مع دخول التعديلات على قانون هيئة الأسواق التي يرعاها نائب رئيس الوزراء وزير التجارة والصناعة الدكتور عبد المحسن المدعج، والتي تأتي استجابة لمطالبات نيابية ناقمة على مجلس المفوضين السابق، إلى مراحل صياغتها النهائية، فتحت نقاشات واسعة بين مؤيد ومعارض حول الحاجة إلى تضمين القرار النهائي للتعديلات سقفا رقابيا لـ «الهيئة»، وضم ميزانيتها إلى البيان الختامي للدولة مثل بقية ميزانيات الهيئات والجهات الحكومية.وفي هذا الخصوص سعت «الراي» إلى استشراف الآراء المسؤولة بخصوص هذه المسألة، للتعرف على أسباب سخونة معركة الصلاحيات، وإلى ماذا تقود استقلالية «الهيئة» في حال أبقت التعديلات المرتقبة على ممارسة الصلاحيات نفسها المطبقة في الوقت الحالي؟ ولماذا يعتبر مسؤولو «الهيئة» التخفيف من استقلاليتها قيودا ستفرض على عملها؟في البداية كشفت الاتصالات التي اجرتها «الراي» ان قناعة مسؤولي «الهيئة» تدعو إلى ضرورة المحافظة على الاستقلالية الممنوحة وعلى تصنيف ميزانيتها الحالي، بما يحفظ كامل الصلاحيات التي اقرها قانون تأسيسها، حتى تتمكن من بناء سوق منظم وفعال وشفاف يتنافس مع اسواق المنطقة في إستيعاب رؤوس الاموال.ويأتي الانقسام حول استقلالية «الهيئة»، ودور القانون الأصلي على عمليات التداول الاستحواذ والمضاربات في البورصة وتأثيره على قيم التداول اليومية، في الوقت الذي يضرب اللجنة العامة لتعديل القانون تباينا بخصوص التوصل لاتفاق حول صياغة تعريف واحد لماهية الاستقلالية، حيث اتفقوا على الحفاظ على استقلالية عمل «الهيئة» لجهة عدم وضع مستويات جديدة من الرقابة الإدارية عليها من قبل وزير التجارة، الا ان مواقفهم بخصوص تصنيف ميزانيتها تباينت بين مؤيد لابقائها على وضعها الحالي، ومعارض يدعو إلى جمعها مع الميزانية العامة.ويرفض مسؤولو «الهيئة» التهم الموجهة إلى مجلس المفوضين بانه يسعى من وراء تمسكه بكامل الاستقلالية التي منحها قانون تأسيس «الهيئة» له دون القبول بتغييرها، إلى تعزيز سيطرته الرقابية على الشركات، ومن ثم الحفاظ على كشخة صلاحياته الواسعة، فيما وصفت هذه الاتهامات بأنها غير منطقية، وتفتقد للرؤية الواسعة التي أراد المشرع تعزيزها في قانون تأسيس سوق الكويت للأوراق المالية قبل 30 عاما.وقالت المصادر ان قوانين هيئة الأسواق يتعين ان تكون متقدمة بعشرات السنوات، لكي تتمكن من مواكبة دينامكية التطورات التي تحصل فيها بشكل مستمر، أما الحاجة الحقيقية في الحفاظ على استقلاليتها فياتي لتفادي المخاوف من ان تدخل قرراتها مرحلة البيروقراطية والعجز الروتيني، وبالتالي تعجز عن القيام بدورها كما مقدر لها في محاكاة الاسواق العالمية. وأضافت ان استقلالية «هيئة الأسواق» ليست بدعة، لكنها مفهوم، وعند النظر إلى جميع القوانين التي صدرت لتطوير البيئة الأقتصادية في السنوات الاخيرة والتي تضمنت إنشاء هيئات أو مؤسسات لإدارتها واجهت التأخيرفي عملها بسبب تقيدها بالروتين الحكومي، وهنا يكون السؤال «هل نسحب قانون (الهيئة) على هذه القوانين لجهة الاستقلالية ونحن نعلم سلفا أننا اذا فعلنا ذلك نكون قررنا إدخال السوق مرحلة العجز والتخلف عن المواكبة» ووقتها تكون مطالبتها بسرعة تطوير وتنظيم السوق الكويت بما يوازي هامش إستقلاليتها.