمنيْن في لبنان ووجود دولة ودويلة، وتسليم الجيش اللبناني كامل صلاحيات الحفاظ على الأمن على الحدود وفي الداخل اللبناني»، مشيرا إلى أنه «من هذه المنطلقات نتباحث والعماد عون، لأن قوة المسيحيين في لبنان هي من قوة الدولة اللبنانية، وهناك بالطبع أمور كثيرة تجمع الفريقين في نظرتهم، ولكن هناك فوارق سياسية ما زالت موجودة ونعمل على تذليلها شيئاً فشيئاً للوصول إلى شيء مشترك، فيكون اللقاء حينها في مكانه».