«... صباح الوداع». هكذا كان يوم لبنان الذي أخذ امس بـ يد «شحرورته» التي «رجعت ع ضيعتها والأرض اللي حبّتها» في نعش مرفوع فوق قوسٍ من الفرح امتدّ من مكان اقامتها في الحازمية، الى مكان تشييعها في وسط بيروت، وصولاً الى مكان مواراتها في الثرى في بدادون (المتن).بـ «فائض» من الحب لـ «اميرة الشمس» التي بقيت على مدار نحو سبعين عاماً نجمة كل صباح، ودّع لبنان الرسمي والشعبي ومعه العرب «الشحرورة» التي غرّدت امس للمرّة الاخيرة وهذه المرّة على كل شفة ولسان... جموع وموسيقى وفرق دبكة وطبول وورود وزغاريد من كل حدب وصوب كانوا على الموعد في يوم الوداع الكبير.لم يكن هذا الوداع يشبه غيره، فلبنان بدا امس وكأنه في «عرسٍ»، يزفّ وردة «الزمن الجميل» التي عاندت الزمن وأوصت ان يكون رحيلها «يوماً ابيض» للفرح الذي لطالما كانت سفيرته رغم حياتها المليئة «بالورود والأشواك».عملاقة «الأيام الذهبية» أبت الا ان يكون غيابها صاخباً ومليئاً بالسوابق مثل حياتها التي ملأت الدنيا وشغلت الناس وطبعتها بأكثر من 3 آلاف اغنية و83 فيلماً و27 مسرحية... ففرقة الجيش اللبناني وبطلب خاص من قائد الجيش العماد جان قهوجي تولّت وللمرة الاولى في تاريخها مواكبة جنازة فنان وعزفت في وسط بيروت في استقبال جثمان «الصبوحة» (الذي وصل بسيارة بيضاء مكللة بالورود) وعلى مدى مراسم الجنازة اجمل الاغنيات التي قدّمتها للمؤسسة العسكرية وصارت بمثابة أناشيد ومنها «تسلم يا عسكر لبنان»، «يسلم لنا لبنان»، «مجدك باقي» و«عامر فرحكم» و«صبوا فوقك النار».ولم يكن الوصول «عامراً» بفرح الموسيقى فحسب وفرق الدبكة التي قدّمت «رقصة الوداع»، بل ايضاً بالتصفيق الحارّ الذي علا مع إطلالة صباح في نعشها وبالزغاريد التي حملت الف تحية وتحية لكبيرة من بلاد الأرز هوت عن 87 عاماً، والتحفت علم لبنان الذي لطالما غنّت له وتغنّت به «يسلم لنا جنة أمانينا من غفوة الوديان لصحوة روابينا».من فندق برازيليا (الحازمية) حيث كانت تقيم في الأعوام الستة الاخيرة انتقلت صباح في مشوارها الاخير على وقع «زفة» امتزج فيها الفرح بغصّة فراق فنانة استوطن صوتها صباحات لبنان وصبحياته. ومع الوصول الى كاتدرائية مار جرجس للموارنة في وسط بيروت، لم يتغيّر المشهد مع فارق الحشد الشعبي والفني والرسمي الذي رسم لوحة تشبه هامة الراحلة الكبيرة التي تقدّم المعزين بها في الكنيسة رئيس الحكومة تمام سلام وزوجته وترأس جنازتها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي ألقى عظة فنية اجتماعية سياسية أشاد فيها بما قدمته وتركته الصبوحة، مثنياً على حبها للبنان، فيما حضرت التشييع كوكبة من الوجوه السياسية في لبنان والفنية اللبنانية والمصرية اضافة الى السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي.ومنذ وصول النعش الى وسط بيروت حيث قوبل بنثر الورود قبل ان يُحمل على الأكفّ وسط تصفيق مدوّ، بدا ان الوداع سيكون كبيراً في كل محطاته التي زيّنتها اغنيات صباح التي بُثت عبر مكبرات صوت من على السيارات التي رافقت موكبها، وسط استنفار غير مسبوق للشاشات اللبنانية التي تولّت النقل المباشر لـ «يوم الصبوحة» لحظة بلحظة ومباشرة على الهواء.