«مصائب قوم عند قوم فوائد»... مقولة تصح حتى في هبوط أسعار النفط، ففي حين يشكل هذا الأمر كارثة للعديد من الدول المنتجة للنفط ومنها الكويت، يشكل الأمر «بشرى سارة» للعديد من الدول المستهلكة.لبنان على سبيل المثال لا الحصر، واستنادا الى الأرقام الرسمية، بلغت قيمة ما استورده هذا البلد الصغير والمدين في العام 2013 من المشتقات النفطية نحو 6.5 مليارات دولار، ونتيجة تراجع سعر برميل النفط عالميّا بأكثر من 40 في المئة منذ مطلع العام، من المتوقّع أن يحقّق ميزان المدفوعات اللبناني وفراً بحلول نهاية العام الحالي بنسبة قد تصل إلى 20 في المئة من الكلفة الإجمالية لفاتورة الاستيراد النفطية، أي إن عجز ميزان المدفوعات قد ينخفض هذا العام بما بين 975 مليون دولار و1.3 مليارات دولار، إذا اعتبرنا أن قيمة الفاتورة النفطية للعام 2014 تساوي قيمة فاتورة 2013.أما في ما يتعلق بالتداعيات الإيجابية المباشرة لتراجع أسعار النفط عالميا على القدرة الشرائية للمواطن اللبناني، فتتمثل بتراجع واضح لأسعار المشتقات النفطي، أي كل من البنزين والمازوت والديزل اويل، لاسيما وأن أسعار المشتقات النفطية في السوق اللبنانية تراجع بأكثر من 30 في المئة منذ مطلع تموز الماضي، حيث انخفض سعر صفيحة البنزين (95 اوكتان) من 35200 ليرة (نحو 24 دولاراً) الى أقل من 27000 ليرة (18 دولاراً تقريباً).وعلى وقع استمرار تراجع الأسعار، يُنتظر في الاسابيع المقبلة أن يصبح سعر صفيحة البنزين (95 أوكتان) بمستوى 25 الف ليرة، وهذا الأمر لم يحصل منذ نحو 10 أعوام تقريباً، وهذا الأمر ينعكس بطبيعة الحال على القدرة الشرائية للمواطن، الذي يستفيد مما يوفره من فاتورة البنزين لشراء حاجيات أخرى.عجاقةمستشار وزير الاقتصاد والتجارة في لبنان البروفسور جاسم عجاقة توقع عبر «الراي» أن تستمر أسعار النفط في الهبوط حتى تصل إلى عتبة الـ 55 دولاراً، ومبيناً أنه في لبنان يوجد «كارتل» نفط مسيطر على الوضع، وعندما كان سعر البرميل 110 دولارات وصل سعر صفيحة البنزين إلى نحو 25 دولاراً، واليوم هبط سعر البرميل من 110 الى أقل من 60 دولاراً، واصبح سعر الصفيحة بنحو 18 دولاراً، ما يعني أن الهبوط ليس متوازياً.وعن السبب في ذلك أجاب «تسعيرة البنزين في لبنان يتم وضعها عن ثلاثة أسابيع ماضية، ولذلك سيتأخر تغيير سعر الصفيحة، متوقعاً أن تنخفض الأسعار في لبنان حتى لو توقف سعر البترول العالمي عن الهبوط، إذ سيستمرّ سعر المحروقات بالانخفاض من الآن إلى ثلاث أسابيع مقبلة».واستطرد: «إذا توقف سعر البترول على عتبة الـ 60 دولاراً قد تصل صفيحة البنزين في لبنان إلى 17 دولاراً، أما إذا استمر بالهبوط وهناك احتمال أن يستمر في ذلك لأسباب سياسية أميركية - سعودية، عندها بالتأكيد سيهبط أكثر من ذلك».وأكد أن هبوط سعر البترول أمر مهم جداً بالنسبة إلى الاقتصاد اللبناني، لافتاً إلى أن لبنان يدفع نحو 6 مليارات دولار سنوياً كلفة حرارية بين مشتقات نفطية لشركة الكهرباء، ولاستخدام السيارات والمنازل من مازوت وغاز وكاز وغيرها، فإذا انخفضت الأسعار بنحو 40 في المئة، فبالتأكيد سيؤثر ذلك بشكل إيجابي.وشرح«المعلوم أن شركة كهرباء لبنان تحتاج كل عام الى مليار ونصف مليار دولار من الدولة، ونحن نعلم أن 70 في المئة من التكلفة على شركة الكهرباء تصل بالفيول، فتكلفة الكيلوواط هي 70 في المئة فيول، ما يعني أن التوفير من هذا الانخفاض يقارب الـ 250 مليون دولار في السنة، وإذا استمرت العملية قد نصل إلى توفير 700 مليون دولار، وهذا شيء جيد لأن الأموال التي يتم توفيرها ستسمح باعادة ضخها داخل الماكينة الاقتصادية اللبنانية».ويشير إلى العامل المترابط مع انخفاض سعر النفط اي زيادة قوة الدولار، ويقول«بما أن الدولار قوي من الأساس وبما أن غالبية ما نستورده هو من منطقة اليورو، ما حصل أننا أصبحنا نحتاج الى دولارات أقل لاستيراد الكمية ذاتها التي نستوردها الآن، وتالياً العجز في الميزان التجاري سينخفض بسبب تحويلات النفط حيث سندفع أقلّ للنفط لذات الكمية».