أثار الكشف، امس، عن تمكُّن مخابرات الجيش اللبناني من امرأة تردد انها احدى زوجات زعيم تنظيم «الدولة الاسلامية» ابو بكر البغدادي وابنته، قرب الحدود اللبنانية مع سورية، اهتماماً واسعاً، ولا سيما لجهة معرفة التداعيات المحتملة لهذا التوقيف على ملف المخطوفين العسكريين اللبنانيين لدى تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة».وبدت ظروف توقيف المرأة، التي أشارت معلومات في بيروت الى انها سجى الدليمي، العراقية التي أطلق سراحها في صفقة راهبات معلولا في مارس الماضي، غامضة في ظل تعدُّد الروايات حولها، ولا سيما منها ان القبض عليها مع ابنتها حصل بفعل تلقي الجهات الاستخباراتية اللبنانية معلومات من جهات غربية، في وقت تحدّثت روايات اخرى عن عمليات رصد أمنية داخلية مكّنت الجيش من تحديد مكان الدليمي في منطقة شمالية قريبة من الحدود، وأنها ذات جنسية سورية، وابنتها لا تتجاوز العاشرة من العمر.وجاء هذا التطور، وسط تصعيد واسع في ملف العسكريين المخطوفين، وضع البلاد برمّتها امام مشاهد دراماتيكية باتت تتكرر بوتيرة شبه يومية، على وقع تهديدات جبهة «النصرة» بإعدام الدركي المخطوف علي البزال، ومن ثم التراجع عن تنفيذ التهديد وإبقائه سيفا مصلتاً على الحكومة وأهالي المخطوفين.ولعل المفارقة البارزة التي سجلت، امس، تمثّلت في تجنّب غالبية المعنيّين بملف المخطوفين، سواء أكانوا وزراء ام مسؤولين أمنيين وعسكريين، الخوض مسبقاً وعلناً في أيّ تكهن، عن تأثير توقيف زوجة البغدادي وابنه على الملف العالق منذ 4 أشهر تماماً.ولكن لم يكن خافياً، ان هذه الخطوة زادت الأمل في إمكان تحقيق صفقة تبادُل ومقايضة، ربما تكون شروطها صارت أفضل بكثير للجانب اللبناني، أقلّه في المفاوضات المحتملة مع «داعش» تحديداً. ومن دون استباق التطورات، رجحت أوساط متابعة للملف عبر «الراي» ان يكون توقيف الدليمي عاملاً مساعداً جداً للبنان في تقليص المطالب التعجيزية للخاطفين، مقابل إطلاقها بأثمان اقل مما كان يخضع له الجانب اللبناني، خصوصاً اذا أفضت التحقيقات الجارية مع الدليمي وابنتها الى امكان عدم احالتهما على الاجراءات القضائية المتبعة، بما يبقي هامش المقايضة بهما مع العسكريين المخطوفين لدى «داعش» مفتوحاً وسهلاً لا تقيّده هذه الاجراءات.وتَرافق كشف توقيف «الصيد الثمين» الذي تشكّله الدليمي وابنتها، مع تطورين يفترض ان يعززا ايضاً أوراق القوة في يد الجانب اللبناني في تفاوُضه في ملف العسكريين الاسرى وهما:* التقارير عن توقيف الأجهزة الأمنية اللبنانية زوجة المسؤول في «النصرة» أنس شركس الملقّب بـ «ابو علي الشيشاني».* كشْف جهاز الامن العام اللبناني، رداً على تقارير اتهمته بانه ساعد «حزب الله» في مفاوضاته لإطلاق احد عناصره الذي كان أسيراً لدى «الجيش السوري الحر»، ان رئيس المجلس العسكري للجيش الحر في القلمون العقيد عبد الله حسين الرفاعي «لا يزال موقوفاً في الأمن العام بعد احالته اليه من الجهات القضائية المختصة»، مؤكداً انه «على عكس كل ما نشر فإنّ مصير العقيد المنشقّ الرفاعي مرتبط بمجرى المفاوضات الهادفة الى اطلاق العسكريين المخطوفين».