ومع انتقال جثمان صباح في مسيرة مترامية من السيارات في اتجاه مسقطها بدادون، كانت لها وقفات في اكثر من محطة استُقبلت فيها بفرح حزين، ولا سيما في الفياضية وصولاً الى كنيسة سان تيريز حيث اقيمت التراتيل، قبل ان تتوجه الوفود الى وادي شحرور حيث نشأت الصبوحة وتحديداً «حارة الفغالي» (حيث ساحة «الاسطورة» أي الشارع المسمى باسمها)، ومنها الى حومال ثم سيراً على الاقدام الى بدادون التي ازدانت كل الطرق المؤدية إليها بصور الراحلة وسط لافتات كتبت عليها عبارات الترحيب وزينة ارتدتها جدران الكنيسة حيث اقيم القداس الالهي عن راحة نفسها. وما ان بلغ الموكب بدادون (اعلن رئيس بلديتها اقامة متحف لصباح فيها تخليداً لذكراها) حتى انفجرت الالعاب النارية ورقصات الدبكة على وقع اغنياتها تنفيذاً لوصيتها، وكان اللقاء مؤثراً وممزوجاً بالاعتزاز بفنانة بلغت شهرتها كل العالم العربي وغنّت على أهم مسارح العالم ورسمت مسيرة لن تقبع في العتمة لان وراء كل ليل... صباح.30 نوفمبر 2014، تاريخ دخل تاريخ لبنان الفني مع عودة جانيت فغالي (صباح) الى تراب الوطن الذي غنّت له «يا لبنان دخل ترابك».
صباح غادرت بفستان ... فرح
| بيروت - «الراي» |مع رحيلها لم تتغير صورة «ايقونة» الجمال والموضة صباح التي ووريت في الثرى في فستان أبيض من تصميم المصمم اللبناني بسام نعمة الذي رافق الشحرورة في إطلالاتها على مدى أعوام. وتم اختيار «فستان الموت» الابيض لصباح، بما يعكس إرداة الحياة التي تحلت بها ورغبتها في ان لا وداعها «عرساً» وليس محطة حزن ورثاء.وتحدث المصصم بسام نعمة لـ «الراي» عن ملابسات تصميمه الفستان فأكد ان «الشحرورة» لم تطلب منه ذلك قبل وفاتها ولكنه ارتأى القيام بهذه الخطوة في جلسة مع أهلها «تكريماً وتقديراً ووفاء لها كونها صديقة وجمعتنا عِشرة عمر امتدت نحو خمسة عشر عاماً» وقال: «الأسطورة يليق بها ان ترتدي فستانا مميزاً حتى في وفاتها».واوضح ان «فستان الوداع» الذي صممه لها يتميز بتصميمه البسيط جداً، وقال عنه: «فستان وداع الصبوحة يعاكس تماماً ما ارتدته في حياتها من بهرجة، اخترتُ القماش من الساتان الحرير والـ غيبور الجميل واللون الابيض». بسام نعمة لا يريد أن يُفهم خطأ وان يقال انه قام بهذه الخطوة ليرتبط اسمه بأنه هو مَن صمم فستان صباح الأخير «فهذا الفستان تحية وداع لعملاقة من لبنان ستبقى اسطورة بعد رحيلها كما كانت في حياتها».فيروز لصباح: شمسك «ما بتغيب»
كانت السيدة فيروز الغائب الأكثر حضوراً في وداع الفنانة صباح، وهما اللتان شكلتا مع الراحل وديع الصافي «قلعة» لبنان الفنية على مدى عقود من الزمن.وبرز بين أكاليل الزهر الكثيرة التي ارسلت الى كاتدرائية مار جاورجيوس في وسط بيروت اكليل مقدّم الى روح الفنانة الراحلة وكتب عليه «شمسك ما بتغيب» وحمل توقيع «فيروز».وفي موازاة ذلك، واكبت «فيروزة الغناء» غياب صباح والشاعر الكبير سعيد عقل الذي قدّمت الكثير من الروائع التي كتبها، عبر صفحتها الرسمية على موقع «فيسبوك» التي تديرها ابنتها ريما التي نشرت رسالة بالصوت مرفقة بمجموعة صور للراحليْن (سعيد عقل وصباح) بالإضافة الى الأخوين الرحباني ووديع الصافي ونصري شمس الدين وفيلمون وهبي والشاعر أنسي الحاج. أما الأغنية فهي «راحوا».«الراي» واكبت الجنازة - التحية لكبيرة من «بلاد الأرز»وداع «الصبّوحة» في عيون نجوم لبنانيين ومصريين