وبينت ان الضغوط المتنامية من مجلس الأمة ومن بعض وحدات مجتمع الأعمال لتقليص نفوذ «الهيئة» وضم ميزانيتها إلى البيان الختامي للدولة لن تفيد عمليات تنظيم وتطوير سوق الكويت للأرواق المالية، وإن أي صيغة قانونية جديدة في هذا الصدد ينبغي أن تساعد الناظم الرقابي على إحداث النقلة النوعية لسوق الأسهم، والا سيعود سوق الكويت للارواق المالية دورة تنظيمية كاملة إلى الخلف.وتؤكد المصادر الداعمة لمبدأ الحفاظ على صلاحيات «الهيئة»، بانه يتعين ان تترك الاستقلالية كما حددها القانون، والاكتفاء بالرقابة اللاحقة على ميزاينتها، وهو ما يعارضه البعض على أساس ان عدم وضع عقال رقابي لـ «الهيئة» سيجعل تصرفات «الهيئة» منفلتة باسم الاستقلالية، ما قد يؤدي إلى تهيئة مناخ يحجب المسؤولين عن المحاسبة وبالتالي الوقوع في اخطاء إدارية ومالية قد تؤدي إلى نتائج كارثية.واستدلت المعارضة، بقرار مجلس المفوضين السابق الخاص بتكوين مستويات عالية من الاحتياطات تبلغ 800 مليون دينار، وبالطبع جاء هذا القرار بناء على وجهة نظر المفوضين السابقين، رغم أن العديد من الجهات ذات العلاقة بالسوق رأت ان الرقم المستهدف تكوينه مبالغ فيه إلى أبعد الحدود، كما انه غير منطقي نظرا لأن أقصى ما قد تحتاجه «الهيئة» مستقبلا من هذا الرصيد الكبير هو مقابلة تعويض مالي قد تطالب به احدى الشركات في حال حصلت على حكم تعويض لها ضد «الهيئة» على خلفية تضررها من قرارات لـ «الهيئة»، وهي مبالغ تكون عادة سيطة ويمكن اطفاؤها بسهولة من خلال الرسوم المحصلة بكل سهولة.ويستدل المعارضون في هذا الخصوص بالقرار المتعلق بالرسوم، حيث يرون ان «الهيئة» استخدمت الاداة القانونية في تحديد الرسم سبيلا لتدعيم مواردها المالية، ما خالف رغبة الشرع في ان الرسم يتعين أن يكون في حدود الخدمة المقدمة، مع العلم ان اقصى رسم مفروض في الاسواق المجاورة يقارب الفي دينار، في حين يصل رسم الترخيص لشركات الوساطة إلى 100 الف دينار ونصف مليون لشركة المقاصة!نقطة اخرى اثارها المعارضون للاستقلالية المطلقة، وتتعلق بسعي المفوضون إلى تثبيت حقهم دون غيرهم في عزل المفوض، وهو ما رفضته المحكمة الادارية عندما نشب خلاف بين مجلس المفوضين السابق ووزيرة التجارة والصناعة السابقة اماني بروسلي عندما أقر مجلس الوزراء عزل 3 مفوضين بناء على طلب الوزيرة، حيث اعترض المفوضون وقتها مستندين إلى قرارهم القاضي بان يكون قرار العزل يبدهم فقط، الا ان المحكمة الادارية قالت «ان هذا القرار باطل لأن فيه تعارض مصالح واضح».ويتساءل اصحاب هذا الرأي، لماذا يصر المفوضون بأن يكونوا اوصياء على رقابة السوق دون ان يكون هناك مستوى رقابي أعلى مثلما هو مطبق مع جميع الأنظمة الرقابية الاخرى، واذا كانت الذريعة في هذا الخصوص، الرغبة في تحييد «الهيئة» وعدم اقحامهما في اي صراعات سياسية مستقبلا بما يضمن نزاهة قراراتها.
اقتصاد
استقلالية «الهيئة» ... بين مطرقة الرقابة وسندان تكبيل حركة المفوّضين
12:53 م