وعما إذا كان من الممكن أن يشهد لبنان انخفاضاً في أسعار النقل والسلع الاستهلاكية أجاب:«لا اعتقد، لأنه بالنسبة للبنانيين هذا أمر عابر، فاللبناني يؤمن بالسوق التصاعدية لا «الهبوطية»، ولذلك سيكون هناك تحفظ من السوق على خفض أسعارها».وأضاف«أما لماذا هبطت اسعار المحروقات في لبنان، فالسبب يعود إلى الضغط على شركاتها في لبنان من خلال وضعهم تحت المهجر بأن الأسعار العالمية انخفضت فلماذا أسعاركم لم تنخفض؟ لكن اذا نظرنا إلى وضع المولدات مثلاُ فهو لم يتغيّر بشيء وما زلنا ندفع الفاتورة ذاتها، أي أن أسعار البنزين هبطت 40 في المئة وكلفة المولدات، في تكلفتها، هي بما يقارب 80 في المئة منها فيول ومع ذلك لم تنخفض فاتورتها، وتالياً هناك رفض لخفض الأسعار لكن على الأمد الطويل قد نشهد ذلك».الحاجمن جانبه،اعتبر رئيس قسم الاقتصاد في صحيفة «السفير»اللبنانية عدنان الحاج في حديثه لـ «الراي»، أن«فاتورة لبنان النفطية تصل الى عدة مليارات دولار سواء للكهرباء أم لسوقه الداخلية». وقال«انخفاض أسعار النفط ينعكس على ميزان المدفوعات الذي كان يسجل عجزاً يصل إلى ملياريْ دولار سنوياً، لذلك فات تراجع أسعار النفط قد يؤدي إلى تقلص في عجز ميزانه، حيث إن كلفة الكهرباء وعجزها سيتراجع».وعن الانعكاسات على الوضع المعيشي للبنانيين، لفت إلى أن من المفروض لهذا الانخفاض أن ينعكس على بدلات النقل بشكل تدريجي، لكن هذا لن يظهر إلا بعد وقت، لأن النقل في لبنان في غالبيته نقل خاص.وفيما يتعلق بالسلع الاستهلاكية أوضح أن «لبنان يعتمد على السلع الاستهلاكية المستوردة من الخارج بنسبة 82 في المئة، ومع ذلك يمكن للإنتاج المحلي والإنتاج الزراعي أن يشهدا تراجعاً في الأسعار لكن ليس الآن بل بعد أشهر، شرط أن يبقى سعر برميل النفط ثابتاً على ما هو عليه الآن».وأضاف «تكلفة الإنتاج الصناعي يمكن أن تتأثر وتتراجع، وهذا الأمر يمكن أن يظهر في تكلفة الإنتاج المحلي في السوق الداخلية في ما يخص بعض الصناعات الاستهلاكية الضرورية، كبعض صناعات الملابس والصناعات الورقية وغيرها.مَن يسعّر النفط في لبنان هي وزارة الطاقة، اذ توجد سلعتان تسعرهما الدولة هما النفط والرغيف، بالتالي يجب بحسب الحاج أن«ينعكس انخفاض سعر برميل النفط على أسعار المازوت والرغيف من جهة، وأسعار السلع اليومية من جهة اخرى»، وتابع:«يجب ملاحقة السلع التابعة، هذه السلع ليس للدولة القدرة على خفض أسعارها فوراً، وهي تحتاج الى فترة معينة، إذا كانت هناك منافسة في لبنان».الجميلأما رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل فاعتبر في حديث لـ«الراي»، أن«لانخفاض أسعار النفط تأثيرين على القطاع الصناعي»، وقال «التأثير المباشر يظهر من خلال أكلاف الإنتاج التي تساعد على أن تكون الصناعة تنافسية أكثر، كون هناك العديد من القطاعات التي تتأثر بأكلاف الطاقة في لبنان».وأضاف«هناك انعكاس لا نعلم تأثيره على اقتصاديات دول الخليج التي هي أسواق رئيسية للصناعات اللبنانية»، متسائلاً:«هل انخفاض أسعار النفط يؤثر على استيراد دول الخليج؟ وهل يؤثر على حركة الأسواق لديهم؟ لأن ذلك ينعكس على حركة صادراتنا».انخفاض الأسعار على المنتوجات الصناعية يحتاج الى وقت فـ«أسعار المواد الصناعية لم تكن ترتفع كلما ارتفع سعر برميل النفط، كون الأسعار تنافسية والارتباط ليس مباشراًبحسب الجميل».وبالأرقام شرح أن «أكلاف الطاقة في لبنان تشكل 5.7 في المئة من سعر بيع 4000 مؤسسة، هذه الاحصائيات لــ «اليونيدو» مع جمعية الصناعيين ووزارة الصناعة، وفي بعض القطاعات تصل هذه النسبة الى 30 في المئة، وهذه القطاعات قليلة لكن مهمة، وهي التي ستستفيد من انخفاض سعر الطاقة، لكن المجمل العام لا يتأثر مباشرة بأكلاف الطاقة».