ونفت المديرية العامة للامن العام تبعاً لذلك «ما تناقلته بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، من ان المديريّة سلّمت الرفاعي إلى «حزب الله» لمقايضته وشخصين آخرين موقوفين لديه، لتحرير المواطن اللبناني عماد عيّاد من الجيش المذكور، مؤكدة ان ملف الرفاعي»لا علاقة له بعملية المقايضة التي جرت بين «حزب الله» و«الجيش السوري الحرّ».ومن هنا أعربت الاوساط المواكبة لقضية الاسرى عبر «الراي» عن اعتقادها ان خلية الازمة الحكومية ستعقد اجتماعاً طارئاً حال عودة رئيس الحكومة تمام سلام من زيارته الحالية لبروكسل، للنظر في كل التطورات التي تعاقبت في هذا الملف. علماً ان تداعيات سلبية للغاية برزت في الأيام الاخيرة بفعل تناقضات وزارية وسياسية وحتى مذهبية طفت على سطح هذا الملف، وباتت تضغط بقوة على الحكومة لمعالجتها بسرعة.ومن هذه التداعيات ان القناة التفاوضية اللبنانية بدت متعددة الأطراف وموزعة تبعاَ للانتماءات الطائفية والسياسية والحزبية، الأمر الذي أثار غبار حساسيات متصاعدة عقب انتقادات دأب على توجيهها النائب وليد جنبلاط الى وزارة الداخلية، فيما يأخذ آخرون على جنبلاط انه يمسك بطرف من هذه التوزيعة عبر الوزير وائل ابو فاعور الذي يجري اتصالاته بالشيخ العرسالي مصطفى الحجيري الذي يتوسط مع «النصرة» ما يشكل «دوبلة» على المفاوض الرسمي المكلف من الحكومة وهو المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم. كما ان ما جرى مساء الإثنين الماضي، من تهديدات أطلقها آل البزال بحال تمت تصفية العسكري علي البزال، واقترنت بقطع طرق في البقاع الشمالي ومن ثم حضور احد المشايخ الشيعة المحسوبين على «حزب الله» الى مكان اعتصام أهالي العسكريين في وسط بيروت، أوحى بأجندة اخرى ذات بُعد مذهبي وحزبي معين.وتشير الاوساط الى ان هذه البلبلة الخطيرة انعكست بشكل سلبي كبير وخطير على صورة المفاوض اللبناني، اذ مكّنت الخاطفين من التلاعب والضرب على أوتار الضعف التي برزت لديه، بحيث لم يعد مقبولاً ولا ممكناً الاستمرار في هذا الواقع. وتبعا لذلك سيتعين على الحكومة ان تعيد تصويب الامور وحصر القناة التفاوضية وفق معايير ثابتة يتولاها ابراهيم، الذي سيكلف التفاوض المباشر مع الجهات الخاطفة، والذي تردد انه سيقوم بزيارة جديدة لدمشق في اليومين المقبلين، استعداداً للمفاوضات المباشرة، باعتبار ان لدى الخاطفين مطالب تتعلق بإطلاق عشرات السجناء والسجينات من السجون السورية مع عشرات الموقوفين الاخرين في لبنان.كما برز في سياق اعادة الاعتبار للوساطة التي تتولاها قطر في ملف العسكريين عبر السوري احمد الخطيب، الاتصال الذي أجراه الرئيس سلام بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حيث تمنى عليه «تفعيل الوساطة القطرية لمساعدة الحكومة اللبنانية على تحرير العسكريين ورفع المعاناة عن اهاليهم».وفيما اعرب امير قطر للرئيس سلام عن «اهتمامه الشديد بمساعدة لبنان واللبنانيين في هذه المحنة»، ابلغ الرئيس سلام انه «سيعطي تعليمات فورية للمولجين بهذا الملف بمتابعته واجراء الاتصالات اللازمة».
خارجيات
عبر سجى الدليمي وعقيد في «الحر» وزوجة قيادي في «النصرة»
لبنان انتقل إلى مرحلة «الهجوم» في المفاوضات لإطلاق عسكرييه
11:27 م