استولى تننظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) على الحيز الأكبر من الإعلام والأضواء لتَوسُّعه وتَمدُّده وإعلامه القوي وبشاعة تصوير القتل الجماعي لكل معتقل من القوات الأمنية بقطْع الرؤوس، الا انه لا يمثل التيار السلفي الجهادي الوحيد المسلّح والحاضر بقوة على الساحة السورية، وإن كانت دمويته لم تقف عند حدود القوات الأمنية بل ذهبت الى قتل كل من يعاديه او لا يعلن الولاء له، وحتى من التنظيم الذي يملك نفس المذهب والأفكار والخط والهدف اي «جبهة النصرة».في منتصف العام 2011، أرسل أمير «الدولة الإسلامية في العراق» أبو بكر البغدادي 9 من قادة التنظيم مع المال والرجال لتأسيس قاعدة لهم في سورية أُطلق عليها اسم «جبهة النصرة». وقد أعلنت عن حضورها بقوة في 27 ديسمبر من العام نفسه بعمليات نوعية في دمشق وانتشرت من بعدها في ادلب ودير الزور والرقة وحمص وركزت عملها على مداخل الريف السوري لتتفادى المدن الكبرى، وقدّمت المساعدات الغذائية والأمن والدواء في المناطق النائية ليقوى عصَبها وتواجُدها وتصبح جزءاً لا يتجزأ من الشعب السوري بقيادة أميرها ابو محمد الجولاني يعاونه المسؤول الشرعي ابو ماريا القحطاني.استطاع الجولاني استيعاب كل الفصائل السورية المعارِضة دون ان يطلب منهم الاندماج، فغضّ النظر عن أخطائهم وممارساتهم وعامَلَ جميع الأطراف معاملة حسنة ودفع بأفضل محاربيه الى الخطوط الأمامية وقام بعمليات عسكرية مدروسة وعمليات انتحارية هزت النظام السوري ودفعته الى التراجع في مناطق عدة. الا ان تعاظم شعبية الجولاني ومعرفته بالداخل السوري دفعت بأميره (السابق) البغدادي الى الطلب منه إعلان الاندماج في تنظيم واحد وتبعيته الى «تنظيم الدولة»، ولكن الجولاني طلب التريث فما كان من البغدادي في ابريل 2013 الا الاعلان عن الاندماج وهذا ما رفضه الجولاني الذي احتكم الى امير الاثنين، امير «القاعدة»، الشيخ ايمن الظواهري الذي أمر بإبقاء كل تنظيم في مكانه، فما كان من البغدادي إلا ان أرسل قوة الى سورية لاستعادة عرش الشام وبدأ القتل والقتل المضاد بين أميرين خالف كل منهما بيعة اميره، فالجولاني عصى أوامر أميره البغدادي الذي سلخ نفسه عن بيعته الاصلية لأمير «القاعدة»، ما شق عصا المجاهدين، المهاجرين والأنصار، وقتل بعضهم بعضاً.وعندما أعلنت اميركا انها وضعت «جبهة النصرة» في 10 ديسمبر 2012 على لوائح الارهاب، ردّت أحزاب ومنظمات المعارضة السورية «كلنا جبهة النصرة»، ولكن في ديسمبر 2014 وبعد سنتين تماماً أُعلنت الحرب وأعلن الظواهري طرد «الدولة الاسلامية في العراق» من تنظيمه وسقط الآلاف من الطرفين مع العلم ان البغدادي والجولاني يسعيان لإعلان الخلافة وهما على نفس المنهج ويدعوان لإقامة شرع الله وإقامة إمارة إسلامية ويقفان ضد المشاريع العلمانية، الا ان «النصرة» اندمجت مع المجتمع السوري، اما «داعش» فقتل كل مَن خالفه.ومع بدء الضربات الجوية، اعتقد الجميع أن كل القوى ستستهدف «داعش»، الا ان التحالف ضرب «النصرة» ايضاً ما دفع الجبهة الى ارسال امير جيش المهاجرين والانصار صلاح الدين الشيشاني باسمها واسم الجبهة الإسلامية الشهر الماضي للتفاوض مع «داعش» لوقف الاقتتال ولا سيما ان النظام يتقدم على حساب الجميع في حلب وفي الغوطة ويحاول وصل حندرات بنبل والزهراء، الا ان الجواب أتى واضحاً ومسجلاً من قبل «داعش» وهو يصف «النصرة» والجبهة الاسلامية بانهم «كفار لا عهود لهم».واليوم تجد التنظيمات الجهادية نفسها في وضع لا تُحسد عليه، فـ «داعش» يحارب العالم ويحاربه العالم، وتنظيم «النصرة» يقاتل «داعش» وتنظيمات اخرى معارضة ويجتمعان فقط خوفاً من النظام، الا ان الدولاب بدأ بالتغير الى اتجاه آخر، فالمعارضة التي تدعم «النصرة» تجد نفسها في موقف حرج اذ بينهم مَن يريد القبول بمبادرات دولية (مثل مبادرة دي ميستورا في حلب) ولكن يصطدم هؤلاء برفض «النصرة»، ومنهم مَن قضي عليهم تقريباً مثل «جبهة ثوار سورية» بزعامة جمال معروف التي كانت على تناغم دائم مع «النصرة» سابقاً، ومنهم مَن يرى في تواجده مع «النصرة» مثل الزواج الموقت خوفاً من قوة النظام، ومنهم مَن يرى في «النصرة» حجر عثرة امام دعم الولايات المتحدة لهم في المستقبل، وكذلك «النصرة» تجد نفسها تخسر العشرات من أبنائها لينضم هؤلاء الى تنظيم «الدولة» الأغنى.ومن هنا فان وضع «النصرة» في 2015 هو على المحك ولا يبشر ببقائها على قوتها، وها هي تتعرض للامتحان في القلمون وسط انتشار وتمدُّد «داعش»، وكذلك تشتبك مع «اخوة الامس» من «لواء شهداء اليرموك» في محيط درعا، وكذلك الحال في الغوطة - دمشق والارياف الشمالية السورية الاخرى، الا ان من الواضح ان الرعيل الاول من «القاعدة» وكذلك عدد كبير من الرعيل الثاني لم يقض على يد التحالف الاميركي - العربي - الغربي او على يد النظام السوري بل قضى معظمه على يد السلفية الجهادية نفسها.