| بيروت - محمد حسن حجازي |أٌقام اللبنانيون عرساً للراحلة الكبيرة صباح. الكل نفذ الوصية... الضحكات على الوجوه والمفارقة مع كلمة: أيقونة، ثم الله يرحمها. موسيقى الجيش اللبناني تصدح في الساحة الخارجية لكنيسة مار جرجس المارونية في وسط بيروت.بالعشرات وصل الفنانون والصحافيون وعامة الناس وكان سبقهم اكثر من فريق إذاعي وتلفزيوني وغالبيهم في بث حي على الهواء، مع لقاءات مباشرة على الهواء، مع فنانين لبنانيين من ممثلين (صلاح تيزاني، شوقي متى، كارلوس عازار، مارسيل مارينا، ورد الخال وغيرهم) ومطربين (وليد توفيق، نجوى كرم، ماجدة الرومي، راغب علامة، مايز البياع، نقولا الأسطة وغيرهم) وتجمّع الحضور داخل باحة الكنيسة الخارجية بينما وقف أحبة الراحلة خلف أشرطة صفراء للشرطة وُضعت للحفاظ على النظام في الشارع المفضي الى الكنيسة الرحبة، حيث كانت آليات الجيش تملأ المكان فيما كل الجنود من كتيبة الموسيقى التي تولت منذ الحادية عشرة والنصف من قبل ظهر أمس العزف المتواصل املاً في جعل وصية الصبوحة منفذة بالكامل وكما ارادتها، اي ان يغني الجميع في وداعها ويرقصوا ويتبادلوا عبارات التعزية ثم «فرح عامر» كلما استذكروا ما كانته الشحرورة، وما عاشته، وما كانت تفعله كي تبقى معالم الحبور مرموقة على الوجوه كلها.المطربة ماجدة الرومي التي شاركت في العزاء قالت لـ «الراي»: «صباح فنانة كبيرة محترمة، هي رمز لكل ما هو راق ورائع ومهم في حياتنا الفنية، علّمتنا ان نواجه بالحب كل ما يعترضنا وسنكون الفائزين، رحمها الله، عاشت حياتها وها هي الناس تحتفل بوفاتها في عرس كبير».وفي صالون الكنيسة الرحب المساحة تواجد الفنان سمير صبري، الذي كان واحداً من بين عدة فنانين مصريين وصلوا خصيصاً للمشاركة في وداع الصبوحة، منهم عمر عبد العزيز، ونقيب السينمائيين مسعد فودة، إلهام شاهين، لبلبة، وآخرين وصلوا على متن طائرة خاصة قادمين من القاهرة.وقال صبري: «مش ممكن ترحل الصبوحة من غير وداع، كل مصر زعلانة وحزينة، وإحنا عندنا في 7 ديسمبر موعد عزاء في صباح». كل هذا رداً لما قدمته صباح لمصر وللسينما وللفن، وللعادات والتقاليد الفنية التي أرستها في حياتها وتحولت الى نمط حياة وعيش على افضل مستوى.وعن وصفه لهذه الخسارة الفنية، رد معقباً: «هي أمضت نحو سبعين عاماً تقدّم لنا فناً في السينما والمسرح والأغنيات. يعني نحن عندنا الكثير مما تركته لنا كي يبقى شاهداً على عطائها الرائع، وفي آخر ايامها، في سنوات محنتها لم تقم بأي جهد، هذا يعني انها اعطتنا ما تقدر عليه ثم استراحت».وليد توفيق قال انها «ست الستات، مدرسة ورمز صعب ان يتكرر في اي وقت من الاوقات، وما نراه من حب الناس لها، ومن الفرح على وجوههم في يوم يبدو عرساً وليس عزاء يعتبر حالة استثنائية في الوسط الفني على مدى عقود من الزمن».وزير التربية والتعليم العالي الاستاذ الياس بو صعب اكد ان حفل وداع الفنانة الكبيرة صباح هو «تحية لما تمثله من رمز فني وطني وإنساني. لقد كانت امرأة مختلفة عرفت ان حياتها كنجمة هي جزء من رسالة واضحة الى جموع من احبوها وواكبوا جديدها، واحترموا ما تقدمه من ابداعات بالصورة أو بالصوت».